الباطون.. ثالث أكثر "بلد" في العالم مسبب لانبعاثات غازات الدفيئة

قطاع صناعة الخرسانة العالمي يعوّل بشكل كبير على نشر تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في المستقبل.
السبت 2021/12/11
العالم يحتاج إسمنتا أخضر

باريس – لو جُمع الباطون المستخدم حول العالم وشُكّل منه بلد، لكان احتل المرتبة الثالثة بين أكثر البلدان المسببة لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم، خلف الصين والولايات المتحدة.

لماذا يقال إن للباطون والإسمنت إحدى أسوأ البصمات الكربونية في القطاع الصناعي؟

الإسمنت هو أكثر مواد البناء استهلاكا في العالم، بمعدل يقارب 150 طنا في الثانية. ويتم صب 14 مليار متر مكعب من الخرسانة كل عام، وفقا للجمعية العالمية للإسمنت والخرسانة “جي.سي.سي.أي” ومقرها لندن، والتي تجمع اللاعبين الرئيسيين في هذا القطاع، بما يشمل المجموعات العملاقة “هولسيم” السويسرية و”سيميكس” المكسيكية و”سي.أن.بي.أم” الصينية.

14 مليار متر مكعب من الخرسانة يتم صبها كل عام، وفقا للجمعية العالمية للإسمنت

وينتج عن إنتاج الإسمنت وحده، وهو مكون رئيسي في الخرسانة، 7 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، بحسب “جي.سي.سي.أي”، أي ثلاثة أضعاف الانبعاثات الناجمة عن قطاع النقل الجوي.

وتقول فاليري ماسون ديلموت، الأخصائية في علم المناخ القديم وأحد رؤساء مجموعة خبراء مناخيين تابعة للأمم المتحدة، إن هذا المستوى “يفوق انبعاثات الاتحاد الأوروبي أو الهند، وهو خلف مستوى الانبعاثات الصادرة عن الصين والولايات المتحدة مباشرة”. ولا يبدو هذا الاتجاه قريبا من التوقف في ظل توسع التنمية الحضرية في آسيا أو أفريقيا.

ويحتوي الإسمنت، وهو مادة رابطة مسؤولة عن ربط الحصى والرمل في الباطون، على الكلنكر كمكوّن رئيسي يتم إنتاجه عن طريق تسخين الحجر الجيري والطين في الفرن. وتطلق عملية التسخين هذه انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

هذا التفاعل الكيميائي الضخم الذي لم يتغير كثيرا خلال 200 عام من تصنيع الإسمنت، يمثل 70 في المئة من انبعاثات قطاع الإسمنت. وتأتي نسبة 30 في المئة المتبقية من استهلاك الطاقة للفرن نفسه، وهو أمر ضروري لتكليس الحجر الجيري.

وحدد قطاع صناعة الخرسانة العالمي، الذي أعلن العام الماضي نيته تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، في بداية أكتوبر هدف خفض انبعاثاته “بنسبة 25 في المئة إضافية” بحلول عام 2030، ما من شأنه تجنب إطلاق خمسة مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون.

ويعوّل القطاع بشكل كبير على نشر تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في المستقبل، لمواصلة الجهود حتى عام 2050.

بالإضافة إلى الزيادة في إعادة تدوير وإعادة استخدام الخرسانة القديمة، وتشمل السبل الجديدة للتخضير استبدال الوقود الأحفوري بالنفايات والكتلة الحيوية في أفران الإسمنت (المساحيق الحيوانية والمخلفات الخشبية).

وفي ما يتعلق باحتجاز الكربون، وهي تقنية لا تزال في مراحلها الأولية، تخطط الصناعة العالمية لتركيب “عشرة هياكل على نطاق صناعي لالتقاط الكربون بحلول عام 2030″، بحسب “جي.سي.سي.أي”.

ووعدت مجموعات عملاقة مثل الشركة الصينية الوطنية لمواد البناء “سي.أن.بي.أم” بـ”لعب دورها” في إزالة الكربون.

الإسمنت هو أكثر مواد البناء استهلاكا في العالم

وانطلقت الكثير من الشركات الناشئة في هذا المجال، إذ تقترح شركة “أميريكن سوليديا” التقاط ثاني أكسيد الكربون وإعادة استخدام جزء منه لتجفيف الخرسانة، ما يقلل من استهلاك المياه.

وفي كندا طورت “كاربون كيور”، وهي شركة ناشئة، آلة إضافية تقوم بحقن ثاني أكسيد الكربون عند مرحلة خلط الإسمنت بالماء والرمل لصنع الخرسانة. وهذا يخزن بشكل دائم ثاني أكسيد الكربون ويجعل الخرسانة أقوى.

ويوضح روب نيفن، المؤسس والرئيس التنفيذي، أن هدفه تخزين 500 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا. وتستخدم معداتها في أكثر من 400 موقع لخلط الخرسانة، وتحظى بدعم المستثمرين بما في ذلك ميتسوبيشي ومايكروسوفت وأمازون.

ويضيف “تتمثل مهمتنا في إيجاد قيمة من جزيئات ثاني أكسيد الكربون وتخزينها بعيدا بشكل دائم، بحيث لا تذهب أبدا إلى الغلاف الجوي وتسهم في تغير المناخ”.

وفي بريطانيا يبلغ معدل الإحلال 26 في المئة، وفق “جي.سي.سي.أي”. وفي فرنسا نُشرت معايير جديدة للإسمنت منخفض الكربون في مايو.

ويتركز حاليا إطلاق هذه الأنواع الجديدة من الإسمنت بشكل أساسي على الشركات الناشئة. ويجد مصنعو الإسمنت التقليديون صعوبة أكبر في تحديث أدوات الإنتاج الخاصة بهم، والاستثمارات الضخمة المرتبطة بمقالعهم.

ففي فرنسا، تُعتبر شركة “هوفمان غرين سيمنت”، ومقرها في منطقة فانديه، متقدمة بشكل خاص على هذا الصعيد، إذ تعتمد في صنع الإسمنت على النفايات الصناعية، وحمأة الطين أو حتى على الرماد المتطاير من الكتلة الحيوية.

حتى مع تكلفة البناء الإضافية المقدرة بـ25 يورو للمتر المربع، تقول الشركة الناشئة التي تم طرحها للاكتتاب العام، إنها تتلقى طلبات كثيرة.

وتعد أوروبا استثناء، حيث يتعين على شركات الإسمنت شراء تراخيص لتغطية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الخاصة بها، ويمكنها توفير المال إذا كانت تنتج أقل. ولكن في الكثير من البلدان الأخرى، مثل الولايات المتحدة، لا توجد سياسات قائمة بعدُ لتشجيع صانعي الإسمنت على الدفع مقابل بدائل أكثر مراعاة للبيئة.

Thumbnail
18