الشباب في الجزائر مستعدون لأي شيء إلا الالتحاق بـ"لارمي"

تهرب الشباب من أداء الخدمة العسكرية يعكس صراعا بين الأجيال.
الأحد 2021/12/19
أجيال متنافرة

يواصل الشباب في الجزائر الامتناع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية متحججين بجميع الحجج والشواهد رغم الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، ما يعد مأزقا كبيرا للسلطات الجزائرية. ويؤكد خبراء أن ذلك يمثل دليلا على مواقف متنافرة وصراعا بين الأجيال.

الجزائر - يبدو الاستفسار عن كيفية الحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية الإجبارية الشغل الشاغل للكثير من مستخدمي فيسبوك في الجزائر المنضمين لصفحة “الخدمة الوطنية في الجزائر”.

وتسأل وفاء متابعي الصفحة عن الإجراءات التي يتوجب أن يقوم بها شخص محكوم بخمس سنوات حبس لأجل التهرب من الخدمة العسكرية، علما أن “هذا الحكم مرت عليه تسع سنوات وأن الشخص يبلغ من العمر 38 عاما ويعيش في الخارج”.

في تدوينة أخرى لا يخفي عبدالصمد فرحته العارمة بالحصول على “بطاقة الإعفاء بالكفالة” بعد معاناة 8 أشهر. ويلخص في تدوينة المشوار للسائلين. ويقول “لأجل أن تربح الإعفاء بالكفالة عليك المرور بثلاث مراحل هي البلدية فمكتب التجنيد ثم مخفر الدرك الوطني”.

ويشرح “في البلدية تذهب إلى مكتب الخدمة الوطنية أين يطلبون الأوراق حسب الوضعية العائلية تقدمها فتحصل بموجبها على شهادة كفيل عائلة”.

أما المرحلة الثانية فتتمثل في مكتب التجنيد “أين تدفع نفس الملف تقريبا الذي قدمته في البلدية زائد شهادة كفيل عائلة، هنا يمدونك بوصل إيداع ملف الإعفاء (عبارة عن إعفاء بـ6 أشهر) ورسالة تذهب بها إلى مخفر الدرك الوطني”.

 ويضيف عبدالصمد “عندما تقدم الرسالة سيحددون لك موعدا للقدوم لأجل التحقيق (في الغالب بعد 10 أيام) ويطلب منك أن تترك هاتفك مفتوحا لأنهم سيتصلون بك حتى خارج أوقات العمل”، مشيرا إلى أنهم استدعوه للتحقيق التاسعة ليلا. ويقول “عندما ينادونك للتحقيق خذ معك شخصين كشاهدين فوق 40 سنة سيطرحون عليك وعليهما أسئلة تخصك أنت وعائلتك”.

ويختم عبدالصمد “عندما تنتهي من هذه المرحلة تكون قد قمت بما يتوجب عليك، الملف حينها سيذهب إلى الناحية العسكرية ليدرسوه، والقرار يصدر عندما تنعقد اللجنة في مارس أو يونيو أو سبتمبر أو ديسمبر”.

دولة داخل دولة

☚ الجزائر أعلنت في السنوات الماضية على سنّ قوانين وإجراءات للحدّ من التهرب من الخدمة العسكرية ولكن دون فائدة

تعتبر الجزائر من الدول التي تعتمد على التجنيد الإجباري لتنظيم الخدمة العسكرية، ويجبر قانون الخدمة الوطنية المواطنين الجزائريين البالغين من العمر 19 عاما على التجنيد، إذ لا يسمح للمواطن المتخلف عن الخدمة بالعمل في القطاعين العام والخاص أو إنشاء أعمال حرة. ويحدد القانون الجزائري الخدمة الوطنية أو العسكرية أو خدمة العلم للبعض سنة واحدة فقط في أحدث التعديلات التي أدخلت على القانون.

