ماجد الكدواني الضاحك الباكي في أولى بطولاته الدرامية

"موضوع عائلي".. مفاجأة من العيار الثقيل تقلب حياة أب رأسا على عقب.
الخميس 2021/12/16
رجل مخدوع في ماضيه

ظل الفنان المصري ماجد الكدواني عازفا عن القيام بدور البطولة المطلقة في حياته الفنية، ومتقبلا الدور الثاني أو الثالث بعد نضجه فنيا. وقد تلقى الكثير من العروض الدرامية والسينمائية في الفترة الماضية، لكنه ظل وفيا لاعتقاده أن العمل الجماعي أكثر راحة، وعليه أن يتشبّث بهذا المبدأ الذي يجعله أكثر قربا من الجمهور طالما أنه يعتني بتجسيد الشخصية التي يقوم بها دون التفات إلى المساحة الزمنية للدور.

القاهرة - تلقى الممثل المصري ماجد الكدواني أكبر مفاجأة في حياته الفنية، وفق وصفه، عندما استجاب لرغبة المخرج أحمد الجندي ليقوم بدور البطولة في مسلسل “موضوع عائلي” المكوّن من عشر حلقات والذي بثته منصة “شاهد” مؤخرا، واعتبره تطوّرا كسر به واحدة من أفكاره النمطية، وهو الذي تعوّد على امتداد مشواره الفني تقديم الأدوار الثانوية في السينما والدراما التلفزيونية على حد السواء.

وجاءت المفاجأة الثانية في طبيعة الدور، حيث يقوم بشخصية الشيف إبراهيم ويردّد دائما لمن حوله في العمل أنه يكره المفاجآت، لكنه تلقى أكبر مفاجأة في العمل عندما اكتشف أن له فتاة من زوجته المتوفاة منذ سنوات ووالدها أخفى الأمر عليه عمدا.

ويشارك في العمل كل من محمد شاهين ورنا رئيس وسما إبراهيم وطه الدسوقي، وعدد من ضيوف الشرف، منهم عبدالرحمن أبوزهرة وبيومي فؤاد وأمينة خليل وشيرين رضا، وكتب حلقات المسلسل محمد عز وكريم يوسف وسامح جمال.

ولعبت علاقة الصداقة التي تربط الكدواني بالمخرج أحمد الجندي، والذي وضع فكرة العمل أيضا، دورا في تسهيل عملية التفاهم والتلاقي الفني بينهما، وأسهمت في أن تتّسم حلقات مسلسل “موضوع عائلي” بقدر كبير من السهولة والمتعة، فقد ظهر الكدواني كعادته بسيطا ومتمكنا من أداء دور الأب المصدوم من أن لديه ابنة جذابة وجميلة وفي ريعان الشباب، وحاول التعامل مع الموقف بطريقة تمزج بين السخرية والكوميديا والدراما، وهي من الحالات التي تعجب المُشاهدين.

بيئة جيدة للنجاح

أحداث المسلسل تدور حول رجل بسيط يكتشف أن له ابنة من زوجته المتوفاة، فتتعقد حياته

لجأ مخرج العمل أحمد الجندي إلى طريقة الاسترجاع (الفلاش باك) بلا تكلّف أو تعقيد في بعض المشاهد كي يتمكّن من الحفاظ على تسلسل الأحداث الدرامية، وذلك من خلال زواج الكدواني من ضيفة الشرف أمينة خليل، وكانت تظهر كومضة في العمل، وتمّ الزواج دون إرادة والدها وقام بدوره الفنان عبدالرحمن أبوزهرة الذي لجأ إلى تسفير ابنته لإحدى الدول الأوروبية بحجة العلاج ليتمكّن من إبعادها عن زوجها.

إلى هنا صارت الحكاية معروفة ولم يلجأ المخرج إلى العزف كثيرا عليها، غير أن المفاجأة تمثلت في انقطاع اتصالها بزوجها ثم طلب والدها الطلاق ثم وفاتها، وظل الكدواني معتقدا أنه أجرم في حقها عندما استجاب لرغبة والدها في تطليقها ولم تكن العلاقة معه جيدة، لكن بقي على وفائه لذكراها وحرصه على عدم الزواج بعدها.

وبدت الحلقات الخمس الأولى مقدّمة أو تمهيدا للوصول إلى الذروة الدرامية، ففي هذه الحلقات مضت أحداث مسلسل “موضوع عائلي” في خطين، أحدهما يمثله الكدواني وأسرته الصغيرة المكوّنة من شقيقته وزوجها وأبنائها، والآخر أسرة زوجته الراحلة، على رأسها رجل الأعمال الثريّ والدها، وشقيقها الذي قام بدوره محمد شاهين.

ونجح المخرج في الجمع بين توليفة متناقضة في عدد كبير من المشاهد، عمادها البساطة والتلقائية والحنان والحب والضحك في الأسرة الأولى، والبذخ والقسوة والتجهّم والغضب والعراك والصراع وفقدان الثقة وعدم الراحة في الأسرة الثانية.

ويمكن أن يكون الجمع بين متناقضين مفيدا أو مضرا ما لم تتمّ المعالجة الفنية بحرفية، إلاّ أنها في “موضوع عائلي” أتت بشكل متقن ولم يشعر الجمهور بأن هناك افتعالا أو محاولة تسخير الطاقم الفني لخدمة الكدواني، فجماعية العمل والجهود وفّرت بيئة جيدة لنجاح مسلسل قدّم جرعة فنية دسمة ومكثفة في عشر حلقات.

