تونس والكويت والجزائر تحصد جوائز أيام قرطاج المسرحية

بعد تسعة أيام من العروض المسرحية أسدل الستار، مساء الأحد، بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس، على فعاليات الدورة الثانية والعشرين من مهرجان أيام قرطاج المسرحية، بتتويج المسرحية التونسية “آخر مرة” للمخرجة وفاء الطبوبي بالجائزة الكبرى للمهرجان، التانيت الذهبي لأفضل عمل متكامل، فيما نالت المسرحية الكويتية “آي – ميديا” ثلاثة جوائز، وحصلت المسرحية الجزائرية “جي بي إس” على جائزتي أفضل إخراج وأفضل ممثل.
تونس- تُوّجت مساء الأحد، المسرحية التونسية “آخر مرة” لمخرجتها وفاء الطبوبي بجائزة “أفضل عمل متكامل”، في ختام الدورة الثانية والعشرين لمهرجان أيام قرطاج المسرحية، التي استمرت فعالياتها تسعة أيام متعاقبة من الرابع وإلى الثاني عشر من ديسمبر الجاري، بمشاركة سبع وتسعين مسرحية من ست وعشرين دولة عربية وأفريقية وأجنبية، فيما تنافس في المسابقة الرسمية للمهرجان اثنا عشر عرضا مسرحيا بين عربي وأفريقي.
والعرض المتوّج بالتانيت الذهبي للأيام نص وإخراج وفاء الطبوبي وأداء مريم بن حميدة وأسامة كشكار، وهو يتناول قصة الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة والعنف المسلط على المرأة في البيت والعمل رغم دورها في المجتمع.
تفوّق عربي
تدور أحداث “آخر مرة” حول امرأة ورجل يعيشان صراعا أبديا رغم التواصل بينهما، صراع ناجم عن حالات العزلة والخوف والشّك.
وفي العمل جعلت المخرجة من “آخر مرة” أداة للصراع الثنائي بين الرجل والمرأة، وهو صراع لا متناه يتكرّر باستمرار رغم اقتراف الخطأ نفسه، وهو العنف المسلّط على المرأة بشتى أصنافه.
وتألفت المسرحية من ثلاثة فصول، يروي الفصل الأول منها علاقة الرجل بالمرأة في العمل، ويروي الفصل الثاني علاقة الرجل بالأم، ويروي الفصل الثالث علاقة الزوج بالزوجة، وهذه الفصول الثلاثة تتقاطع جميعا في العنف والصراع بين الرجل والمرأة.
ولإبراز هذا الصراع، اعتمدت المخرجة وفاء الطبوبي على تقنية “الخشبة الخاوية”، واكتفت بطاولة وكرسييْن، استخدمتهما في التعبير عن علاقتيْ الاتصال والانفصال في نقطة التقاطع أو الالتقاء في مركز الخشبة، فالكرسي هو رمز للسلطة وأما الطاولة فهي رمز للالتقاء ولكنها أيضا رمز للانفصال، وفقا للمفهوم الآرنتي، نسبة إلى الفيلسوفة الألمانية حنا آرنت التي تشبّه “الاختلاف في علاقة بالاتصال والانفصال بالطاولة التي تجمعنا وتفصلنا عن بعضنا في آن واحد”.
واعتنت الطبوبي بالإنارة كإحدى أهم ركائز السينوغرافيا في المسرحية، والتي أثبتت من خلالها براعتها الهندسية، فتقنية الإنارة تمّ توظيفها أيضا في التعبير عن الاتصال والانفصال وحالات الصراع والتمزّق الداخلي والتشظي النفسي والجسدي لكلا الجنسيْن.
ووظّفت نقطة لا التقاء الطاولة في المسرحية تمهيدا للصراع الجسدي والعنف الحاصل بين الطرفين، الرجل والمرأة، بسبب حالات العزلة والخوف والضجر والوحدة والملل. وبدا الضوء المسلّط على الطاولة حيث مركز الخشبة كأنه غرفة استجواب بالمفهوم الأمني والقضائي يستنطق فيها أحدهما الآخر ويجعله في موضع اتهام بارتكاب “الخطيئة الكبرى” وهي التقصير في حقّ الآخر، ليستمرّ هذا الصراع الأزلي الثنائي إلى ما لا نهاية.
