إعادة جثامين مهاجرين عراقيين غرقوا مع أحلامهم في بحر المانش

بريطانيا تعيد الجثامين الستة عشر إلى مطار أربيل وسط حالة من الصمت والحزن.
الاثنين 2021/12/27
حزن كبير

إربيل - “ما لم أتصل بكم، يعني أنني وصلت إلى إنجلترا”، كانت العبارة الأخيرة التي قالها شاكار علي لأهله قبل أن يغرق في المانش في نوفمبر الماضي، لتتم إعادة جثمانه الأحد في تابوت خشبي إلى عائلته مع 15 آخرين من إقليم كردستان في شمال العراق، قضوا في المأساة.

ووصلت فجرا طائرة تقلّ الجثامين الستة عشر إلى مطار أربيل، عاصمة الإقليم ذي الحكم الذاتي، وسط حالة من الصمت والحزن والغضب التي خيّمت على ذويهم فيما انتظروا استقبال أحبابهم محمّلين في توابيت خشبية.

وتجمع العشرات من الرجال والنساء والأطفال يواسي بعضهم بعضا داخل بهو المطار. حيث النساء المتشحات بالأسود ذرفن الدموع، وإحداهن حملت صورة شاب في مقتبل العمر.

وضمّ التجمع عجوزا بلحية بيضاء عصاه إلى صدره فيما رفع على هاتفه صورة ابنه البالغ من العمر 24 عاما فقط.

كان مقررا إعادة الجثامين الجمعة، لكن العملية أرجئت مرتين. وانتظر السبت قبيل الفجر أقرباء الضحايا لساعات في المطار قبل أن يبلغوا في اللحظة الأخيرة أن الطائرة لن تحط

وقضى 27 شخصا على الأقلّ في الحادث المأساوي الذي وقع في الرابع والعشرين من نوفمبر، ويعد الأكثر دموية في بحر المانش الذي يتدفق إليه المهاجرون في محاولة للوصول إلى أراضي المملكة المتحدة على متن قوارب غير آمنة.

ووضعت التوابيت الخشبية في سيارات الإسعاف، وغادرت المطار لتقلّ الضحايا إلى القرى والمدن التي يتحدرون منها، ومنها داربنديخان ورانية وسوران وقادراوا.

وعلى بعد نحو 100 كلم من المطار، انتظر أهالي بلدة رانية وصول الجثامين الثلاثة للضحايا الذين سقطوا من أبنائها في المأساة. وبعد غسل الجثامين وقراءة الفاتحة عليها في المسجد، توجه الرجال إلى مقبرة البلدة في أجواء من الألم، لدفن الضحايا.

وعلى الرغم من حالة الصمت السائدة، لم يتمكّن كثر من رد دموعهم، عندما رفعت الأكفان على الأكفّ. وتجمّع المئات حول الحفرة التي رقدت الجثامين قبل أن توارى الثرى.

ويروي شمال علي البالغ من العمر 36 عاما معاناة شقيقه شاكار البالغ من العمر 30 عاما الذي غادر بيته قبل شهرين، من تركيا ثم اليونان وإيطاليا، حيث وصل أخيرا إلى فرنسا.

ويقول الشاب الذي يعمل مدرسا “حاول العبور إلى بريطانيا سبع مرات مع أصدقاء له، لكنه فشل”.

ويروي التفاصيل الأخيرة لحياة شقيقه قائلا “كان آخر اتصال منهم عند الساعة 2:42 بتوقيت غرينتش، ليقولوا لنا إنهم عبروا المياه الإقليمية الفرنسية ووصلوا إلى المياه البريطانية”.

كان شاكار خريج الجيولوجيا يبحث عن عمل منذ 3 سنوات، دون جدوى. ويقول شقيقه “كان عاطلا عن العمل حتى لحظة مغادرته”. ويضيف أن أخاه غادر بسبب “عدم وجود فرص عمل… هذه الأسباب نفسها هي خلف هجرة الآلاف من الشباب الآخرين… وهذه الأسباب أدت إلى فقدان المئات من العائلات أبناءها”.

ويتذكّر الشقيق الأصغر راميار البالغ من العمر 20 عاما المحادثة الأخيرة مع شاكار. ويروي “قال لنا: بدأنا بالعبور. إذا اتصلنا يعني أن خفر السواحل أمسكوا بنا، وما لم نتصل، يعني أننا وصلنا”.

وكان مقررا إعادة الجثامين الجمعة، لكن العملية أرجئت مرتين. وانتظر السبت قبيل الفجر أقرباء الضحايا لساعات في المطار قبل أن يبلغوا في اللحظة الأخيرة أن الطائرة لن تحط.

المانش يحصد الأرواح والعراقيون يذرفون الدموع
المانش يحصد الأرواح والعراقيون يذرفون الدموع

وجرى التعرف على هويات 26 من الضحايا في فرنسا، من بينهم 17 رجلا و7 نساء تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 46 عاما، وطفل يبلغ من العمر 7 سنوات.

ومن بين الضحايا أيضا كردي إيراني و3 إثيوبيين وصومالي و4 أفغان ومصري.

وغادر المهاجرون “في نهاية الليل” من لون بلاج قرب غراند سينث، حيث يخيم العديد من المهاجرين على الساحل الشمالي لفرنسا، على متن قارب مطاطي قابل للنفخ، ليعبروا إلى السواحل الإنجليزية.

ولم ينجُ من الغرق سوى كردي عراقي وسوداني، وفق وزارة الداخلية الفرنسية. وبحسب أحدهما، أحصى المهربون 33 شخصا على متن القارب.

وتثار تساؤلات حول النداءات التي يفترض أن المهاجرين قد أطلقوها للسلطات الفرنسية والبريطانية حينما بدأ مركبهم بالغرق كما أفاد أحد الناجيَين، لكن الشرطة البحرية الفرنسية قالت إنه في حال الاتصال بها، لا يمكنها عدم التدخل.

ورفعت على إحدى سيارات الإسعاف صورة الشابة مريم نوري حمه أمين المعروفة باسم “باران” والبالغة من العمر نحو 20 عاما، وكتبت إلى جانبها عبارة “عروسة البحر” باللغة الكردية، فيما تحرّكت من مطار أربيل لنقلها إلى سوران.

وكانت الشابة أرادت اللحاق بخطيبها كرزان المقيم في بريطانيا بحثا عن حياة أفضل كما روى والدها.

وعلى الرغم من كل تلك المآسي، مازالت الحوادث المماثلة تتكرر. فقد وقعت الأسبوع الماضي ثلاثة حوادث غرق قبالة الجزر اليونانية، ما أدى إلى مصرع 30 شخصا على الأقل، من بينهم سوريون ومصريون وعراقيون.

3