توقّعت شريحة كبيرة من الجمهور الذي تابع بشغف العمل أن لقاء الأب إبراهيم بابنته سارة وقامت بدورها رنا رئيس، والتي لا يعلم عنها شيئا، سيعتمد على اجترار الماضي وذكرياته وما يحويه من آلام وعتاب، غير أن التوليفة التي قدّمت للخروج من مأزق التعرّف لأول مرة بينهما جاءت مبتكرة وبها الكثير من المنطق.

كان الابتكار والمنطق ظاهرين في أن الجد، أبوزهرة، وهو على فراش المرض استدعى زوج ابنته واعترف بأن له بنتا أخفاها عنه من زوجته الراحلة وأبقاها في الخارج وتولى تربيتها وغرس فيها كراهيتها له بذريعة أنه تخلى عن والدتها في أثناء محنتها، مع ذلك جعله وصيا على ثروتها ويتولى إدارتها لأنه يثق في سلوكه وهو اعتراف متأخر ومثل مفاجأة جديدة لإبراهيم، وقبل أن يستفيق من الصدمة توفي الجد.

دفعت الصورة السلبية التي ترسّخت في ذهن الفتاة والدها إلى التفكير في المبرّر الذي جعل جدها يختاره كوصي على ثروتها، واختلق فكرة أنه محام واختاره جدها لثقته فيه وجدارته بهذا الدور، وليس لأنه والدها، وأدّت هذه الحيلة إلى تعامله مع ابنته بلا تعقيدات من جانبها حتى تعلقت به ووجدت معه وشقيقته وأولادها الأجواء الأسرية التي افتقدتها لوفاة والدتها وجراء إقامتها في مدرسة داخلية بإحدى الدول الأوروبية.

وسط هذا الزخم المفعم بالأحداث المتلاحقة تفجّرت مشاعر الأبوة تلقائيا لدى الشيف إبراهيم وبدأ يتعامل مع سارة بشفقة وحب وحنان وخوف وقلق حتى تعلقت به تلقائيا وتدريجيا، خاصة أن خالها وقام بدوره محمد شاهين كان جشعا وطامعا في الاستحواذ على الثروة الكبيرة التي ورثتها عن جدها.

وتحايل المخرج على عقدة الاسم، حيث نسبت سارة بعد وفاة والدتها وعدم وجود والدها إلى جدها وكتبت باسمه، وهنا لا وجود لاسم والدها في السجلات الرسمية، ما جعل الشيف إبراهيم المحمدي بعيدا عن دائرة الشك من جانبها.

اللغز والحقيقة

صانع حلويات يعيش مرارة الحياة
صانع حلويات يعيش مرارة الحياة

أدّى تغيير المهنة من طباخ إلى محام إلى مفارقات كوميدية خفّفت من الجرعة الدرامية السوداء، وكان للفنان الشاب طه الدسوقي (حسن ابن شقيقة إبراهيم) دور مهم في زيادة الضحك، ومثل مع الكدواني وسما إبراهيم (زينب شقيقة إبراهيم) ثلاثيا فنيا ضاعف من الجرعة الكوميدية في المسلسل.

ومرّت عملية كشف الحقيقة بين إبراهيم وابنته سارة بسلسلة من التطوّرات استغرقت نصف حلقات العمل تقريبا، لكنها لم تخرج عن السياقات الفنية المنطقية، وحفلت بأحداث تجمع بين التراجيديا والكوميديا، بدءا من المتاهة التي واجهتهما عندما توغلا في الصحراء وفيها تفجّرت مشاعر الأبوة مع الخوف، وحتى إدارة الخلاف مع خال سارة الذي كان مدمنا لعب القمار ودائم الخسارة والمديونية.

وعزّز ظهور الفنانة شيرين رضا في دور المغدورة من الشيف إبراهيم فكرة المفاجآت التي كانت المحور أو الخيط الخفي الذي اعتمد عليه المخرج في الكثير من المشاهد، وهي الفكرة التي جمعت بين الخوف الحقيقي عند الكدواني والمصنوع في المسلسل.

ويُحسب للكدواني الذي دخل مرحلة جديدة من النجومية في أفلامه الأخيرة “وقفة رجالة” و”مش أنا” و”البعض لا يذهب للمأذون مرتين”، ومسلسلاته الدرامية وأهمها “الاختيار 2″، أن تطوّره الفني جاء متدرّجا، فلم يصعد للقمة دفعة واحدة، لذلك حافظ وسوف يحافظ على وجوده عليها أو بالقرب منها لأن مقاييسه للأعمال التي يقدّمها تحسب بدرجة أو مستوى التأثير الذي يحدثه دون الاهتمام بالكم.

وأصبح الكدواني ضمن الأسماء الفنية القليلة حسنة السمعة وأشبه بالعلامة التجارية اللامعة، وهو الذي متى وجد في مسلسل أو فيلم مثل ضمانة للنجاح، الأمر الذي جعل البعض يخشى عليه من استنزاف طاقاته، لكن يقظته لهذه المسألة سوف تجنبه إغراءات الانتشار الكثيف، فالتكوين الفني والثقافي عند الكدواني يعصمانه من الوقوع في هذا الفخ.

15