وليد جاهين يواصل احتفاءه ببطولات المرأة المصرية في معرض "الملحمة"

الفنان المصري يمعن في إثبات احتفائه بالمرأة والانتصار لها بكل المقاييس، ليس فقط على مستوى إفساح دور البطولة لها في جميع المسطّحات المتاحة.
الجمعة 2021/12/10
لوحات بأجسام نورانية وأضواء بيضاء

القاهرة - يستمرّ حتى السادس عشر من ديسمبر الجاري بغاليري ديمي بالعاصمة المصرية القاهرة، معرض “الملحمة” للفنان التشكيلي المصري وليد جاهين الذي يدور حول بطولات مجموعة من العائلات التي عبرت بحيرة المنزلة من بورسعيد إلى دمياط في العام 1956.

وعن هذه التجربة قال جاهين “بشعور يغلبه الشوق كانت دائما ما تحكي الأم ملحمة العبور من شاطئ إلى آخر يقابله، وهي في سن الثانية عشرة، فهي واحدة من تسعة أبناء خمسة شباب وطفل وأختان.. القصة كلها تدور حول الدور البطولي والكلاسيكي لأفراد الأسرة وأسر أخرى تعبر بحيرة المنزلة من بورسعيد إلى دمياط في عام 1956”.

وليد جاهين: المعرض يدور حول الدور البطولي لعائلات عبرت بحيرة المنزلة من بورسعيد إلى دمياط في العام 1956

ويُضيف “لم يكن الخيال يستدعي تفاصيل المشهد ولم يكن هذا هو القصد التشكيلي المراد، وإنما ما ثبت في الذهن من حكايات الأم والتي كانت مرارا وتكرارا تؤكّد الحالة الملحمية التي أظهرها هؤلاء الشباب من العون والتكاتف والحماية، وكأننا أمام ملحمة كلاسيكية أبطالها نحن”.

ويسترسل جاهين “في الذكرى الثانية عشرة لوفاة الأم، لم أجد من تفاصيل الحكاية سوى الأوضاع الكلاسيكية لأجسام الشباب أبطال الملحمة (ملحمة المنزلة 2021) فشكّلت منها ستة وعشرين عملا فنيا بأجسام نورانية وأضواء بيضاء هي ألوان شخوصي المرئية داخل الأعمال، لم أجد من ذاكرة حكايات الأم ملامح لهم سوى هذا الضياء الذي يسمو بانفعالاتهم إلى الحد الأعظم من الحماية والمثابرة. وهم في سلام تام وكأنها البداية ليوم جديد عبر المنزلة، فتمنحهم السمات المثالية والكلاسيكية للشخوص روعة الملحمة ودفء المشهد الذي لم تنساه الأم”.

وجاء معرض التشكيلي جاهين (47 عاما) استكمالا لمجموعة معارضه الأخيرة، ومنها “إلى الآخر” و”رومانسية أخرى” و”مسافر زاده الخيال” و”اللقاء” و”إيف 2020″، والتي يتجلى فيها جميعها الحضور الأنثوي الطاغي كخط أساسي في لوحاته، إلى جانب شغفه الكبير بمفهوم الزمن وحركته الدائرية وما يتعلّق به من تساؤلات.

ويمعن الفنان المصري في لوحاته في إثبات احتفائه بالمرأة والانتصار لها بكل المقاييس، ليس فقط على مستوى إفساح دور البطولة لها في جميع المسطّحات المتاحة، التي شغلتها بكامل جسدها في معظم الأحوال، وإنما كذلك بتجسيم حضورها الهيكلي بالأبعاد الثلاثية ككتلة مرنة منحوتة مهيمنة على الفضاء المحيط، وتمكّن المصوّر من هذه الآلية التجسيدية البارعة من خلال حساسيته الفائقة في استخدام الألوان ومراعاة التناغم والتنافر بين درجاتها وظلالها.