وفازت مسرحية “آي – ميديا” من الكويت بثلاثة جوائز، وهي جائزة أفضل نص التي ذهبت إلى مخرجها ومؤلفها سليمان البسام، فيما توّج إيريك سوايي بجائزة أفضل سينوغرافيا، وذهبت جائزة أفضل ممثلة للسورية حلا عمران.
ويعالج العمل المقتبس عن النصّ الإغريقي “ميديا” جملة من القضايا الإنسانية الآنية في علاقة بالهجرة والنزوح وصراع الهوية والانتماء بين بلدان العالم الثالث والبلدان الأوروبية التي تستقطب مريديها من فارّين ومهاجرين.
و”ميديا” المسرحية التراجيدية اليونانية التي كتبها يوربيديس تجسّد حياة “ميديا” المرأة الساحرة التي تقع في حب “جاسون” وتتزوّجه، لكنه سرعان ما يهجرها ليتزوّج بأخرى، فتقوم بقتل زوجته الثانية وأولادها منه في نوبة غضب. ومن رحم هذه التراجيديا ينطلق سليمان البسام الذي شارك في التمثيل في المسرحية إلى جانب حلا عمران في تجسيد واقع اليوم عبر إسقاطات عديدة تلتحم خلالها العناصر البسيطة لخلق تراجيديا معاصرة لبشر يعيشون الألم والتشتّت والضياع في عالم معاصر لا يهدأ.
وتسلّط المسرحية أيضا الضوء على قوة المنصات الرقمية وقدرتها على تغيير الفضاء السياسي وخلق قصة رمزية واضحة للصراع في الألفية الثالثة.
وفاز الجزائري محمد شرشال بجائزة أفضل إخراج عن عرض “جي بي إس”، فيما ذهبت جائزة أفضل ممثل لمحمد حواس عن دوره في العرض ذاته.
وتعالج المسرحية التي تمزج بين تقنيات السينما والمسرح والإيماءات والحركة، ضياع الإنسان المعاصر بين الأفكار والمبادئ لتمرير رسائل وأفكار تنتقد الانصياع والتيه، حيث جميع شخوص المسرحية يأتون على شاكلة دمى تارة، وآليين تارة أخرى، وفق التحوّلات التي يقتضيها مسار العرض، ينتظرون الخلاص، من دون جدوى، منذ ولادتهم، أو سقوطهم إلى الحياة توائم، جراء نزوة بين الذكر والأنثى، والقطار الذي هو رمز الخلاص يمرّ في كل مرة من غير أن يستقله أحد منهم، وبينما هم ينتظرون ينشغلون ببعضهم البعض، ولا ينتبهون إلى الوقت ولا إلى عبور القطار حتى بلوغهم الشيخوخة.
وخرجت المسرحيات الأفريقية خالية الوفاض من أي تتويج رغم منافستها على جوائز المهرجان بثلاثة مسرحيات، وهي “من الألف إلى الياء” من السنغال، و”خرائط أفريقيا” من غينيا و”الخالدون” من بوركينا فاسو.
وتنافست على المسابقة الرسمية للمهرجان اثنتا عشرة مسرحية، عوضا عن أربع عشرة، وذلك بسبب تعذّر قدوم فريق مسرحية “بيت الشّغف” لهشام كفارنة من سوريا وفريق مسرحية “شاطارا” لأمين ناسور من المغرب نتيجة قرار غلق الحدود الذي فرضته السلطات المغربية والسورية بعد ظهور السلالة الجديدة من فايروس كورونا، لتنحصر العروض المتنافسة على جوائز المهرجان في النهاية، بين ثلاثة عروض أفريقية وستة عربية وثلاثة تونسية اختيرت من بين نحو ثلاثمئة عرض.
وتشكّلت لجنة التحكيم برئاسة التونسي معز مرابط، وضمّت في عضويتها كلّا من الجزائري الأخضر منصوري واللبناني هشام زين الدين والمصري سامح مهران وكنجني ألامدجردو من التوغو والتونسي نزار السعيدي (مقرّر اللجنة).
جوائز موازية
حضرت حفل الختام الذي أقيم بقاعة الأوبرا بمدينة الثقافة وزيرة الشؤون الثقافية التونسية حياة قطاط القرمازي برفقة نظيرتها المصرية إيناس عبدالدايم بمناسبة حلول مصر “ضيف شرف” الدورة، إضافة إلى عدد من السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية في تونس ونجوم وكتاب ونقاد مسرح.
