صندوق الثروة الكويتي يوجه بوصلته نحو الاستثمارات المستدامة

كشفت الكويت أن صندوقها السيادي يسعى لتوجيه بوصلته نحو الاستثمارات المستدامة في مسعى للّحاق بركب جيرانها في الخليج وخاصة السعودية والإمارات وعمان، والتي جعلت من المشاريع الخضراء إحدى أبرز أولوياتها الاستراتيجية في طريق تنويع مزيج الطاقة وتعزيز كفاءة الإنتاج.
الكويت - أعلنت هيئة الاستثمار الكويتية (الصندوق السيادي) أنها تخطط لجعل محفظتها ممتثلة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بشكل كامل، في الوقت الذي تتحرك فيه دول الخليج المعتمدة على النفط نحو مرحلة ما بعد الخام في تعليق نادر على استراتيجيتها.
وخلال سنوات الطفرة النفطية عززت الكويت ثرواتها بفضل صادرات الخام الهائلة، وهو أمر يجعل محرك اقتصادها في حالة صدام وتعارض مع مبادئ المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وعلى عكس جاراتها في منطقة الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، لم تحدد السلطات الكويتية هدف انبعاثات كربون صفرية صافية رغم تسجيلها بعضاً من أعلى درجات الحرارة على الكوكب.
ومع ذلك فإن الهيئة التي تدير 700 مليار دولار من الأصول، وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادي، والتي لها هيكل إداري خاص بها، تقول إن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أصبحت محورية لآفاقها المستقبلية.
ولطالما سعى أقدم وثالث أكبر صندوق سيادي في العالم، الذي يبقي حجم محفظته ومخصصاته طي الكتمان إلى حد كبير، لحماية نفسه من الاضطراب السياسي في البلاد من خلال الالتزام بمهمة إعداد الدولة العضو في أوبك لمستقبل ما بعد النفط.

غانم الغنيمان: هيئة الاستثمار تعمل على مواءمة استراتيجيتها للمعايير الدولية
وأعطى غانم الغنيمان العضو المنتدب للهيئة في مقابلة مع وكالة بلومبرغ لمحة نادرة عما يحدث داخل الصندوق. وقال إن “العملية جارية، إذ تتحول الهيئة حالياً نحو الامتثال بنسبة 100 في المئة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في المحفظة بأكملها مع التركيز حالياً على الجانب البيئي من المعايير”.
وبحسب الغنيمان الذي تولى منصبه في أغسطس طبقت الهيئة تلك المعايير التي وضعتها مع مواءمتها للمعايير الدولية، كما بدأت الهيئة في إصدار تقارير ربع سنوية خاصة بتلك المعايير للمساهمين.
وتتضمن أهداف الصندوق السيادي كافة فئات الأصول والمناطق الواقعة تحت إدارته وقد تتضمن أيضاً الشركات التي أدركت وتكيفت مع المخاطر والفرص المالية التي جلبها التغير المناخي ونضوب الموارد.
وتماشياً مع سياسة الصندوق لم يكشف الغنيمان عن قدر الأصول الخاضعة للإدارة المتوافقة مع تلك المعايير لكن مصدرا مطلعا قال لبلومبرغ، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لسرية المعلومات، إن “ثلثي أصول الهيئة على الأقل ممتثلة للمعايير”.
وتتعامل الصناديق السيادية مع المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة بجدية أكبر رغم انتقادها على تشبثها باستراتيجيات تفشل في الاعتراف بمدى سرعة ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
ووفقاً لبلومبرغ انتليجينس يسير سوق التمويل الممتثل لتلك المعايير على مسار تجاوز نحو 50 تريليون دولار بحلول عام 2025، إذ يتوصل عمالقة التمويل العالمي إلى طرق مبتكرة بشكل متزايد من أجل الامتثال للمعايير.
ويحذر محللون من أن الشعبية المتزايدة لتلك المعايير أدت إلى الغسل الأخضر على نطاق واسع مع تضخيم مزاعم الاستدامة أو حتى الكذب بشأنها.