وتوصف المؤسسة العسكرية الجزائرية عادة بأنها دولة داخل الدولة، وكامتداد لجيش التحرير الوطني، الجهاز السياسي لجبهة التحرير الوطني التّي خاضت حرب الاستقلال (في الفترة الممتدة بين 1954 و1962)، الأمر الذي منح النخب العسكرية شرعية لإدارة البلاد بالتحالف مع نخب مدنيَة سلطوية مقربة منهَا، وإقصاء النخب ذات التوجهّات الديمقراطيَة. وحسب نتائج استطلاع المؤشر العربيّ، وهو استطلاع رأي ينفذّه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات؛ تعدّ الثقة في المؤسسة العسكرية في الجزائر متذبذبة. وتُظهر نتائج الاستطلاع أنّه في الفترة اللاحقة عن الموجة الأولى للثورات العربيّة انخفض مستوى الثقة في المؤسسة العسكرية من 61 في المئة في 2011 إلى 56 في المئة في 2012-2013؛ ثم عادت لترتفع إلى 81 في المئة لتنخفض مستويات الثقة من 81 في المئة عام 2014 إلى 67 في المئة عام 2015.

ويُعفى الآلاف من الجزائريين سنويا من الخدمة لأسباب صحية أو عائلية. وتقول وزارة الدفاع الوطني، إنها سوّت وضعية نحو 900 ألف متخلّف عن الخدمة حتى عام 2014. وفي عام 2019 قالت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية إن أكثر من ربع مليون شاب استفادوا من إجراءات عفو رئاسي من الخدمة الوطنية.

وقدر فيه حسان بونفلة، رئيس لجنة الدفاع الوطني بالمجلس الشعبي الوطني السابق نسبة المعفيين من أداء الخدمة الوطنية بـ50 في المئة، تشير بعض الإحصائيات إلى أن الشباب المتخلفين عن الأداء والموضوعين على قوائم الأمر بإحضار فوري للتجنيد بلغ نسبة 50 في المئة من الشباب الجزائري، الأمر الذي دفع بوزارة الدفاع الجزائرية إلى إصدار إجراءات امتيازية للشباب للالتحاق بالخدمة.

ورغم ذلك بقيت نسبة التهرب من أداء الخدمة العسكرية مرتفعة. وقد فاق عدد الهاربين 160 ألف شابّ لعام 2014 حسب تقرير لوزارة الدفاع الوطني. ولم تصدر الوزارة إحصائيات أخرى بعد هذا الرقم رغم أن مصادر تؤكد أن الأرقام أكبر بكثير.

ورغم الوضعية الصعبة للكثير من الشباب الجزائريين فإنهم يرفضون أداء الخدمة العسكرية. ويشكِّل الوضع الراهن للشباب الجزائري العاطل عن العمل جدلا واسعا، حيث تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية إلى تزايد عدد الشباب العاطلين من العمل. كما أكَّد صندوق النقد الدولي على أنّ معدل البطالة وصل إلى 12.91 في المئة في 2020، والسبب هو ارتفاع عدد الشباب الباحثين عن فرص عمل.

وهذه الأرقام التي تعكس الواقع الاقتصادي المرير من شأنها أن تجعل شريحة الشباب في البلاد فريسة سهلة للإحباط واليأس اللّذين يقودان إلى مشكلات وتبعات أخرى لا تُحمد عقباها، لكون الجزائر بلدا غنيا بالنفط والغاز مرّت عليه فترات رخاء مالي في ظلّ ارتفاع أسعار النفط.

أظهرت نتائج الاستطلاع الذي قام به “الباروميتر العربي” في الجزائر لسنة 2019 والتي تم تخصيصها لعدد من المحاور وهي الحالة الاقتصادية والهجرة والفساد والأداء الحكومي والتفضيلات السياسية والدين والسياسة والعلاقات الدولية، عن نتائج صادمة، حيث يفكر 56 في المئة من الجزائريين الشباب في الفئة العمرية بين 18 و29 سنة في الهجرة ومغادرة البلاد، و35 في المئة منهم من الفئة العمرية 30 و39، وهذا التفكير أكثر لدى الرجال من النساء، فيما يقبل سكان المدن أكثر على الرغبة في الهجرة مقارنة بسكان الريف، وأشار إلى أن الوجهات المطلوبة للهجرة هي أوروبا وأميركا الشمالية، لتأتي بعدها دول مجلس التعاون الخليجي.

