لا وظائف ولا مستقبل: الأكراد يفرون من كردستان

الطلبة يهجرون الجامعات الكردية للتسلل إلى أوروبا.
الجمعة 2021/12/17
الوجهة غير مهمة، المهم أن أهاجر

لا تكفي الإجراءات الدولية المحدودة لإقناع الأكراد العراقيين وخاصة الشباب منهم بالبقاء في الوطن، فالظروف الاقتصادية وتزايد نسبة البطالة والفساد تدفعان العشرات من الطلبة إلى الهجرة نحو أوروبا على أمل الحصول على أي عمل متاح يمكّنهم من مساعدة الأهل والالتحاق بركب أصدقاء كانوا نموذجا مشجعا على الهجرة.

رانية (كردستان العراق) – لم تنحصر موجة الهجرة المتنامية منذ أشهر في فئة محددة من الأكراد العراقيين بل امتدت لتطال كافة الشرائح العمرية، وخاصة أولئك الشباب المتحمسون للحصول على مستقبل مهني جيد وحياة أفضل تنقذهم من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة في بلادهم.

ويطارد شبح البطالة كلا من الطلاب والمعلمين في جامعات شمال العراق. ويتحدث الكثيرون عن أعداد متزايدة من المقاعد الفارغة في الفصول الدراسية في جميع أنحاء المنطقة الكردية شبه المستقلة، وهي المقاعد التي كان يشغلها في السابق الطلاب الذين غادروا إلى أوروبا.

ويخطط أولئك الذين بقوا، مثل طالب القانون زوار كرزان البالغ من العمر 21 عاما، للمغادرة. حيث لا يرى أيّ مستقبل في وطنه، بلدة رانية، الواقعة بين الجبال والأنهار وبحيرة دوكان، أكبر بحيرة في المنطقة الكردية العراقية. وقال في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس إن الشهادة الجامعية لا تضمن الحصول على وظيفة، فيما يكافح والداه لدفع الفواتير.

ويخطط كرزان لتجربة حظه مع حلول الربيع، والمغادرة مع مهاجرين آخرين متفائلين، حيث وصل شقيقه جيار، الذي دفع منذ خمس سنوات لمهرب إلى إيطاليا من تركيا، إلى بريطانيا، وهو الآن يدعم الأسرة بأكملها في الوطن من أجرة عمله في مطعم بيتزا. وقال كرزان “سوف أنضم إليه”.

ويواجه الشبان الأكراد العراقيون خيارا صعبا: تحمل البطالة والفساد في الداخل، أو محاولة التسلل إلى أوروبا في مواجهة خطر الانهيار المالي، أو حتى الموت خلال الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

الفجوة بين النمو الاقتصادي الفاتر وتضخم أعداد الشباب أدت إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين أكراد العراق

وعلى الرغم من غياب إحصاءات مؤكدة يعتقد أن عددا كبيرا من الأكراد العراقيين الشبان قد غادروا، ولا يرون أيّ أمل في بلدهم. وفي نفس الوقت ليس لدى الطلاب الذين بقوا ما يكفي من الحماس لمزاولة الدراسة التي لم تعد وسيلة مضمونة للحصول على وظيفة.

وفشلت الاقتصادات المتعثرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط في مواكبة النمو السكاني. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة سيتعين على المحافظات الكردية العراقية الثلاث خلق ما بين 43 و54 ألف فرصة عمل كل عام لاستيعاب موجات جديدة من الشباب الذين ينضمون إلى القوى العاملة.

وأدت الفجوة بين النمو الاقتصادي الفاتر و”تضخم أعداد الشباب” إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين أكراد العراق الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، 24 في المئة بين الرجال و69 في المئة بين النساء، وفقا لمسح أجرته الأمم المتحدة. وتقول الحكومة إن هذه الأرقام قد تحسنت في السنوات الثلاث الماضية ولكنها لم تنشر الإحصاءات الرسمية.

وأصبحت الجامعات الكردية العراقية مرتعا للاستياء. وتؤكد الاحتجاجات الأخيرة في مدينتي أربيل والسليمانية على منح الطلاب، المجمدة منذ 2014، على استياء الرأي العام المتزايد من الحكومة.

وأوقفت حكومة إقليم كردستان الرواتب في ذلك الوقت بسبب الحرب الباهظة ضد تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف والعلاقات المتعثرة مع الحكومة الفيدرالية العراقية التي تتخذ من بغداد مقرا لها، الأمر الذي أدى إلى توقف مخصصات الميزانية اللازمة لدفع رواتب الموظفين العموميين. ووجه انخفاض أسعار النفط ضربة أخرى إلى المنطقة الكردية العراقية المصدرة للنفط.

