حضور متزايد لـ"مدربين" روس في مالي مع توتر سياسي مع الغرب

باماكو - شهدت مالي ارتفاعا في عدد المدربين الروس في الفترة الأخيرة، بعد انسحاب جنود فرنسيين، وسط اتهامات لموسكو بنشر مرتزقة في باماكو، بالتزامن مع توتر سياسي متصاعد مع الدول الغربية.
وانتشر العديد من المدربين العسكريين الروس في مالي خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصا في قاعدة تمبكتو (شمال) التي غادرها الجنود الفرنسيون مؤخرا، وفق ما أفاد مسؤولون عسكريون ماليون، في ظل التوتر مع الشركاء الدوليين الذين يتّهمون موسكو بنشر مرتزقة في البلاد.
وردّ أحد هؤلاء المسؤولين إيجابا على احتمال أن يكون عدد هؤلاء المدربين الآن حوالي أربعمئة في أنحاء البلاد.
وكان هناك عسكريون روس سابقا في البلاد يعملون مثلا في صيانة المعدات، لكنهم لم يكونوا ملحوظين على هذا النحو.
ويعزز الوصول المفترض لعدد من المدربين الروس الشكوك حول لجوء السلطات المالية إلى خدمات مجموعة فاغنر شبه العسكرية المثيرة للجدل، رغم إنكار باماكاو ذلك، وتتزايد الشكوك بالنظر للروابط الغامضة بين فاغنر وموسكو.
حوالي خمسة عشر شريكا غربيا لمالي أفادوا بأن فاغنر بدأت الانتشار في البلاد بدعم من موسكو في ديسمبر الماضي
وأكد مسؤول أمني غربي ودبلوماسي أفريقي يعمل في باماكو ومسؤول محلي منتخب لوكالة فرانس وجود مرتزقة روس، وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظرا لحساسية الموضوع.
ونهاية ديسمبر الماضي أفاد حوالي خمسة عشر شريكا غربيا لمالي بأن فاغنر بدأت الانتشار في البلاد بدعم من موسكو.
وتشهد مالي أزمة أمنية وسياسية عميقة منذ اندلاع حركة انفصالية مسلحة في الشمال عام 2012 تلاها تمرد جهادي مستمر.
وتنكر السلطات المالية التي جاءت إثر انقلابين في أغسطس 2020 ومايو 2021 حتى الآن انتشار فاغنر أو حتى إبرام اتفاق معها، وتؤكد وجود مدربين روس على غرار المدربين الأوروبيين.
ويتزامن تعزيز التعاون مع روسيا مع إعادة هيكلة فرنسا لانتشارها في مالي وبدئها تقليص قوة برخان التي سيتراجع عددها من نحو خمسة آلاف عنصر في منطقة الساحل في صيف 2021 إلى نحو ثلاثة آلاف في صيف 2022.
وسلمت برخان مؤخرا ثلاث قواعد في شمال البلاد إلى الجيش المالي، آخرها قاعدة في تمبكتو سلمت منتصف ديسمبر.
وتسعى روسيا لاستثمار اضطرابات الدول الأفريقية لتوسيع نفوذها في المنطقة بتعلة دعم القادة الأفارقة المحاصرين وتعزيز الأمن هناك، عبر مرتزقة فاغنر، وتقديم المزيد من الدعم الاقتصادي مقابل الوصول إلى احتياطات الموارد الطبيعية.
وقد تكون مالي وجهة مقاتلين من مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر، بعد أن نشطوا في ما لا يقل عن خمس دول أفريقية هشة بانتهاكات حقوق الإنسان وعمليات القتل خارج نطاق القضاء والتدخل السياسي.
وفي أكتوبر الماضي أفادت وكالة رويترز بأن مالي، التي يحكمها حاليا المجلس العسكري بعد أن تعرضت لانقلابين في الأشهر الثلاثة عشر الماضية، أجرت محادثات مع مجموعة المرتزقة لتوظيف ما لا يقل عن ألف مقاتل لتدريب الجيش في البلاد وتوفير الأمن لكبار المسؤولين.
ويخشى الخبراء والمسؤولون الغربيون أن يترك وجود الجماعة الزعيم الجديد مدينا بالفضل لموسكو ويزيد من حالة عدم الاستقرار التي أدت بالفعل إلى نزوح الملايين من الأشخاص من منازلهم.
وقالت المحللة السياسية المتخصصة في الأمن القومي إيمي ماكينون في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إن وجود الآلاف من المرتزقة في بلد بحجم مالي قد يبدو بمثابة قطرة في بحر، لكن التقارير أثارت القلق في العواصم الغربية، وخاصة باريس، التي تعمل على تقليص وجودها في مكافحة الإرهاب منذ ثماني سنوات في منطقة الساحل.
وأفاد مسؤول مالي بأن مدربين روسا وصلوا مؤخرا إلى تمبكتو لمواكبة تسليم مروحيات روسية.
وأكد مسؤول مالي آخر طلب أيضا عدم ذكر اسمه وجود “مدربين عسكريين روس في عدة مناطق من مالي”.
وأضاف المسؤول المالي الأول “تتحدثون عن المرتزقة، وذلك شأنكم، بالنسبة إلينا، هم مدربون روس”.
الوصول المفترض لعدد من المدربين الروس يعزز الشكوك حول لجوء السلطات المالية إلى خدمات مجموعة فاغنر شبه العسكرية المثيرة للجد
وتحدث مسؤول أمني غربي عن “انتشار بضع مئات من المرتزقة الروس من شركة فاغنر على الأراضي المالية بين الوسط والشمال”.
وأشار إلى حادثين وقعا مؤخرا، هما إصابة أحد أعضاء فاغنر بانفجار لغم وسط البلاد مطلع الأسبوع، والاحتجاج شبه غير المسبوق للسلطات المالية ضد تحليق طائرة تابعة لقوة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) فوق معسكر سوفارا (الوسط).
ولم يتسن الحصول على رد فعل رسمي روسي، وقد أكد الكرملين مرارا أن فاغنر شركة خاصة لا علاقة له بها.
وأكد أحد المسؤولين الماليين أنه تم التواصل مع مينوسما “لمطالبتها بشدة بعدم تحليق طائراتها فوق معسكرنا في سوفارا”.
وقال المتحدث باسم رئاسة أركان الجيش الفرنسي الكولونيل باسكال إياني “نحن في مناطق منفصلة تماما، لذا فإن قوة برخان غير معنية بهذا الحادث، هذا إن كان قد حدث على الإطلاق”.
لكنّ مسؤولا محليا نافذا في بلدة بوسط مالي أكد أن “عبوات ناسفة أصابت وربما قتلت مرتزقة روسا”.
وأردف “أنا على الأرض. هناك مدربون ومرتزقة” روس وغير روس يعملون لصالحهم.
وأفاد دبلوماسي فرنسي رفيع الجمعة أنه يتم العمل على تقييم أبعاد وتأثير أنشطة فاغنر. وقال إن هذا الانتشار يظل “غير مقبول” لأنه “يؤدي إلى تهديد أمني جديد” لكنه لن يقود بالضرورة إلى انسحاب فرنسا.
واعتبر أن المجلس العسكري “غير الشرعي” سعى لتدخل فاغنر “لإنقاذ نفسه”.