ويوازن الفنان المصري كذلك بين الخارجي السطحي الظاهر والداخلي الباطني الكامن، ليقدّم في منظومته العميقة الوجود الحقيقي للمرأة كجوهر وضمير وطقس نفسي وحالات مزاجية وانفعالية متفجّرة، ما يضفي ديناميكية على لوحاته التي تبدو دائما مُشبعة بالمشاعر والرموز.

وهو لا يُعنى في الغالب بإبراز تفاصيل الوجوه والملامح والاستغراق في التشكّلات المنظورة بالمعنى التشريحي، كونه ينزع عموما في لوحاته إلى التجريد والترميز والسيولة وتكريس كل ما هو نوراني بضياء مبيّض.

وتتميّز لوحات الفنان الإسكندراني بجرأتها الشديدة وبحثها الخاص في إشكاليات العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو الذي يستلهم ألوانه الصارخة وتكويناته التشكيلية المركبة ممّا علق بذاكرته الجامحة خيالا سواء من ثقافته الفرعونية الحاضرة دون الكثير من الثرثرة في لوحاته أو من خلال ما علق في ذهنه من زياراته للعديد من العواصم العالمية منها: سيول وأثينا وسمرقند وميكانوسو وتونس لتحضر ثيمتا الإنسان والمكان بقوة في أيقونات جاهين المُسافرة خيالا والمتأصلة ألوانا شرقية.

Thumbnail

وولد الفنان وليد جاهين بمحافظة الشرقية (دلتا النيل) عام 1974، وتخرّج في كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية عام 1997، حصل على درجة الماجستير في الأيقونات القبطية وإعادة اكتشافها من وجهة نظر معاصرة عام 2005.

واختار الفنان موضوعا له سمات خاصة وظروف حياتية مختلفة، فهو فنان مسلم لكنه آثر على نفسه أن يكون موضوع بحثه في الفن و”الدراسات المسيحية” من خلال دراسة ميدانية لمدة خمس سنوات قضاها بين أديرة وكنائس مصر باحثا ومستكشفا عمّا هو جديد في موضوع بحثه.

وقد حصل على درجة الدكتوراه في المستجدات التكنولوجية وأثرها على فن التصوير المعاصر نهاية عام 2010، بعد أن اختار موضوعا ارتبط بتجربته الفنية وشغفه الأصيل في التعامل مع المُسطح التصويري قدّم فيها بحثا تميّز بتجربة فنية خالصة وأخرى معملية يستفيد منها طلاب فن التصوير.

وأقام جاهين العديد من المعارض الخاصة، ومنها  معرض بأتيليه الإسكندرية عام 2000، ومعرض خاص بقاعة غوتة بالمركز الثقافي الألماني بعنوان “حضور معاصر” في أبريل 2008، ومعرض بعنوان “إلى الآخر” بقاعة الباب/ سليم بمتحف الفن المصري الحديث بدار الأوبرا المصرية في مايو 2015، ومعرض بعنوان “رومانسية أخرى” بغاليري لوكير بالزمالك في أكتوبر 2015، ومعرض “مسافر زاده الخيال” بغاليري خان المغربي بالزمالك في ديسمبر 2017، ومعرض بعنوان “اللقاء” بغاليري ضي بالمهندسين في نوفمبر 2018.

ومن المعارض الجماعية شارك في معرض “الحفر الأول” بقاعة ناجي الأنفوشي، وصالون غوتة السنوي لجيلي السبعينات والتسعينات 1996، ومعرض “لن ننساك يا درة القلوب” لصالح الانتفاضة الفلسطينية 2001 بجمعية الروتاري بالإسكندرية، والمعرض القومي للفنون التشكيلية في سنوات 1999 و2001 و2003.

ويحمل جاهين عددا من العضويات منها عضو نقابة الفنانين التشكيليين المصريين، وعضوية جماعة الفنانين والكتاب لأتيليه الإسكندرية وعضو مؤسّس لجماعة دواير للفنون وحوار الحضارات.

15