وبينت النتائج أن التحدي الأكبر الذي يواجه الجزائر في هذه المرحلة بالنسبة إلى المستجوبين هو الوضع الاقتصادي، يليه الفساد المالي، ثم الخدمات العامة وبعدها التدخل الخارجي والوضع الأمني والاستقرار الداخلي والديمقراطية، فيما عبر المستجوبون عن رأيهم حول أداء الحكومة الحالية بالنسبة إلى عدد من المواضيع، وأكدوا رضاهم على أدائها في ما يخص الاستقرار بنسبة 53 في المئة، في حين أن قضية تقليل الفجوة بين الفقراء والأغنياء كانت بنسبة 11 في المئة، وتوفير مناصب الشغل بنسبة 10 في المئة، أما خفض الأسعار فكان بنسبة 10 في المئة، فالمواطنون يرون أن الأداء الحكومي في المسألة الاقتصادية ضعيف جدا.

تحفيزات دون جدوى

ترهيب وترغيب
ترهيب وترغيب

يطلق الجزائريون على الخدمة العسكرية تسمية “لارْمي”. وإذا ذُكرت كلمة “لارْمي” أمام بعض الشباب يتعوّذون ويُتمتمون ويتطيّرون وكأنّهم سمعوا خبرا شُؤما، ويطلبون تغيير الموضوع، أو يسألونك باهتمام عن صدور قرار يُعفي الشباب الهاربين نهائيا من أداء “لارمي”.

وما إن يبلغ الشاب سنة الـ18 إلا ويتملكه القلق وحتى عائلته، وتجدهم متخوفون إلى درجة أن البعض منهم يبتكر الأسباب والأعذار، فهذا يحتج بالدراسة، وآخر يقول إنه وحيد والديه وإنه مسؤول عن رعايتهم، والثالث يتيم ومسؤول كذلك على تربية إخوته ولا يقدر على تركهم وحدهم دون راع، وآخرون يجدون في المرض سببا كافيا للتهرب وعدم الذهاب، ما جعل الوزارة الوصية (الدفاع الوطني) تضع شروطا لا يستطيع الشاب أو العائلة التهرب منها، وهي اشتراط بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية في ملف التوظيف، حيث تحولت هذه البطاقة إلى تأشيرة عبور نحو عالم الشغل، وهنا يجد الشاب نفسه مجبرا على أداء الخدمة الوطنية، علما أن الدولة وضعت في السنوات الأخيرة ومن باب التجشيع بعض التسهيلات مثل تقليص مدة أداء الخدمة الوطنية، وتخصيص منحة شهرية.

وأعلنت الجزائر في السنوات القليلة الماضية على سنّ قوانين وإجراءات للحدّ من التهرب والعزوف الكبير للشباب الجزائري من الخدمة العسكرية، فما بين الترغيب والترهيب جاءت محاولات وزارة الدفاع الجزائرية من أجل حلّ هذه المعضلة، في وقت تغيب فيه الأرقام الحقيقة الرسمية عن العدد الفعلي للشباب الجزائري المتهرّب من أداء الخدمة العسكرية. ورغم التّحفيزات التي دخلت حيّز التطبيق والقاضية بتقليص مدة الخدمة الوطنية من 18 إلى 12 شهرا، وإقرار منحة شهرية تصل إلى 15 ألف دينار جزائري للمُجندين، وإدخال المُدة في منحة التقاعد لاحقا، مع احتساب المدة خبرة مهنية للشباب طالبي الشغل، ومنحهم الأولوية في الترشح لعقود التجنيد ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي… لا يزال الواجب الوطني يثير مخاوف شباب كُثر!

