مزارعو العراق عالقون بين منغصات الجفاف وقلة الدعم

بغداد - يجد معظم المزارعين في العراق أنفسهم عالقين بين منغصات التغييرات المناخية التي أثرت على عمليات الإنتاج بسبب التصحّر الذي ضرب أراضيهم، وقلة الدعم الحكومي والذي يقول المسؤولون إنهم يسعون من أجل وضع خطة لدعم القطاع.
وتتصاعد استغاثات المزارعين يوما بعد يوم من الأزمة التي لحقت بهم، حيث يطالبون الجهات المعنية بإنقاذهم من هذا الوضع قبل التفكير في هجرة أراضيهم للبحث عن مصادر رزق أخرى.
ورغم أن الزراعة لا تساهم سوى بنسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد الذي يعتمد في إيراداته على بيع النفط، إلا أنها ما زالت مصدرا لعيش الملايين من العراقيين، ويمكن لحدوث تغييرات كبيرة فيها أن يؤثر على حياتهم بشكل كبير.
ويوشك العراق اليوم أن يدخل في مرحلة زراعية حرجة غير مسبوقة، بعدما قلصت كلّ من تركيا وإيران إمدادات المياه في نهري دجلة والفرات بسبب إنشاء العشرات من السدود على منابع النهرين في كلا البلدين.
نقص المحاصيل المحلية يؤثر على الأسعار في السوق بينما يضطر آخرون إلى استهلاك المنتجات الزراعية المستوردة
ويروي المزارع رسول مهدي البالغ من العمر 55 عاما عمّا حل ببساتينه. ويشكو في حديثه لوكالة الأنباء العراقية من عدم وجود المياه نهائيا في أنهار السقي، مما تسبب بتضرر البساتين والمزارع وموت الأشجار المثمرة وتضرر النخيل بسبب شح المياه.
وذكر وهو يؤشر بيديه على بساتينه في محافظة ديالى “كنت في السابق أسوّق يوميا طنين من الرمان الجيد، وكمية لا بأس بها من العنب، أما الآن وبسبب الجفاف، وصل بي الحال لأشتري الرمان من السوق لعائلتي”.
وبين أن “محافظة ديالى ومنطقة شهربان لها صيتها بزراعة الرمان والعنب والمحاصيل الزراعية بأنواعها، أما الآن وبسبب شح المياه انتهت البساتين والمزارع، ولم يسعفنا أحد”.
ويبدو أن حفر الآبار للسقي مكلف جدا، لأنها تحتاج مصاريف كثيرة مثل المضخات والوقود والصيانة، مما تسبب بترك أغلب البساتين وعدم الاهتمام بها من قبل أصحابها.
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى طارق عوض صاحب بستان برتقال وتمر، والذي يقول إن “أغلب البساتين ماتت والباقي منها لا يغطي مصاريفها، بسبب عدم وجود المياه، ونحن نعيش من واردها، وأغلبنا لا يستطيع حفر آبار لسقي بستانه لأنها مكلفة، حيث يبلغ سعر مضخة الغطاس وحده 6 ملايين دينار (نحو 4 آلاف دولار)”.
وأكمل بالقول “لقد تضررت المحاصيل الزراعية بسبب شح المياه، وأصبحت الثمرة ليست بالجودة ولا بالطعم المعروف، لأنها تعرضت للعطش”.
وتابع أن “محصول البرتقال تعرض للجفاف، فضلا عن قلة منتوج التمر، وهذا حال جميع أنواع الفواكه”، مطالبا الحكومة المحلية، بإيجاد حلول سريعة لإنقاذهم وإنقاذ بساتينهم ومزارعهم.
وألقت عوامل الجفاف التي أصبحت مستمرة ودون أي حلول، بظلالها على معيشة المزارعين الذين وصل بهم الحال إلى عدم القدرة على توفير قوت عوائلهم.
ويؤكد محمد ناصر البالغ من العمر 45 عاما وصاحب أحد البساتين في المحافظة أن أغلب أصحاب البساتين المجاورة هجروها مع عوائلهم إلى مراكز المدن للبحث عن مصادر رزق أخرى.
وقال “بساتيننا تحولت إلى صحارى بفعل الجفاف وعدم قدرتنا المادية على حفر الآبار لكلفتها العالية وصعوبة الحصول على الموافقات، فضلا عن كلفة المضخات، جميعها عوامل أدت إلى اللجوء للهجرة العكسية التي أصبحت هي الحل الوحيد لإنقاذ عوائلنا من الجوع والبحث عن مهن أخرى غير الزراعة”.
ويعاني القطاع رغم المقومات الكبيرة من حالة من الانهيار بسبب غزو المحاصيل الإيرانية والتركية وضعف البنية التحتية وتوقف معظم الخدمات الحكومية للمزارعين، بعد أن كانت تحقق الاكتفاء الذاتي حتى عام 2003.
وأوضح مدير مديرية الموارد المائية في المحافظة مهند العقابي أن المساحات الزراعية والبساتين التي تأثرت بالجفاف هي الأراضي التي تعتمد على مياه بحيرة حمرين، ونتيجة انخفاض منسوب المياه فيها وقلة الأمطار تأثرت بالجفاف.
وأكد أن المديرية اتخذت مجموعة من الإجراءات الصيف الماضي، استطاعت من خلالها الحفاظ على البساتين من خطورة الجفاف، وتوفير المياه للمزارعين.
وتكافح وزارة الموارد المائية والهيئة العامة للتشغيل المتمثلة بمديرية الموارد المائية بالمحافظة لمواجهة ما هو أسوأ مع استمرار انحباس الأمطار.
ومن بين الإجراءات التي قامت بها إنشاء محطة ضخ المياه من نهر دجلة إلى مركز محافظة بعقوبة ونقلها بالطرق الحديثة.
ويذكر العقابي أن هناك تدابير أخرى من ضمنها حفر الآبار في المناطق والقرى النائية البعيدة عن مصادر الأنهار، وكذلك حفر الآبار داخل المحافظة، فضلا عن وجود حملة لإزالة التجاوزات على الأنهار الرئيسة والفرعية.
ومع ذلك تبقى المشكلة قائمة إذ أن نقص المحاصيل يؤثر كثيرا على الأسعار التي لا يجد كثير من العراقيين وخاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة الإمكانيات الكافية لتوفيرها بينما يضطر آخرون إلى استهلاك المنتجات الزراعية المستوردة.
ويشير أحمد كريم محمود صاحب محل للبقالة الذي يعمل في هذه المهنة منذ 17 سنة، إلى أن هناك فرقا كبيرا جدا في الأسعار ونوعية المحصول، حيث إن الجفاف أدى إلى قلة المحاصيل الزراعية وأثر على جودتها.
وقال إن “برتقال ديالى كان حلم الجميع وتنتظره محافظات العراق، الآن أصبح يابسا وصغير الحجم وغير متوفر”. وأضاف “ذهبنا إلى بساتين البرتقال ولم نجد محصولا لنشتريه والموجود قليل جدا وسعره مرتفع، وكذلك الحال بالنسبة إلى محاصيل التمر والعنب وحتى الرمان”.
أما المحاصيل الزراعية الأخرى كالخضار مثل الخيار والطماطم والباذنجان وغيرها فهي غير موجودة نهائيا بسبب شح المياه، مما اضطر محمود لبيع الإنتاج الزراعي المستورد من إيران وسوريا وتركيا.