في "حديقة الألغام".. عراقيون محرومون من الحياة والعمل

قرية حسن جلاد (العراق) - بسبب الألغام والمتفجرات التي خلّفتها الحروب في العراق لم تنج عائلة واحدة في قرية حسن جلاد (شمال) من مأساة فقدان أبناء أو أقارب وإعاقة آخرين من سكانها الذين يعتاشون على الزراعة وتربية الماشية.
ولم تترك الألغام والمتفجرات التي خلفتها الحروب في العراق عائلة في قرية حسن جلاد الواقعة شمالا، بلا مأساة فقدان أبناء أو أقارب وإعاقة آخرين من سكانها الذين يعتاشون على الزراعة وتربية الماشية.
وتقول إحصائيات الأمم المتحدة إن مئة طفل قُتلوا أو أصيبوا في الأشهر التسعة الأولى من العام جراء انفجار ألغام ومتفجرات من مخلفات الحروب في العراق.
وتؤكد المنظمات الإنسانية أن هذا الخطر يهدد شخصا من كل أربعة في هذا البلد الذي يعد من الأكثر تضررا في العالم جراء هذه المخلفات.
والصراعات المتتالية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وحتى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017، هي سبب وجود هذه المخلفات التي يدفع ثمنها أبناؤه.
100 طفل قتلوا أو أصيبوا في الأشهر التسعة الأولى من العام جراء انفجار ألغام ومتفجرات من مخلفات الحروب
وفي أواخر الشهر الماضي أعلن العراق أن أراضيه ستكون خالية من الألغام والمقذوفات الحربية غير المنفجرة بحلول عام 2028.
وقال وزير البيئة جاسم الفلاحي، إن “عصابات داعش الإرهابية وخلال فرض سطوتها على عدد من مناطق البلاد، أقدمت على تلويث مساحات واسعة بالألغام، ما رفع السقف الزمني لموعد إعلان العراق خاليا من الألغام”.
وأوضح أن الموعد المتوقع سيحل بعد “عشرة أعوام في 2028، بعد أن كانت المنظمات العالمية قد حددته مسبقا عام 2018”.
وأشار إلى أن “جهودا كبيرة تبذل من أجل تطهير مساحات كبيرة ملوثة بالألغام ومن خلال التنسيق مع المنظمات العالمية المختصة، أسوة بمنظمة (أم.إي.جي) البريطانية، فضلا عن مديرية الدفاع المدني في وزارة الداخلية العراقية”.
وتسبب انفجار لغم في نهاية العام 2017 بعد فترة قصيرة من هزيمة الجهاديين، بمأساة لعائلة عوض قدو في قرية حسن جلاد بمحافظة نينوى إلى الشمال من مدينة الموصل والتي كانت عاصمة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لثلاث سنوات.
وقُتل اثنان من أبناء أشقاء قدو كانوا يرعون الماشية جراء الانفجار الذي أدى أيضا إلى جرح أحد أبنائه وبتر ساقي شخص آخر، إضافة إلى نفوق أبقار وأغنام.
وقال “نخاف على الأطفال، نرشدهم على الطريق ونطلب منهم تجنب مناطق وعدم التقاط ما يجدونه على الأرض، كسلك كهرباء أو أي شيء”.
وخلال عام عثر على أكثر من 1500 عبوة متفجرة في المنطقة، بحسب علاء الدين موسى ضابط متقاعد يعمل مع شركة “جي.سي.إس” الخاصة لرفع المخلفات الحربية.
وقال “لكل بيت في المنطقة قصة مؤثرة”، مضيفا “أطفال كثر قتلوا والمئات من الحيوانات نفقت في انفجارات في حقول”.
فريق مختص بتفكيك الألغام يواصل عمله وينقل المتفجرات التي يعثر عليها إلى منطقة مطوقة بحزام أحمر
ويواصل فريق مختص بتفكيك الألغام عمله وينقل المتفجرات التي يعثر عليها إلى منطقة خالية محظورة ومطوقة بحزام أحمر.
وتصنف المتفجرات بين صواريخ عيار 107 ملم ومقذوفات عيار 23 ملم وألغام “في أس 500”.
وتعد محافظتا الأنبار (غرب) ونينوى من أكثر المناطق تضررا، كما هو الحال في جميع المعاقل السابقة لتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال بير لودهامر رئيس برنامج العراق في دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام “نرى الكثير من المتفجرات المزروعة في مناطق حضرية”.
وأضاف أن “الخطر يزيد من صعوبة عودة الناس إلى منازلهم واستئناف حياتهم الطبيعية”، في بلد يعد ما لا يقل عن 1.2 مليون نازح.
ولا تزال هناك مناطق خطرة قرب الحدود مع إيران والكويت والسعودية حيث زرعت ألغام وقذائف متفجرة، وفقا لتقرير منظمة هانديكاب الإنسانية.
ولفت تقرير المنظمة في أكتوبر إلى أن “العراق يعد من أكثر دول العالم من حيث المتفجرات المزروعة”.
وحذر من وجود متفجرات “في أكثر من 3200 كلم من الأراضي، أي ضعف مساحة لندن”، مضيفا أن “8.5 مليون شخص يعيشون وسط مخلفات الحرب القاتلة هذه”.
ويتمثل التحدي الرئيسي في زيادة الوعي لدى أهالي هذه المناطق لتغيير سلوكهم في مواجهة الخطر.
وقال مدير فرق التوعية في محافظة نينوى غيث قصيد علي (30 عاما) إنه من خلال جلسات توعية للأطفال والكبار “سجلنا قصص نجاح”. وأوضح “بعد الجلسات، يخبروننا إذا شاهدوا مخلفات حرب”.
ويؤثر خطر الألغام على الحالة الاقتصادية، لأن “أكثرية سكان هذه القرية هم مزارعون، لكن أغلب الأراضي مزروعة بمتفجرات خلفتها الحروب”.
وتكشف حالة عبدالله فتحي البالغ 21 عاما، الانعكاسات الاقتصادية لتلك المخاطر.
ففي العام 2014، عندما كان هذا الشاب يرعى الماشية تعرض لانفجار لغم أدى إلى بتر ساقيه ويده اليسرى وعدد من أصابع يده اليمنى.
وقال هذا الشاب بحزن “سابقا كنت أعمل لكن الآن لا أستطيع أن أفعل ولا أن أحمل أي شيء، ولا حتى أحجار الإسمنت للبناء”. وأضاف بيأس “أقضي يومي في البيت ولا أخرج منه”.