شظف العيش يدفع اللبنانيين إلى الفرار من بلادهم

طرابلس (لبنان) - تحولت محاولة اللبناني نظير محمد الفرار من الجوع واليأس في بلده المنكوب إلى رحلة مروعة تفطر القلوب.
فقد باع نظير وزوجته زينب كل ما يملكانه حتى آخر قطعة أثاث ليدفعا 2500 دولار للمهربين الذين وعدوا بإيصال العائلة إلى قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي تبعد 170 كيلومترا فقط عن السواحل الشمالية للبنان.
إلا أن محاولة الزوجين لإيجاد مستقبل أفضل لأطفالهما الأربعة تحولت إلى كابوس انتهى بإجبارهم على العودة إلى لبنان بعد أن فقدا طفلهما الرضيع الذي توفي بين ذراعيهما بعدما أصيب بالجفاف على متن القارب الذي استقلوه في سبتمبر من العام الماضي.
ويروي نظير المأساة فيقول "تحرك القارب من هنا في طرابلس، وكان مسموحا لنا فقط بحمل حقيبة ظهر واحدة. لقد كان القارب صغيرا وكان عددنا 49، بيننا سوريون وأصحاب جنسيات أخرى، وفي منتصف الطريق نفد وقود القارب وتقطعت بنا السبل من دون ماء ولا طعام".
أما زينب فتذكر والحزن يعتصرها كيف كانت تملأ حفاضات رضيعها محمد بماء البحر وتحاول ترشيحه وتخليصه من الملح حتى يمكنها الإبقاء على فم الرضيع رطبا.
وتمضي ودموعها تغرق وجهها بالقول "لم أكن قادرة على فعل شيء، لقد مات طفلي". وتضيف أنه عندما بدأ جسد الطفل في الانتفاخ كان عليها هي وزوجها اتخاذ قرار بإلقائه في البحر.
وتقول "لقد تقطعت بنا السبل من السابع وحتى الرابع عشر من سبتمبر عندما جاءت سفينة تركية تابعة للأمم المتحدة وأنقذتنا. لم أكن أريد النزول منها عندما أعادونا إلى ميناء بيروت"، مضيفة أنها توسلت إليهم ليأخذوها ومن تبقى من عائلتها إلى بلد آخر.
تدهور الوضع الاقتصادي وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية أسباب تدفع اللبنانيين إلى الهجرة
ورغم المآسي لا ترى زينب ونظير أن المهربين هم المسؤولون عما حدث لهم. إنهما غاضبان من النخبة الحاكمة ويحمّلانها المسؤولية عن تدهور الأوضاع بهذا الشكل الذي أوصلهما إلى حالة لم يعودا فيها قادرين على إطعام أطفالهما وبالتالي جازفا باتباع هذه الطريقة من أجل مغادرة البلاد.
ويقول نظير "سأحاول مرة أخرى. أريد أن أغادر مع عائلتي إلى بلد يحترم شعبه".
ويعاني لبنان من أسوأ أزمة مالية منذ عقود وصفها البنك الدولي بأنها من بين أكثر الأزمات حدة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ويعاني كثيرون حاليا من نقص في الغذاء والدواء والماء والوقود، كما تشهد البلاد انقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي.
ووفقا لتقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" فإن معدلات الفقر في لبنان ارتفعت بصورة هائلة خلال العام الماضي وأصبحت تشمل حاليا نحو 74 في المئة من السكان.
كما خسرت الليرة اللبنانية 95 في المئة من قيمتها. وأصبح معدل التضخم في أسعار الغذاء عند نحو 400 في المئة.
وقبل الأزمة كان الحد الأدنى للرواتب يعادل 450 دولارا في الشهر، إلا أنه أصبح حاليا يعادل 34 دولارا فقط.
وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد حاول 1570 شخصا عبور البحر المتوسط هذا العام، معظمهم إلى قبرص، وهو ضعف العدد المسجل في العام الماضي.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية في بيروت ليزا أبوخالد إن المفوضية "رصدت ارتفاعا في عدد القوارب التي تنطلق من لبنان بداية من عام 2020 مقارنة بالسنوات السابقة".
وأضافت "بناء على المعلومات المتوفرة لدى المفوضية حتى الآن، شرع أكثر من 1570 شخصا أو حاولوا الشروع في المغادرة بهذه الطريقة بين يناير ونوفمبر الماضيين، وكان هدف 1241 منهم الوصول إلى قبرص".
وأوضحت أبوخالد أن من بين المهاجرين 1138 سوريا و186لبنانيا، إلى جانب أشخاص من جنسيات أخرى.
ولفتت إلى أن من الأسباب الرئيسية للمغادرة عدم القدرة على تحمل البقاء في لبنان بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية فضلا عن محدودية فرص العمل.
ويؤكد رامي فنج (56 عاما) وهو طبيب يعمل مع العديد من المنظمات الإنسانية لمساعدة سكان طرابلس ثاني أكبر مدن لبنان أن "المواطنين يكافحون من أجل توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية".
وقال فنج الذي ساعد في توفير منزل جديد وبعض الأثاث لنظير وعائلته إن كثيرا من العائلات اللبنانية على استعداد للمخاطرة بأرواحها من أجل مغادرة البلاد.
وأضاف "عندما انتهت الحرب الأهلية عام 1990 تولى أمراء الحرب حكم البلاد، وهنا تكمن المشكلة. فالبلاد تحكمها بشكل أساسي ميليشيات لا رؤية لها وتعتمد فقط على الفساد".
وفي حي المنكوبين وهو حي الفقراء في طرابلس يعيش علي طبيخ (52 عاما) وهو عاطل عن العمل ويحتاج إلى غسيل كلوي، وقد تم بتر إحدى ساقيه بسبب الغرغرينا، وهو يعتمد على زوجته التي تسعى للحصول على الطعام من بعض المؤسسات الاجتماعية في المدينة لتوفير الغذاء له ولأطفالهما الأربعة.
وقال علي وهو جالس على السرير الوحيد في الغرفة "نعيش نحن الستة كما ترون في هذه الغرفة الوحيدة".
ومثل الكثير من اللبنانيين يأمل علي في الحصول على فرصة لمغادرة بلده أساسا لتأمين التعليم وحياة أفضل لأطفاله.