مطعم لبناني يستقبل زبائنه وسط متحف تراثي

قطع أثرية من زمن الأجداد تجذب المواطنين من كافة المناطق اللبنانية.
السبت 2021/12/18
وجبة الفول من التاريخ

وجبة الفول وغيرها من الوجبات الشعبية تقدمها كل المطاعم في لبنان من شماله إلى جنوبه، لكن علي زبيب صنع الفرق في النبطية بأن جعل مطعمه شبيها بمتحف، أسر به الزبائن الذين أصبحوا يفضلون تناول الطعام في أجواء تراثية تفتح الشهية.

النبطية ( لبنان) - وسط أربعة جدران تزخرفت بالمئات من التحف والمقتنيات الأثرية القديمة جلس الشاب عمر غندور ومجموعة من رفاقه يتأملون بكل دهشة قطع الأنتيك، التي ميزت هذا المطعم التراثي وأضفت على وجباته الشعبية نكهة لذيذة مختلفة.

الشاب الثلاثيني غندور والذي اعتاد منذ فترة ارتياد هذا المطعم الفريد من نوعه بجنوب لبنان أعرب لوكالة أنباء “شينخوا” عن شغفه بهذا المكان المميز الذي يعيده إلى الماضي الجميل، إلى زمن الأجداد الذين خلفوا هذا التراث الهادئ العريق المنافس وبكل قوة لكل الديكورات المزيفة في هذا الزمن الرديء.

وأضاف “بتنا نقصد هذا المطعم الجذاب الأقرب إلى متحف تراثي لما يحويه من قطع أثرية نادرة تذكرنا بحقبة زمنية عاشها أجدادنا لا تشبه ما وصلنا إليه من تردّ اقتصادي ومعيشي قلب حياتنا إلى ما يشبه الجحيم”.

أكثر من 15 ألف قطعة تراثية حرص صاحب المطعم علي زبيب، على تنسيقها وترتيبها بكل إتقان ومهنية داخل خزائن وفوق رفوف خشبية داكنة الألوان في بلدته كفر رمان إلى الغرب من مدينة النبطية بجنوب لبنان.

وخلال انكبابه على تحضير وجبة طعام قال زبيب إنه عمل خلال أكثر من 15 عاما في التفتيش وجمع هذه القطع، بحيث كان يجول وعلى مدى ساعات طويلة في القرى المحيطة ليحظى بها مهملة داخل منازل الفلاحين وفي الأماكن المهجورة ومنسية وسط الحقول.

وبلهجة الواثق، أضاف “لقد باتت هذه القطع الأثرية تجذب المواطنين من كافة المناطق اللبنانية، والذين يقصدون هذا المطعم للتمتع بمحتوياته التاريخية القيمة ووجباته الشعبية الطيبة المذاق المقتصرة على الفول والحمص والبليلة فقط”.

وأكّد أن “لوجبة الطعام هنا علاقة وطيدة بهذا التراث، بحيث يشعر الزبون بهدوء نفسي، ويطرد مشكلاته من خلال انشغاله برؤية مجموعة الأسلحة القديمة والفؤوس والآلات الموسيقية القديمة، وأباريق القهوة العربية والفوانيس والسراج وماكينة الخياطة ومحمص القهوة وجرن الكبة ومعدات الحراثة، وغيرها من الأواني التي تجعل الجلسة في أحضانها مختلفة”.

وجبات شعبية طيبة المذاق
وجبات شعبية طيبة المذاق 

“لقد انتشر صيت هذا المطعم”، كما أشارت السيدة ليلى أبوعمر التي كانت تتناول طعام الغداء مع أطفالها الأربعة في المطعم “الذي لا مثيل له في الجنوب بل ربما في لبنان بشكل عام الذي يجمع الأكل والتراث معا”.

وقالت “يصح القول إن هذا المطعم ‘المتحف’ يجمع بين ثناياه كل تفاصيل حياة القرى قبل 100 عام خلت، فهذه المقتنيات تشكل التاريخ والماضي والحاضر والمستقبل”.

وحول علاقة الفول بالتراث، يشير زبيب إلى أن الفول أكلة تراثية كانت تعد سابقا داخل جرار فخارية ويتم وضعها داخل الفرن من المساء حتى الصباح لتنضج، وبعدها يتم إعدادها ووضعها في صحون فخارية.

جمال حمود أحد الزبائن يتردد على المطعم بشكل دوري، قال “مع الجلوس هنا تشعر وكأنك في مكان خارج الزمن الحاضر”.

وأشار إلى أن هذا المطعم بالنسبة إليه هو مكان يهرب إليه من مشكلات الحياة النفسية والمعيشية والاقتصادية ليتناول الوجبة الأحب إلى قلبه، على طاولة تجاور مذياعا قديما وربابة وشمعدانا، فاللقمة مختلفة في ظل أسعار ما زالت منخفضة بالرغم من ارتفاع الأسعار بشكل عام.

ولفت زبيب إلى انتقادات عديدة تلقاها من كثير من الناس حول سبب جمعه هذا العدد الكبير من الأواني والتحف القديمة في مطعم ضيق المساحة بدل أن يعرضها في متحف تراثي، إلا أنه لم يعرها أذانا صاغية.

وقال “في ختام النهار ومع خلو مطعمي من الزبائن أجلس بين تحفي أتأملها واحدة واحدة أمسح عنها الغبار، فهي بالنسبة إليّ الروح والأمل، منها أستمد العزم والقوة لمواصلة هذه المسيرة في مكافحة الغلاء والتردي المعيشي المتفاقم في ظل ما يواجهه لبنان من تداعيات اقتصادية صعبة ومؤلمة”.

20