قراءات في روايات وقصائد عربية بحثا عن طرق جديدة للتأويل

كتاب "القصد والتأويل: في البحث عن المعنى" يقدم أبحاثا تقارب نصوصا سردية وشعرية وتؤسس لمنهج تأويلي مختلف.
الثلاثاء 2022/01/04
التأويل فن يحتاج إلى تبصّر (لوحة للفنان عدنان معيتيق)

بيروت – يضم كتاب “القصد والتأويل: في البحث عن المعنى” للدكتور حمد البليهد أبحاثا تقارب نصوصا سردية وشعرية، وهي أبحاث تتنوع في طرائق تأويلها، إلا أنها تلتقي عند محاولة الإمساك بأطراف المعنى.

وتوزعت الأبحاث في الكتاب، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، على ثلاثة فصول في 296 صفحة.

تناول الناقد بداية في الفصل الأول مراوغات الاعتذار في كتاب “إعتاب الكتّاب” لابن الأبار (توفي سنة 658 هـ)، وخطاب التهكم في كتاب “الساق على الساق” لأحمد فارس الشدياق (توفي عام 1887 م).

أبحاث تتنوع في طرائق تأويلها

ويمثل كتاب “إعتاب الكُتّاب” لابن الأبار موسوعةَ صاحبه في التأليف التي اكتسبها، بالإضافة إلى موهبته واستعداداته، منذ نعومة أظفاره صحبة أبيه الذي رعاه أحسن رعاية وأوصى به أستاذه الربيع الكلاعي الذي لازمه بعد وفاة أبيه. فقد عبَّر هذا المؤلَّف عن كبير اقتداره من ابن الأبار في استيعاب ثقافة عصره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعد الكتاب رسالة إعتاب للسلطان أبي زكريا الحفصي، طمعا في إقالة العثرات، لذلك كان موضوعه يدور حول سعي الكاتب لذلك بأسلوب جمع فيه صفة التأريخية والأدبية مستقيا مادته من تاريخ الوزراء والملوك والأمراء مع المغضوب عليهم من الكُتَّاب، ومن الآداب السائرة في تلك الفترات.

أما كتاب “الساق على الساق” فيروي حياة الفرياق منذ ولادته وحتى منتصف عمره وهو نظير أحمد فارس الشدياق، الشخصية المحورية في التاريخ الفكري والأدبي في العالم العربي الحديث. كانت جولات الفرياق على الدوام تبعث روح المغامرة أثناء تنقله من موطنه لبنان إلى مصر ومالطا وتونس وإنجلترا وفرنسا، وكانت هذه الرحلات تمد المؤلف بموضوعات غنية تتضمن مناقشات مشوقة متنوعة المجالات من القضايا الفكرية والاجتماعية في عصره.

واهتم الفصل الثاني برواية الرحلة في كتاب “أيام برازيلية وأخرى من يباب” للكاتب المغربي أحمد المديني، وهو جنس سردي جديد ما زال في طور التشكّل وفقا للباحث.

وفي هذا الكتاب نص رحلة، تقرير وضعي وانطباعي، عن زيارة إلى بلاد البرازيل، أكبر دولة مساحة وسكاناً وثروة في أميركا اللاتينية.

وبلغة السرد، وبحبك قصصي، ينقل المديني القارئ بين مدن ومساحات شاسعة متنوّعة أخّاذة، من الكراييب إلى أقصى الجنوب؛ وفي هذه الرحلة يلتقط القارئ الجوهري ويحتفي بالمعبّر كائناً ومادةً ورمزاً، وهو ما سعى لترسيخه المديني في كتابه الذي استفاد من مختلف الأجناس الأدبية الأخرى. كما عاينَ البليهد في هذا الفصل الزمن السردي في رواية “الحفائر تتنفس” للكاتب السعودي عبدالله التعزي.

وتكمن جماليات الخطاب في الرواية في تلك العلاقة القائمة بين الواقع والمتخيل التي يبنيها التعزي في روايته؛ التي تستقي مادتها من الواقع وتحوله إلى متخيل روائي، حيث يجد الروائي نفسه قد تجاوز ذلك الواقع الذي عبر عنه بصدق إلى خيال ينقل به المتلقي إلى عالم آخر، کونه يضفي من خياله صورا جديدة يعبر عنها بواسطة اللغة التي تعد الوسيلة الأهم التي يستند إليها الإبداع. وهو ما يبينه الناقد الذي يستشهد بهذه الرواية كعلامة بارزة لترسيخ فن التأويل.

Thumbnail

أما الفصل الثالث، فعُني بشعريّة السرد في رواية “القوس والفراشة” للكاتب المغربي محمد الأشعري، ورواية الأشعري هي رحلة في حياة مثقف يساري مغربي تعرض لصدمة هزت قناعاته الأيديولوجية ومثالياته ومنظوره لحياته الخاصة.

والصدمة جاءته على شكل رسالة مقتضبة تلقاها في يوم عادي من شخص مجهول “تبشره” بأن ولده الشاب الذي نشأ في عائلة علمانية على مبادئ الانفتاح والفكر الحر، والذي أرسل إلى باريس لدراسة المعمار في أحد معاهدها الراقية “سقط شهيدا في أفغانستان”.

وبينما نتابع خطوات بطل الرواية على طريق إعادة تقييمه لحياته الماضية، يستعرض الكاتب محمد الأشعري قصة جيل من اليساريين العرب قطعوا نفس المشوار وساروا على نفس الطريق، تواجههم مآزق فردية وجمعية. قضوا سنوات من حياتهم خلف القضبان، وساعات طويلة في جدل حار، ينسجون حلما بحياة أفضل، لينتهوا محبطين يائسين بائسين.

وناقش البليهد كذلك ظاهرة التمرد الشعري في ديوان “كي لا يميل الكوكب” للأديب السعودي جاسم الصحيّح. وهذا الديوان يحتوي على 46 قصيدة، من بينها “حديثٌ لابن عباس” و”جرح مفتوح على نهر الكلام” و”كي لا يميل الكوكب” و”موسيقى مؤجلة إلى روح محمد الثبيتي”، وأغلبها قصائد عمودية بروح حداثية. ويُذكر أن البليهد يعمل أستاذا للأدب الحديث في كلية الآداب بجامعة الملك سعود.

14