عائلة الفاخوري تحافظ على حرفة قديمة في فلسطين

بعض المناطق في الضفة الغربية تواصل العمل في صناعة الفخار ومن أهمها مدينة الخليل التي تشتهر أيضا بصناعة الزجاج.
الجمعة 2022/01/07
سنين أمام الفرن

جبع (الضفة الغربية) – يأخذك باب خشبي قديم إلى قبو صغير في بلدة جبع وسط الضفة الغربية يعمل فيه جمال الفاخوري منذ أربعين عاما محولا قطع الصلصال إلى تحف فنية متعددة الأحجام والأشكال.

يقول الفاخوري (55 عاما) فيما كان يجلس داخل القبو إلى جانب حجر الرحى “اشترى جدي هذا البيت القديم في العام 1936 وحوله إلى مصنع للفخار وتعلم أبي منه المهنة التي تعلمتها أنا بدوري”.

وتحمل عائلة الفاخوري اسم المهنة التي عملت بها منذ ما يقارب 300 عام.

وتعتبر صناعة الفخار والخزف من أقدم الحرف الشعبية الفلسطينية واستخدمت الأواني الفخارية قديما في تخزين الأطعمة وفي الطهي وتقديم الطعام.

وبينما كانت أنامله تداعب قطع الصلصال كريشة فنان محترف يقول الفاخوري “هذا العمل ليس بسيطا كما يبدو، ولكنه يأتي مع التعلم والممارسة.. كنت أجلس وأنظر إلى أبي كيف يعمل عندما كنت طفلا، وبدأت بعد ذلك أجرب العمل حتى أتقنته”.

ويبدي الفاخوري عشقا كبيرا لما يقوم به من عمل وقال “أحب مداعبة الطين، ومن يحب حرفة يتقنها ويبدع فيها، وأنا واظبت على العمل في الفخار حتى صرت معلما”.

وأوضح الفاخوري أن صنع الفخار يمر بمراحل طويلة ومرهقة ولكنه يعشق اللحظة التي يجلس فيها ويبدأ بتطويع عجينة الصلصال كما يحب.

ويضيف “في البداية نحضر نوعين من التربة تكون رطبة من أرض لنا وهي تراب الزمهرير لونها مائل إلى الأبيض وتربة حمراء ويتم خلطهما مع بعضهما ووضعهما في حوض من الماء، وبعد ذلك تتم تصفية الخليط لتنقيته من الشوائب في حوض آخر وهذه عملية قد تستمر عشرين يوما”.

وتبقى عجينة الصلصال في الماء لمدة عام كامل قبل أن يشرع الفاخوري في تشكيلها بأحجام وأشكال مختلفة سواء كانت للزينة أو للاستخدام اليومي كأواني الطعام والشراب.

Thumbnail

ويستخدم الفاخوري منذ سنوات قليلة ماكينة لعجن الصلصال بعد أن كان يقوم بذلك يدويا على مدار سنوات. وإلى جانب القبو، يوجد فرن يعمل على الحطب توضع فيه الأواني الفخارية والمزهريات بعد الانتهاء من تشكيلها ليتم حرقها في درجة حرارة عالية كي تجف. وذكر الفاخوري “يتم وضع منتجات الفخار التي تم الانتهاء منها وربما تكون استغرقت عدة أيام من العمل حسب الطلبيات في بيت النار ليوم كامل”.

ولا تقتصر صناعة الفخاريات على تركها للونها الطبيعي، يقول الفاخوري “الأواني الفخارية تتعدد ألوانها؛ فمنها الأحمر المائل إلى الوردي، وهو اللون الأصلي للتربة المصنوعة منه، وهناك الفخار الأبيض، ويتم خلط عجينة الطين المستخدمة بصناعته بالملح للحصول على هذا اللون، وهناك الفخاريات ذات اللون الأسود، التي يتم تلوينها باستخدام الرماد المتبقي من عملية شواء الأواني الفخارية، وفي أحيان قليلة يتم استخدام بعض الأصباغ الصحية لتلوينها”.

الفاخوري يأمل أن يحافظ على هذه المهنة التي ورثها عن أبيه وأن يورثها لأبنائه، راجيا من السلطات المعنية الاهتمام بهذه الحرفة التراثية

ويشرح “هناك أشكال عدة تتم صناعتها بواسطة الصلصال، ويعدّ القدر الذي يتم استخدامه في طبخ الأرز العمود الفقري في صناعة هذه الأواني، وذلك نظرا للإقبال الكبير على تناول هذه الوجبة التي يضفي عليها قدر الفخار طعما مميزا، كما يكون الإقبال في المرحلة الثانية على شراء الجرن الذي يتم استخدامه في زراعة الورود وبعض الأشجار، وبعض القطع الفخارية تُخصّص لحفظ بعض المقتنيات لدى العائلات كحصالة لحفظ النقود لدى الأطفال”.

ويتابع “هناك بعض الأواني الفخارية التي تتمّ صناعتها بناء على طلب بعض الزبائن الذين يحتاجون إلى أن تتوفر في القطعة بعض اللمسات الفنية التي غالبا ما تتعلق بديكور منازلهم، كالمزهريات، فالزبون له تصوّره الخاص في القطعة التي يريد اقتناءها”.

وأوضح الفاخوري، الذي يمتلئ القبو الذي يعمله فيه بمعدات مختلفة، أن الفخار قابل لجميع الاستخدامات “أول شيء صحي للأكل وللشرب.. ثم إن الناس عرفت مخاطر استخدام الأواني البلاستيكية فرجعت للفخار”.

ويشاركه في هذا الرأي مصطفى بشارات صاحب محل العطارة الذي يشتري بعض أواني الفخار من الفاخوري لعرضها في دكانه ويقول إن هناك إقبالا متزايدا على اقتناء الفخار واستخدامه. وقال بشارات “محل الفاخوري معتمد تاريخيا ومعروف وزاد الإقبال عليه يعد أن عادت الناس للتراث القديم.. فهناك من يأخذ الفخاريات للزينة وآخرون يشترون الأواني للاستعمال اليومي”.

وأضاف “الإقبال ممتاز وبكثرة طبعا هذا تراث إذا لم نحافظ عليه فعلى أي شيء سنحافظ؟ لا بد أن نشكر كل أمثال الفاخوري الذين يحافظون على هذا التراث ولا بد من دعمهم حتى يستمروا”. وتواصل بعض المناطق في الضفة الغربية العمل في صناعة الفخار ومن أهمها مدينة الخليل التي تشتهر أيضا بصناعة الزجاج وكذلك مازالت هذه الصناعة موجودة في قطاع غزة.

ويأمل الفاخوري أن يحافظ على هذه المهنة التي ورثها عن أبيه وأن يورثها لأبنائه، راجيا من السلطات المعنية الاهتمام بهذه الحرفة التراثية التي تواجه منافسة السلع الصينية الرخيصة وصعوبات التصدير إلى الخارج.

Thumbnail
Thumbnail
18