أنقاض الحرب توفر فرصا وتخلق مخاطر في غزة

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يضع قيودا صارمة على جهود إعادة تدوير الأنقاض.
الاثنين 2022/01/17
طريق الاستفادة من الأنقاض ملغوم

غزة - تُشكل أنقاض الحرب في قطاع غزة سلاحا ذا حدين فبإمكانها أن توفر فرصا لكنها قد تتسبب بمخاطر، خاصة في ظل عجز الحكومة التي تقودها حركة حماس في القطاع عن تنظيم عملية الاستفادة من هذه الأنقاض.

ويفتقر قطاع غزة إلى الوظائف والكهرباء والموارد الطبيعية، ووقع جمع الكثير من الأنقاض بعد أربع حروب مع إسرائيل في ما يزيد قليلا عن عقد من الزمان.

وتجد الشركات المحلية الآن طرقا للاستفادة من قطع الخرسانة والطوب والأنقاض التي خلفتها سنوات من الصراع.

وفي منطقة تعاني من نقص مزمن في مواد البناء، انتشرت صناعة إعادة التدوير المزدحمة، مما يوفر دخلا لعدد قليل من المحظوظين، لكنه يثير مخاوف من أن الأنقاض المجددة تبقى دون المستوى المطلوب وغير آمنة.

وقال ناجي سرحان، وهو نائب وزير الإسكان في الحكومة التي تقودها حماس، إنها “تجارة مربحة” وإن التحدي يكمن في تنظيم استخدام الركام المعاد تدويره في البناء.

وتابع “نحاول السيطرة على إساءة استخدام هذه المواد وتصحيحها”.

ناجي سرحان: نحاول السيطرة على إساءة استخدام المواد وتصحيحها

وخاض زعماء حماس في غزة وإسرائيل الحرب أربع مرات منذ أن سيطرت على القطاع في عام 2007 الجماعة الإسلامية المسلحة التي تعارض وجود إسرائيل. وأدت الغارات الجوية الإسرائيلية في آخر قتال خلال شهر مايو الماضي إلى تدمير عشرات الآلاف من المباني.

ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه عمل مع القطاع الخاص المحلي لإزالة 2.5 مليون طن متري من الركام التي خلفتها الحروب في 2009 و2012 و2014. وتقول وزارة الإسكان في غزة إن الحرب التي استمرت 11 يوما في مايو خلفت 270 ألف طن إضافية.

وعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إعادة تدوير الأنقاض منذ انسحاب إسرائيل من غزة سنة 2005. كما لعبت دورا رئيسيا في عملية التنظيف الأخيرة، حيث أزيلت حوالي 110 آلاف طن، أو أكثر من ثلث الأنقاض. ويشمل ذلك برج الجوهرة الشاهق في وسط مدينة غزة الذي تضرر بشدة من جراء الصواريخ الإسرائيلية إلى درجة أنه اعتبُر غير قابل للإصلاح. وقالت إسرائيل إن المبنى كان يضم عمليات استخبارات عسكرية تابعة لحماس.

وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، أزالت الحفارات فوق المبنى طابقا تلو الآخر بشكل منهجي. لم يتبق سوى طابق واحد وتقوم أطقم البناء الآن بإزالة أساسات المبنى وأعمدته من على الأرض.

وفي مشهد مألوف خارج كل مبنى دمرته الحرب، عمل العمال على فصل حديد التسليح الملتوي عن الركام، لتقويمه وإعادة استخدامه في أشياء مثل الجدران الحدودية وألواح الأرضية.

وفرضت إسرائيل حصارا على غزة على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، مما فرض قيودا على دخول مواد البناء التي تشتد الحاجة إليها. وتقول إسرائيل إن مثل هذه القيود ضرورية لمنع حماس من تحويل البضائع مثل الخرسانة والصلب لاستخدامها في الأغراض العسكرية. ومنذ 2014، سُمح بتمرير بعض الواردات تحت إشراف الأمم المتحدة. لكن الآلاف من المنازل بحاجة إلى الإصلاح أو إعادة البناء، والنقص متفشّ.

ووضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قيودا صارمة على جهود إعادة التدوير. وتقول إن الأنقاض المتجددة ليست آمنة بما يكفي لاستخدامها في تشييد المنازل والمباني. ويسمح بدلا من ذلك باستخدامها فقط في مشاريع الطرق.

وقالت إيفون هيل المتحدثة باسم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “لا نوصي باستخدام أيّ من الأنقاض في أي إعادة إعمار على هذا النحو، لأنها ليست مادة ذات نوعية جيدة لإعادة الإعمار”.

وفي أحد الأيام خلال الفترة الأخيرة، دخلت الشاحنات في أرض منخفضة في وسط غزة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، محملة بقطع كبيرة من برج الجوهرة. ويشرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على الموقع، المتاخم لجبل من القمامة الذي يستخدم كمكب نفايات رئيسي في غزة. وملأت الجرافة دلوا بالحطام الذي ألقي في آلة التكسير التي تنتج قطعا كبيرة من الركام قال مشرف الموقع إنه يمكن استخدامها كقاعدة تحت طبقة الإسفلت في بناء الطرقات. وبسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، لا يُسمح بتكسير الركام وتحويله إلى ركام أصغر يمكن استخدامه في بناء المنازل.

Thumbnail

ثم تعود الشاحنات بعد ذلك إلى مدينة غزة حيث يمول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروع طريق، مما يوفر مصدر عمل تشتد الحاجة إليه في منطقة تعاني من بطالة تقارب 50 في المئة.

وقدمت مشاريع الطرق التابعة للأمم المتحدة حلا جزئيا لمشكلة الأنقاض، لكن معظم حطام غزة لا يزال يشق طريقه إلى القطاع الخاص اليائس. وقال سرحان، المسؤول بوزارة الإسكان، إنه يُمنع “استخدام الأنقاض المعاد تدويرها في أعمال البناء الكبرى”. لكنه اعتبر أن فرض هذا الحظر صعب للغاية وأن الكثير من المواد تتسلل مرة أخرى إلى أسواق البناء المحلية.

وقال أحمد أبوعساكر مهندس من اتحاد المقاولين في غزة، “إن العديد من مصانع الطوب تستخدم الركام المحلي”، وحدد أنه ليس “مصدر قلق كبير”. وأوضح أنه كانت هناك بعض الحالات المنفردة لخلطه في الخرسانة، وهو أمر أكثر خطورة بكثير. ولم ترد أي تقارير عن انهيارات مبان. لكن أبوعساكر يقدر بناء الآلاف من المنازل بمواد من الركام المعاد تدويره منذ 2014.

وفي شمال مركز المعالجة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مباشرة يوجد حوالي 50 كسارة ركام تعمل بجد في منشأة خاصة في اليوم الأخير، وتنتج أنواعا مختلفة من الركام.

وتوجد أكوام من الركام الصغير حول الكسارات، مع قطع صغيرة من البلاستيك المقطوع والقماش والخشب المختلطة بوضوح. ويقول عنتر الكتاتني، الذي يدير مصنعا مجاورا للطوب، إنه يصنع الطوب باستخدام ركام السمسم. واعترف أن المادة بها شوائب مثل الرمل ولكنّ هناك جانبا مفضلا “فهي تصنع المزيد من الطوب”. وقال إن المهندسين لا يشترون منه للمشاريع الممولة دوليا، لأنه لا يُسمح لهم بذلك، “لكن الفقراء يفعلون ذلك”.

وتبلغ تكلفة الطوب شيكلين، أو حوالي 65 سنتا، عند تصنيعها من مواد إجمالية عالية الجودة مستوردة من إسرائيل. ويعدّ سعر ما يصنعه أرخص بقليل إذ يبلغ 1.7 أو 1.8 شيكل. وعندما يتطلب مشروع نموذجي عدة آلاف من قطع الطوب، فإن فرق السعر الصغير يمكن أن يضيف لعائلة فقيرة.

وقال سرحان إنه بالنظر إلى الحصار والعديد من المشكلات الأخرى في غزة، من الصعب تنظيم صناعة السوق الرمادية.

وقال “لا يمكننا مراقبة كل مواطن أو السيطرة عليه. ولهذا السبب قد تجد شخصا يستخدم الأنقاض المعاد تدويرها هنا أو هناك”.

7