وأعفى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون المواطنين البالغين سن 30 عاما فأكثر، بتاريخ الحادي والثلاثين من ديسمبر ولم يتم تجنيدهم، من أداء الخدمة الوطنية، وفق مرسوم وقعه في يونيو الماضي. وقال بيان لرئاسة الجمهورية إن تبون أعفى أيضا المواطنين، البالغين سن 30 عاما فأكثر، بتاريخ الحادي والثلاثين من ديسمبر، ولم يسووا وضعيتهم تجاه الخدمة الوطنية.

فقدان الروح الوطنية

أتركوا الشباب ينعش الجزائر
أتركوا الشباب ينعش الجزائر

يعتبر المحامي والقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني بعْجي أبوالفضل، أن الأشخاص الذين أدوا الخدمة الوطنية في سنوات سابقة استفادوا الكثير رغم الظروف الصعبة آنذاك، فتعلموا حرفا وساهموا في بناء وطنهم، فكانوا يخرجون فرحين بما أنجزوه رغم قلة الإمكانات، ويعتبرون أنفسهم أدّوا رسالة في حياتهم، وهو ما جعله يقترح أن تعود الخدمة الوطنية إلى سابق عهدها كأن تخصص 6 أشهر للتدريب وبقية المدة للمساهمة في مشاريع بناء الوطن.

وتحسّر العقيد المتقاعد رمضان حملات، للحال التي وصل إليها الشاب الجزائري، الذي أصبح يرى في الواجب الوطني عبئا ثقيلا، وممّا أوصله إلى هذه الوضعية -حسب العقيد- قرارات الإعفاء الصادرة في حق الدفعات المتخلفة عن الواجب، وهو ما يجعل الدفعات اللاحقة تطالب بدورها بالإعفاء، واستغرب حملات من عزوف الشباب عن الخدمة الوطنية، رغم توفر كل الظروف المواتية لأدائها في أحسن الظروف، عكس سنوات التسعينات، أين كان الموت يترصد المجندين من كل جانب، ومع ذلك سجلت الوحدات القتالية أعدادا كبيرة من المنخرطين.

وتحدث العقيد عن غياب الدور التوعوي للجيش، “في سنوات مضت، حرص الجيش الوطني على القيام بحملات توعية في المدن والقرى والمداشر، حول أهمية الواجب الوطني”، وحسب تعبيره، فـ”الخدمة الوطنية قديما كانت مدرسة رجال، تعلمنا منها الوفاء والإخلاص للوطن، وأفرادها ساهموا في تنمية الجزائر، فبنوا السدود واستصلحوا الأراضي، وبنوا قرى، وأحسن مثال، القرية الفلاحية النموذجية بالعبادلة ولاية بشار، والتي بنُيت بسواعد منخرطي الخدمة الوطنية”.

جدير بالذكر أن أول دفعة من الشباب الجزائري جندت ضمن الخدمة العسكرية الإلزامية كانت في أبريل 1969، وعملت على إنجاز مشاريع كبيرة مثل السد الأخضر وطريق الوحدة الأفريقية.

وقبل أكثر من عقد تحدث الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن “فقدان الروح الوطنية” لدى الشباب الجزائري.

بالنسبة إلى  أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر عبدالناصر جابي، فإن الجواب على هذا الإشكال لا غبار عليه “ربما يجب طرح السؤال على الشباب كيف ينظرون إلى السياسة والسياسيين؟ أنت كصحافي، اسأل الشبان والشابات كيف ينظرون إلى هذا الجيل الذي سيْـطر على الحياة السياسة منذ استقلال البلاد عام 1962 وما هو تقييمه له، وستعرف أننا أمام مواقف متنافرة وصراع أجيال. فالجيل الكبير يتهم الجيل الصغير بأنه غير وطني ولا يحب الوطن ولا يقوم بمجهود إلى آخره، ومن جهة أخرى، يتّـهم الشباب هذا الجيل بأنه جيل لا يسير الأمور بطريقة جيدة ولم يحقق الرفاهية للبلد، وبأنه قد يضيع الاستقلال الوطني من الأساس”.

17