المصري إبراهيم الطنبولي ينسج من الواقع والفانتازيا "مسارات الروح"

تجربة الطنبولي تشكل إضافة فريدة للتجارب التشكيلية المصرية والعربية، حيث تهيأت الظروف للفنان منذ نعومة أظافره كي يشتبك بصريا وجماليا وفكريا مع عالم الفن التشكيلي.
الجمعة 2021/12/17
تعبير بالخطوط والألوان عن الشغف بالحياة والجمال

تتّسم أعمال الفنان التشكيلي المصري المخضرم إبراهيم الطنبولي (1954) بعفوية مذهلة في التعبير عن مكنونه ورؤيته، فهو فنان على دراية تامة ببوصلة الوجدان عند المُتلقي الذي سيكون على موعد مع معرضه الجديد “مسارات الروح” في غاليري “ديمي” بالعاصمة المصرية القاهرة انطلاقا من التاسع عشر من ديسمبر الجاري وحتى نهايته.

القاهرة – يفتتح الأحد بغاليري “ديمي” بالعاصمة المصرية القاهرة، معرض جديد للفنان المصري إبراهيم الطنبولي المعنون بـ”مسارات الروح” الذي يمزج فيه بين الواقع والخيال عبر لوحات تنهل من الفانتازيا السحرية.

وقدّم للمعرض المرتقب الناقد محمد مرسي بقوله “أرقى أنواع الفن هو الذي عندما تشاهده يترك عندك أثرا ما.. أعمال إبراهيم الطنبولي تحاول أن يكون لها هذا التأثير، أولا هو لديه القدرة على أن يدخلك إلى عالمه أو منطقة نفوذه من أول وهلة. أنت أسير هذا العالم الذي يقع بين الواقع والفنتازيا أو الحقيقة والخيال، وهو العالم المفضل لدى الطنبولي الذي يمارس فيه ألعابه السحرية، فبعد لحظات من متابعة أي عمل له تكتشف أن هناك مشاعر تغيّرت وعوالم اكتشفتها لم تكن موجودة”.

ويضيف مرسي “كعادته يُمارس الطنبولي في معرضه الجديد ‘مسارات الروح’ لعبته المفضلة في أخذنا إلى عوالم من الدهشة، وظف فيها إمكانياته الفنية من القدرة على التعبير بالخطوط والألوان إلى اختياراته المميزة للأمكنة إلى الشخوص وحتى السينوغرافيا أو خلفيات هذه العناصر، ليجد المُتابع نفسه في عوالم قريبة منه وأخرى بعيدة عنه، مشاعر يعرفها وأخرى يكتشفها.. عوالم يتفاعل معها ويجد نفسه جزءا منها على خلفية من الإيقاعات والموسيقى والخيالات. قدر كبير من الحركة والحيوية وكأننا فعلا نتنقل بين مسارات نفسية وروحية نُعيد من خلالها إعادة اكتشاف العالم وكأنه يولد من جديد.. وهذه أهم وظيفة من وظائف الفن، أن لا يبقى العالم على حاله بعد أن نتعرّض لجرعة فنية راقية وحقيقية”.

وتشكّل تجربة الطنبولي إضافة فريدة للتجارب التشكيلية المصرية والعربية، حيث تهيأت الظروف للفنان منذ نعومة أظافره كي يشتبك بصريا وجماليا وفكريا مع عالم الفن التشكيلي نتيجة لنشأته في أسرة فنية، فعمه الفنان لطفي الطنبولي وهو واحد من الفنانين البارزين، وكانت أعماله تعرض في صالونات باريس، وكان يُقام بالقرب من بيت الأسرة بينالي الإسكندرية الدولي في مجمع الفنان حسين صبحي للمتاحف “متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية”، فالبيئة التي نشأ فيها كانت دائما محل احتفاء بأعمال الفنون التشكيلية. هكذا شغف بالفن وبدأ متابعة المتاحف والمعارض والفنانين.