وتغطي المنح الحكومية، التي تتراوح بين 40 و70 دولارا شهريا، المواصلات والكتب والملابس والاحتياجات الأساسية الأخرى.

ومع الارتفاع الأخير في أسعار النفط إلى أكثر من 70 دولارا للبرميل ورفع بعض إجراءات التقشف، طالب الطلاب باستئناف المساعدات الحكومية. ونظموا مؤخرا احتجاجات في جامعة رابارين في السليمانية وأماكن أخرى للضغط من أجل استئناف الرواتب.

الشبان الأكراد العراقيون يواجهون خيارا صعبا

وقوبل الطلاب بالغاز المسيل للدموع والهراوات. وتقرر إلغاء الدراسة في الجامعة الرئيسية في رانية لمدة أسبوع. وقال كرزان، المهاجر المحتمل، إن الاحتجاجات احتوتها جماعات سياسية وتحولت إلى أعمال عنف.

كما جادل الطلاب بأن الجامعات غير قادرة على تخريج أناس مؤهلين لسوق العمل. وزعموا أن المؤسسات ملوثة بالمحسوبية وتسيطر عليها القيادة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التعيينات والتمويل.

ونجد داخل قاعات الجامعات ملصقات مؤطرة لقادة أكراد معلقة على الجدران، فيما يعد تذكيرا دائما بمدى هيمنة الأحزاب السياسية المهيمنة على المنطقة.

كما أن المعلمين أصبحوا غير قادرين على الهروب من الواقع. وقال أحد الأساتذة الجامعيين في السليمانية إنه تلقى في الكثير من الأحيان مكالمات من رؤسائه يحثونه على منح درجات النجاح لأبناء المسؤولين الأقوياء. وقال آخر إنه تم تثبيطه بشكل واضح من أن ينتقد النخبة الحاكمة في دوراته على مستوى الدراسات العليا. وتحدث كلا المدرسين شريطة عدم الكشف عن هويتهما، خشية خسارة وظيفتيهما.

وقال آرام حمزة إنه سئم من المحسوبية السياسية السائدة ويريد المغادرة. وتابع الطالب البالغ من العمر 20 عاما “أنت في حاجة إلى علاقات بشخصيات معيّنة للبقاء على قيد الحياة هنا. فلو أني ابن رجل قوي سوف أحصل على وظيفة دون مشكلة”.

وتعتبر المنطقة الكردية العراقية أكثر ازدهارا واستقرارا من بقية العراق، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تقاسم السلطة بين الحزبين الكرديين المهيمنين اللذين قسما المنطقة إلى مناطق نفوذ. ويسيطر كل حزب على المؤسسات في نطاقه ويؤمّن الولاءات من خلال التعيينات.

الشبان الأكراد العراقيون يواجهون خيارا صعبا: تحمل البطالة والفساد في الداخل، أو محاولة التسلل إلى أوروبا

وبقي الأكراد العراقيون الذين يقعون خارج شبكات المحسوبية هذه غير قادرين على العثور على وظائف، أما إذا حصلوا على وظيفة فإنهم يكافحون لسنوات مع تأخير رواتبهم وخفضها.

وقالت سيرينا وسو إنها قلقة بشأن تكلفة تعليمها التي تثقل كاهل والديها. ويتقاضى والدها، وهو موظف حكومي، 412 دولارا شهريا. وتابعت “راتب والدي ضئيل للغاية والحكومة لا تفعل شيئا للمساعدة”.

وقال الطالب في الرياضيات صلاح صابر إنه يفكر في ترك الدراسة، محبطا بعد أن فشلت شقيقته الأكبر سنا التي حصلت على درجات علمية في طب الأسنان في العثور على عمل.

وقال علي باريز، طالب التاريخ البالغ من العمر 20 عاما في أربيل، إنه يقضي كل يوم قلقا بشأن ما إذا كان سيجد عملا كمدرس بعد التخرج. وأكد أنه لم تكن هناك فرص عمل منذ سنوات. ستة أصدقاء غادروا مؤخرا إلى أوروبا وقد يتبعهم، إذا كان بإمكانه اقتراض ما يكفي من المال لدفع أموال للمهربين.

وقال جيار عثمان، مدرس اللغة الإنجليزية، إن الطلاب كثيرا ما يسألونه ما هو الهدف من الدراسة إذا لم تكن هناك وظائف بعد التخرج. وانتهى الأمر بالعديد من خريجي الجامعات عمالا يدويين أو في المطاعم، حيث يكسبون أقل من 137 دولارا في الشهر.

وتابع “من الصعب تحفيزهم. فهم لا يرون ضوءا في نهاية النفق”.

6