أفواه السياح المفتوحة تهدد مسجد قرطبة بالانهيار

مسجد قرطبة يعتبر واحدا من أروع الآثار التي أنشأها المسلمون من الأعمال المعمارية بالأندلس خلال الوجود العربي هناك.
الاثنين 2021/12/06
اندهشوا دون تكاثف

الكثير من الأضرار لحقت بالمسجد الكبير في قرطبة الذي لا مثيل له، وهي ناتجة عن الرطوبة التي ينتجها السياح باستمرار حيث تظل أفواههم مفتوحة أثناء التأمل.

قرطبة (إسبانيا) - كشفت تقارير أن كثافة السياح الزائرين للمسجد الكبير في قرطبة، أحد أشهر المعالم الإسلامية في إسبانيا، قد تهدِّد الجامع وتتسبب في انهياره.

وألقى تقرير قُدِم إلى الحكومة الإسبانية الأسبوع الماضي، الضوء على الخطر الذي يواجهه المسجد بسبب ملايين المتفرجين الذين يزورونه كل عام، وتحديدا أفواههم المفتوحة أثناء التأمل والتي تسبب ظاهرة التكاثف.

واستُخدِم المسجد، الذي بُنِي في موقع كنيسة سابقة على مراحل بين أواخر القرن الثامن وأواخر القرن العاشر، بمثابة كاتدرائية منذ استعادت القوات المسيحية المدينة الجنوبية الإسبانية عام 1236. ويستقبل ما يصل إلى مليوني زائر كل عام.

وتسببت ظاهرة التكاثف الناجمة عن الزوار في أضرار للعديد من المناطق، بما في ذلك المحراب الغني بزخارف حدوة الحصان، ومحراب الصلاة الذي يشير إلى اتجاه مكة ويضم مئذنة يقود الإمام منها الصلاة.

وقد ذكر التقرير أنَّ “سبب ذلك هو التكوين المعماري الخاص لتلك المساحات وعدم كفاية تهويتها”.

وتشكل قلة التهوية خطراً على موقع التراث العالمي لأنَّ حرارة الجسم المنبعثة من كل زائر تساهم في تبخر المياه الموجودة في الهياكل المعمارية للمسجد – الكاتدرائية. ويشير إلى أنَّ “هذا التبخر يتسبب في تفكك هذه المواد ويساهم في تدهورها السريع”.

وتراجعت أعداد الزوار خلال وباء فايروس كورونا المستجد، لكن بعد إعادة افتتاحه في أبريل من هذا العام، سجَّل المَعلَم دخول 53 ألف زائر في مايو 2021 وحده.

وقال المتحدث الرسمي باسم المسجد – الكاتدرائية خوسيه خوان خيمينيز غويتو، إن المكان الديني ظل “مفتوحا أمام مرتاديه” منذ 1236، إلا أن الزيارات السياحية علقت في 14 مارس 2020 بعد إعلان حالة الطوارئ بسبب جائحة كورونا لتستأنف في أبريل 2021.

ويزداد الخطر على المبنى لأنَّ قرطبة هي المدينة الأعلى درجة حرارة في شبه الجزيرة الإيبيرية، ففي الصيف، عندما وصلت درجة حرارة المدينة إلى نحو 47 درجة مئوية، رصد دعاة الحفاظ على البيئة أعلى مستويات التكاثف.

الخطر يزداد على المبنى
الخطر يزداد على المبنى

ويقول التقرير “عندما تقترب لحظة التبخر الأكبر مع لحظة أكبر تدفق للسائحين، تأكدنا عملياً من ارتفاع مؤشرات الرطوبة المطلقة للبيئة ارتفاعاً ملحوظاً للغاية؛ مما يشكل خطراً على الحفاظ على المواد الأكثر حساسية للرطوبة”. وإحدى هذه المواد هي الخشب، والتي تكوِّن الجزء الأكبر من السقف.

فيما أوصى التقرير “بضرورة تنفيذ جميع الإجراءات التي من شأنها تحسين تهوية المبنى والسيطرة على تدفقات الزوار وتجنّب التجمعات ونشر الزوار عبر المكان خلال ساعات الزيارة”.

وقد أثار الخطر على المبنى قلق خبراء التراث، فخلال الفترة الإسلامية في إسبانيا، كان جامع قرطبة ثاني أكبر مسجد من حيث المساحة بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة. ويشتهر بعدد كبير من الأعمدة في قاعة الصلاة والأقواس ذات الطبقات المزدوجة، وله تأثير في الفن الإسلامي الغربي.

وتعليقاً على المخاطر التي يشكلها تكاثف الهواء الناتج عن السائحين، صرحت صحيفة “آل دياريو” الإلكترونية “إنَّ الكثير من الأضرار التي لحقت بالسقف المبطَّن بألواح مجوفة، والذي لا مثيل له، ناتج عن الرطوبة التي ينتجها باستمرار كل سائح يظل فمه مفتوحاً أثناء التأمل في المحراب”.

يذكر أن هذا المعلم الأثري التاريخي ظل مسجدا حتى تم تحويله عقب سقوط الأندلس في 1492، وحروب الاسترداد إلى دار عبادة كاثوليكية في عهد الملك فرناندو الثالث، وبعد ثلاثة أعوام أصبح كاتدرائية.

وفي القرن السادس عشر، عندما بنى أسقُف قرطبة، على نحو مثير للجدل، صحن الكنيسة وجناحاً في وسط الجامع، قال الإمبراطور تشارلز الخامس “لقد بنيت هنا ما أمكنك أنت أو أي شخص آخر بناؤه في أي مكان؛ وبذلك، لقد دمرت مكاناً فريداً في العالم”.

ويعتبر مسجد قرطبة واحدا من أروع الآثار التي أنشأها المسلمون من الأعمال المعمارية بالأندلس خلال الوجود العربي هناك بين 711 و1492، وبجانبه أيضا قصر الحمراء في مدينة غرناطة، وعدد آخر وكبير من الآثار بمدن مثل إشبيلية ومالقة.

وأدرج المسجد – الكاتدرائية في 1984 ضمن التراث العالمي الإنساني للبشرية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

يذكر أنه رغم مرور أكثر من 700 عام على تحويل البناء من مسجد إلى كاتدرائية سميت باسم سيدة الانتقال، فلا يزال سكان قرطبة يسمّونها “مسكيتا” أو المسجد باللغة الإسبانية.

20