أعمال الطنبولي تتداخل فيها التعبيرية والتجريدية والسريالية في تماه كامل دون الانتماء إلى مدرسة بعينها
أعمال الطنبولي تتداخل فيها التعبيرية والتجريدية والسريالية في تماه كامل دون الانتماء إلى مدرسة بعينها

وحرصت أسرة الطنبولي على ألاّ ينافس شيء آخر الفنَّ في حياة ابنهم، وألاّ تقيّده قواعد وتقاليد وتيارات ومدارس فنية بعينها، أو أن يرتبط الفن عنده بالاسترزاق والتكسّب، فأصرّوا على ألاّ يلتحق بكلية الفنون الجميلة، وأن يلتحق بكلية التجارة، وأن يعمل لينفق على فنه، لا أن يتكسّب منه، وهو الأمر الذي أكسبه قدرا مبكرا من الحرية في رؤاه الفنية، ومن مرحلة إلى أخرى، وأن يكون حريصا على الاختلاف والإضافة في خطوطه وألوانه وتكويناته ومعالجاته لتجليات الأفكار والرؤى.

وجد الطنبولي أن تاريخ الفن التشكيلي أنجز فيه كل شيء، وتساءل ما الذي يمكن أن يضيفه فنان جديد لهذا التاريخ الإنساني العظيم الذي أنجزه الفنانون التشكيليون في أعمالهم؟ هذا التساؤل كان شغله الشاغل منذ أن بدأ بالرسم. ماذا يمكن أن أضيف إلى منجزات الحركة التشكيلية في مصر وفي العالم كله؟ سؤال جاد وطموح، وكانت الإجابة تطويرا وتجديدا وتمرّدا لا يتوقّف على القواعد والمقاييس المدرسية والأكاديمية، في رحلة مثيرة لتشكيل خصوصية فنية متفرّدة.

من هناك اختار الفنان برؤية ووعي التعاطي مع الواقع من خلال الحياة اليومية في المجتمع المصري بعاداته وتقاليده، ناقلا بحسه ومعايشته الدقيقة أنماطا وفئات مختلفة من المجتمع بأسلوبه الرمزي التعبيري المتميز، حيث من الصعب حصر أعماله في مدرسة فنية بعينها، فلوحاته تتداخل فيها المدارس وتتواصل، ما بين تعبيرية وتجريدية، وحتى الرمزية والسريالية في تماه كامل، وهذا ما يعتبره الطنبولي إحدى ركائز مشروعه، فهو ضدّ كل تصنيف أكاديمي أو حصار داخل خانات وقوالب محدّدة، وفي ذلك يقول “على مدار تاريخ رحلة الفن التشكيلي قدّم كل شيء، كل المدارس والاتجاهات، لذلك كنت دائما أرى أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن أساهم به في تلك الرحلة هو تجربتي الشخصية، والتعبير عن المخزون الذي أملكه بحرية من دون أي قيود أو تصنيفات أكاديمية”.

وعن خياراته اللونية يُضيف “عادة ما يقودني اللون إلى شحنة فنية ووجدانية ما، فيلهمني بمسار العمل، فاللون لديّ هو المثير الأول للعمل، ولا أخطّط لشيء، فقط أترك لنفسي العنان بلا خطة أو مسار مجهز، فاللون هو الذي يقودني إلى مشهد قديم في الإسكندرية، أو حيث الطبيعة الحالمة في كندا”.

Thumbnail

ورغم أن الفنان عانى الكثير كونه خارج القواعد والتقاليد المدرسية والأكاديمية، إلاّ أنه أخلص لفنه مجدّدا ومطوّرا لأدواته ومتابعا عن كثب للتجارب المحلية والعالمية، يقرأها ويتأملها ويعرف موضع ريشته وخطوطه وأفكاره في هذا العالم الثري بالفن والجمال، فاستطاع أن يقدّم على امتداد مساره الفني الذي تجاوز الأربعة عقود ما يزيد عن ألف لوحة لا تتشابه كل منها مع الأخرى، وأن يجول العالم غربه وشرقه لتلقى أعماله الاحتفاء والتقدير أينما حلت.

وإبراهيم الطنبولى فنان مصري/ إسكندري شارك في الحركة الفنية منذ عام 1973، وأقام العديد من المعارض الخاصة والجماعية في مصر والأردن وتونس وألمانيا وهولندا والأردن. له العديد من المقتنيات من إبداعاته في المتحف الملكي الأردني في عمّان ومتحف الفن المصري الحديث في القاهرة ومتحف المنيا ووزارة الثقافة المصرية ولدى الشركات والأفراد في مصر والأردن والسعودية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة والدانمرك والولايات المتحدة.

كما نال العديد من الجوائز، بينها جوائز من جامعة الإسكندرية ووزارة التعليم العالي، فضلا عن جائزة غاليري “فكر وفن” في معهد غوته في الإسكندرية.