وتمّ خلال الحفل الاحتفاء بالممثلة التونسية منى نورالدين والفنانة المصرية سميحة أيوب، كما كرّم المهرجان الممثلة والمخرجة العراقية عواطف نعيم والكاتب والمخرج التونسي نورالدين الورغي.
وقالت مديرة المهرجان نصاف بن حفصية في كلمة الختام “تسعة أيام، فن، مسرح، تكوين، تفكير، حوار ونقاش. تسعة أيام ركض من قاعة عرض إلى أخرى بلا هوادة، تسعة أيام أُنجزت خلالها الدورة الثانية والعشرون لأيام قرطاج المسرحية، تسعة أيام خلاصة جهد جهيد وإعداد فاق الأشهر بكثير، مُنجز لم يكن ليتحقّق لولا تضافر الجهود ولولا حضوركم بيننا لتكتمل مشهدية الفعل الحي المباشر”.
وشمل حفل الختام توزيع الجوائز الموازية، أولها، جائزة “صلاح القصب للإبداع الأدبي” والتي ذهبت إلى الكاتب المسرحي التونسي محمد العوني وحاتم دربال المدير السابق لأيام قرطاج المسرحية لثلاثة دورات متتالية، والمسرحي العراقي أحمد حسن موسى.
وذهبت جائزة “نجيبة الحمروني لحرية التعبير” التي تسندها نقابة الصحافيين التونسيين إلى مسرحية “ذاكرة” للثنائي التونسي صباح بوزويتة وسليم الصنهاجي، كما تحصلت مسرحية “روبة” لحمادي الوهايبي، وهي من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان بتنويه خاص من اللجنة.
وفي جوائز “مسرح الحرية” التي تنظمها أيام قرطاج المسرحية بالشراكة مع الهيئة العامة للسجون والإصلاح بتونس، تحصّلت مسرحية “مرايا” إنتاج السجن المدني بقبلي على تنويه خاص من اللجنة، فيما ذهبت الجائزة الثالثة إلى مسرحية “ثقفوت لافينو” للسجن المدني بالمرناقية، وتحصلت مسرحية “غربة” للجناح النسائي بالسجن النسائي بسوسة على الجائزة الثانية، فيما ذهبت الجائزة الأولى مناصفة بين مسرحية “ثلاث حبات” إنتاج مركز إصلاح الأطفال بسيدي الهاني ومسرحية “زنزانة” إنتاج نادي المسرح بسجن برج الرومي.
وهي جوائز يسندها المهرجان بالشراكة مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب للسجناء التونسيين الذين زلت بهم القدم واختاروا المسرح أداة للتعبير عن مشاغلهم ورؤاهم المستقبلية بعد خروجهم من السجون، وشارك في الدورة الأخيرة من الأيام أربع عشرة مسرحية ضمت أكثر من تسعين سجينا وسجينة.
وبالتوازي مع العروض المسرحية، بحث المهرجان على امتداد أيامه التسعة ضمن ندوته الكبرى المعنونة بـ”المسرح في زمن المخاطر” في إشكاليات “المسرح وآليات التعامل الظرفية والدائمة مع الأزمات والطوارئ والمخاطر” و”المقاربات النظرية للمخاطر ومدى تطويعها لخصوصيات المسرح” و”المعالجة المسرحية كتابة وإخراجا وتقنيّا لموضوعات المخاطر والجوائح والكوارث بأصنافها” و”تأثيرات المخاطر على علاقة المسرح بالسلطة” بالإضافة إلى “الممارسة المسرحية مقاربة وإنتاجا والسلوكات ذات المخاطر”.
ويعدّ مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية التونسية، من أعرق المهرجانات المسرحية عربيا وأفريقيا، وهو الذي تأسّس في العام 1983 على يديْ المسرحي التونسي الراحل المنصف السويسي، وكان ينظم كل سنتين بالتناوب مع أيام قرطاج السينمائية قبل أن يصبح موعدا سنويا لعشاق المسرح. وهو يسلّط الضوء بشكل خاص على المسرح الأفريقي والعربي إلى جانب تقديمه لعروض أخرى من مختلف قارات العالم.