الجزائر تدعم نفوذها في مالي بالتوسط مع إيكواس

الجزائر - تحاول الجزائر الحفاظ على مصالحها في منطقة الساحل والصحراء وهي تنظر بقلق تجاه تصاعد النفوذ الروسي، الذي استغل بدوره التراجع الفرنسي نتيجة التوتر بين باريس وباماكو.
والثلاثاء أعلنت الجزائر أنها على استعداد للوساطة بين جارتها الجنوبية مالي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، بعد نشوب أزمة بين الجانبين حول المرحلة الانتقالية.
وقالت الرئاسة الجزائرية في بيانها "الجزائر تعرب عن تمام استعدادها لمرافقة نشيطة لجمهورية مالي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، على درب التفاهم المتبادل حول رؤية تضامنية تصون المصالح العليا للشعب المالي الشقيق".
والأحد دعت إيكواس، وهي تضم 15 دولة في غرب أفريقيا بما فيها مالي، خلال قمة استثنائية في عاصمة غانا أكرا، موريتانيا والجزائر إلى دعم تنفيذ عقوباتها ضد مالي، باعتبار أنهما تحدان البلاد، وليستا عضوين في المجموعة.
وفرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عقوبات على السلطة الانتقالية في مالي، واستدعت الدول الأعضاء سفراءها في باماكو، على خلفية تقديم مالي مقترحا بخصوص تمديد الفترة الانتقالية، معتبرة أن "السلطة الانتقالية في مالي تسعى إلى أخذ الشعب المالي كرهينة، وأنها غير شرعية".
والاثنين أكد رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي أسيمي غويتا في خطاب تلفزيوني، أن بلاده تظل منفتحة على الحوار مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لإيجاد توافق في الآراء حول الأزمة، رغم عدم شرعية قرارتها.
ودعت الجزائر في بيانها اليوم جميع الأطراف إلى "ضبط النفس والعودة إلى الحوار لتجنيب المنطقة دوامة التوترات وتفاقم الأزمة".
وأوضحت أن الرئيس عبدالمجيد تبون أكد خلال استقبال وفد رسمي من دولة مالي قبل أيام "ضرورة تبني مقاربة شاملة تتوافق مع مدى تعقد المشاكل الهيكلية والاقتصادية، وكذا التحديات الواجب رفعها بما فيها مكافحة الإرهاب".
وأوضح أن "فترة انتقالية لمدة تتراوح بين 12 و16 شهرا تكون معقولة ومبررة".
وفي الثاني من يناير الجاري اقترحت السلطة الانقلابية في مالي فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، لتأسيس أجواء مناسبة لإجراء انتخابات في البلاد.
ويدور جدل منذ شهور بين حكومة مالي و"إيكواس"، التي تطالب إلى جانب المجتمع الدولي، بإجراء الانتخابات في وقتها المحدد خلال فبراير 2022.
وفي التاسع عشر من أغسطس 2020 قاد العقيد أسيمي غويتا، مع عسكريين آخرين، انقلابا على رئيس مالي آنذاك إبراهيم أبوبكر كيتا.
وأعلن غويتا في الحادي والعشرين من مايو 2021 إقالة الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، بحجة خرق ميثاق المرحلة الانتقالية.
وأيدت روسيا السلطات العسكرية الجديدة في مالي، مستغلة الخلافات بين غويتا والسلطات الفرنسية، التي طالبت بعودة الحكم المدني في مالي.
وعملت موسكو على الاستثمار في التراجع الفرنسي في مالي، وخاصة انهيار صورة عملية برخان التي سعت من خلالها باريس لوضع حد لخطر الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء.
وتمكنت روسيا من استغلال الخلافات بين فرنسا والجزائر، وخاصة قرار السلطات الجزائرية عدم السماح للطائرات العسكرية الفرنسية بعبور مجالها الجوي إلى مالي، وذلك لمد النفوذ وعقد اتفاقيات مع الجانب المالي.
وقدمت موسكو مساعدات عسكرية للحكومة الانتقالية في مالي. كما تم عقد اتفاقيات أمنية من بينها جلب مرتزقة فاغنر.
وانطلقت روسيا في تدعيم تواجدها العسكري في المنطقة بداية بتصعيد نفوذها في أفريقيا الوسطى منذ 2016، بعد أن قررت فرنسا إنهاء وجودها العسكري في هذه الدولة، ضمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار "مينوسكا".
ورغم أن الجزائر دعمت السلطات المالية الجديدة واستفادت في البداية من تراجع النفوذ العسكري الفرنسي في مالي ومزاحمة موسكو لباريس على الساحة المالية، لكنها اليوم باتت تنظر بقلق إلى حجم التعاون بين روسيا ومالي في منطقة تعتبر حديقة خلفية لها.
ولا يمكن فصل هذه المخاوف الجزائرية عن حالة العزلة التي يعيشها النظام، بسبب تدهور علاقاته مع باريس من جهة، بعد الاتهامات الموجهة للحكومة الفرنسية بالتدخل في الشأن الجزائري، ومع المغرب من جهة ثانية، بسبب ملف الصحراء المغربية وتداعيات قطع العلاقات.
وبالتالي باتت منطقة الساحل والصحراء المتنفس الأكبر للجزائر، فهي تعول على تعزيز العلاقات، خاصة الاقتصادية، مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء.
والنفوذ الجزائري في منطقة الساحل والصحراء نفوذ اقتصادي، حيث سعت السلطات الجزائرية إلى ربط علاقات اقتصادية مع دول الساحل تمهيدا لتعزيز العلاقات مع كافة الدول الأفريقية، التي يمكن أن تكون سوقا اقتصادية هامة للجزائر.
وتعول الجزائر في خضم تمددها الناعم على إنجاز عدد من المشاريع الكبرى، ومنها خاصة الطريق العابر للصحراء، والذي سيستغل بشكل كامل عقب بناء ميناء الحمدانية بمدينة شرشال، بمحافظة تيبازة، والذي يربط ست دول (الجزائر وتونس والنيجر ونيجيريا ومالي وتشاد).
ويرى مراقبون أن المشروع الجزائري الواعد سيكون مضاعفا بخط أنابيب لتصدير الغاز النيجيري، وبخط آخر للألياف البصرية يربط الجزائر بنيجيريا.
لكن هذا الطموح الجزائري بات مهددا، كونه سيصطدم بالدب الروسي الذي يسعى لتعزيز حضوره العسكري والأمني وحتى الاقتصادي.
ولعل تحول منطقة الساحل إلى ساحة للنفوذ الدولي دفع الجزائر إلى إدراج بند جديد في الدستور نص على إمكانية إرسال وحدات قتالية إلى الخارج شريطة موافقة البرلمان، وهو ما فُسّر بأنه ضوء أخضر للقيام بتدخلات عسكرية في الساحل الأفريقي.