وكانت الصناديق السيادية، التي أنشأت الدول النفطية معظمها، من بين أبطأ المتحركين؛ فقد قالت دراسة استقصائية أعدها معهد الصناديق السيادية العام الماضي إن ما يزيد قليلاً عن الثلث قد حسبوا البصمة الكربونية لمحافظهم الاستثمارية.
وحدد المعهد ذلك عند ارتفاع بنحو 23 في المئة عن 2020، بينما يستخدم 31 في المئة منهم الآن تحليل سيناريوهات المناخ مقارنة بنحو 17 في المئة فقط في عام 2020.
وتشيع السرية التي تعتمدها هيئة الاستثمار الكويتية عبر الصناديق الكبيرة الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
وكشفت دراسة أجريت العام الماضي على المستثمرين السياديين أن العديد من الكيانات الخليجية الكبرى تتسم بعدم كفاية الإفصاح ونقص الشفافية وصنّفت في مرتبة أقل مقارنة بالصناديق في أستراليا والنرويج ونيوزيلندا.
وفي حين تعني التنظيمات المفروضة العام الماضي في أوروبا أنه يجب الآن إثبات صحة التقارير البيئية والاجتماعية والحوكمة، أشارت لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة إلى أنها لن تتسامح بعد الآن مع تضخيم بيانات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
ولكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول المنهجيات، خاصة خارج أوروبا والولايات المتحدة.
وقال الغنيمان “أصبح التفكير في الاستثمار في الأوراق المالية للشركات التي تتمتع بسمات بيئية واجتماعية وحوكمة مواتية جزءاً أساسياً من عملية صنع القرار الاستثماري في الهيئة العامة للاستثمار”.
وأضاف أنه “أثناء تقييم الأصول الممتثلة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، يتم أيضاً تحليل وتقييم التعرض للمخاطر التي قد تعوق العائدات على المدى الطويل”، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي للصندوق المتمثل في تحقيق أهداف تجارية مربحة لا يزال سارياً.
وتمتلك الهيئة حصصاً في الموانئ والمطارات وأنظمة توزيع الكهرباء حول العالم، وتدير صندوق الأجيال القادمة الذي تم تأسيسه لتقليل الاعتماد على الاستثمارات المتعلقة بالنفط، وكذلك صندوق الاحتياطي العام، مصدر الحكومة الرئيسي لتمويل الموازنة.
أهداف الصندوق السيادي تتضمن كافة فئات الأصول والمناطق الواقعة تحت إدارته وقد تتضمن أيضاً الشركات التي أدركت وتكيفت مع المخاطر والفرص المالية التي جلبها التغير المناخي ونضوب الموارد
ووفقا لبيان مهمته، فإن صندوق الأجيال القادمة هو بديل للنفط، وهو في الأساس تحوط ضد القطاع الذي يوفر نحو 90 في المئة من دخل البلد.
وتعد الهيئة أحد الأعضاء المؤسسين لمبادرة “صندوق كوكب واحد للثروة السيادية”، التي تتمثل مهمتها في الاستثمار في الانتقال السلس إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات.
ويؤكد الغنيمان أن مديري الأصول الخارجيين التابعين للهيئة يطبقون إطار المبادرة “كلما وحيثما أمكن ذلك”.
وأوضح أن هدف الهيئة يتمثل في تحقيق الانسجام بين الاستثمارات الممتثلة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والتركيز طويل الأجل على الربحية والاستقرار والنمو. وقال “تواصل الهيئة التطور وقد استجابت بشكل مسؤول واستباقيّ”.
ووفق مؤسسة غلوبال أس.دبليو.أف التي تتبع جميع الصناديق السيادية في العالم فإنه لأول مرة استثمرت الصناديق السيادية رأس مال أكبر في الطاقة المتجددة في العام الماضي من النفط والغاز عند 23 مليار دولار أو أكثر من ثلاثة أضعاف القيمة الإجمالية.
وقال خبراء المؤسسة في مذكرة “كان هذا الإنجاز في طور التكوين لبضع سنوات، وقد اختتم اتجاهاً كان مدفوعاً بالضغط الاجتماعي والعوائد المالية، وسرَّعته الجائحة”.
وأشاروا إلى أن الصناديق السيادية تتعرض للضغوط من أجل الوصول إلى مبادرات مستدامة عالية الجودة وتوظيف رأس المال فيها.