تاريخ الفراعنة لا يزال يدعم السيسي ومن سبقه من الحكام

علم المصريات أداة سياسية لدعم الاقتصاد وكسب تأييد الجمهور.
السبت 2021/12/04
التاريخ سلاح الرؤساء المصريين

وظفت الأنظمة السياسية المتتابعة في مصر تاريخ الفراعنة لخدمة أهداف وغايات محددة ولجذب اهتمام الغرب اقتصاديا وسياسيا. ويستثمر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في هذه الهبة المستمرّة، حيث يعتمد على القومية الفرعونية ويروج لاهتمامه بالآثار والتراث عبر احتفالات ومواكب واكتشافات للموروث الفرعوني موجهة بدقة لدعم السياحة التي يقوم عليها اقتصاد البلاد، ولكن أيضا لشحذ الدعم الغربي اللازم لنظامه السياسي في منطقة تواجه حروبا وتهديدات إرهابية واسعة.

القاهرة - ترأس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أواخر شهر نوفمبر الماضي مراسم فرعونية للاحتفال بإعادة افتتاح شارع أبوالهول "طريق الكباش" في مدينة الأقصر وهو طريق يربط بين مجمعين من المعابد المصرية القديمة في الكرنك والأقصر.

وشمل العرض عربات فرعونية وأكثر من أربعمئة فنان شاب يرتدون أزياء وأداء إعادة تمثيل لمهرجان الإبت القديم، حيث عُرضت تماثيل آلهة طيبة سنويا خلال عصر الدولة الحديثة احتفالا بالخصوبة وفيضان النيل.

وكان هذا الموكب هو الأحدث في سلسلة من الفعاليات الضخمة ذات الطابع الفرعوني. ففي أبريل الماضي نقلت مومياوات عبر القاهرة في احتفال متلفز وطنيا أطلق عليه "موكب الفراعنة الذهبي".

وفي أغسطس نُقل ما يسمى بـ"مراكب الشمسي" عبر القاهرة في سيارة يُتحكّم فيها عن بعد مستوردة من بلجيكا. وفي العام المقبل من المقرر افتتاح المتحف المصري الكبير على هضبة الجيزة بجوار الأهرامات، وبه حوالي 100 ألف قطعة أثرية قديمة، من المتوقع أن يكون جوهرة تاج علم المصريات وأحد أكبر المتاحف وأكثرها زيارة في العالم.

ولا تنفد المقابر التي يجب اكتشافها في مصر، أو المومياوات التي يجب فك تغليفها، أو التوابيت التي هي في حاجة إلى المسح الضوئي باستخدام أحدث التقنيات. ويعود ذلك جزئيا بالطبع إلى صناعة السياحة، التي لا تزال، على الرغم من تضررها من فايروس كورونا، ركيزة الاقتصاد المصري ومصدرا مهما للعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها.

كايل أندرسون: العلامة التجارية للسيسي تعتمد على إرث القومية الفرعونية

وترى مؤسسة "عرب دايجست" الاستشارية أن علم المصريات لا يزال يلقي تعويذة سحرية على الجماهير الغربية ويحاول النظام تعظيم ذلك إلى أقصى حد من أجل جذب أكبر عدد ممكن من السياح.

وكما هو الحال في عهد حسني مبارك، فإن أحد الأساليب التي يستخدمها النظام الحالي لتحقيق ذلك هو إصدار معلومات جديدة ومثيرة حول الاكتشافات المصرية الجديدة في الأوقات الاستراتيجية من العام عندما يُعتقد أن الغربيين يحجزون عطلاتهم.

وتعتبر أنه إلى جانب الفوائد الاقتصادية يعمل علم المصريات أيضا كأداة سياسية قوية يمكن نشرها للتأثير على جمهورين مختلفين تماما، أحدهما محلي والآخر أجنبي.

وجاء في تقرير المؤسسة الاستشارية أن النظام يعتبر الجمهور الأجنبي هو الأهم. حيث يهتم جميع الحكام العرب بالرأي العام الغربي أكثر من اهتمام شعوبهم لأنهم يعتمدون بشدة على الحكومات الديمقراطية الغربية للحصول على الدعم. لذلك، يُنظر إلى التأثير على الرأي العام الغربي على أنه أساسي لبقائهم على المدى الطويل.

ولا تهدف الاحتفالات مثل تلك التي أقيمت في الأقصر فقط إلى إظهار أن مصر مكان آمن وودود للزيارة، ولكن على مستوى أعمق لإيصال رسالة مفادها أن هذا النظام يقدر الآثار والتراث تماما كما يفعل الغرب المتحضر مما يجعلها تستحق الدعم في هذا الجزء من العالم الذي يعاني من الكثير من الحروب والإرهاب.

ومن المهم أن ندرك أن ما كُتب بشكل واضح من كل هذه الخدع الفرعونية هو أكثر من ألف عام من التاريخ الإسلامي المصري لأن الاحتفال بهذا سيكون بمثابة دعم لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة وسيبعث برسالة خاطئة تماما إلى الغرب أن "رجلهم" لم يكن ملتزما تماما بهزيمة الحركات الإسلامية بكل مظاهرها.

ولم تُذكر القاهرة باعتبارها "مدينة الألف مئذنة"، ومقر كل من الخلافة الفاطمية والعباسية ومركز الدراسات الإسلامية في جميع أنحاء العالم في العصور الوسطى، من الخطاب الوطني، إلى جانب العديد من الأحداث التاريخية الحديثة الأخرى المتعلقة بصعود السيسي إلى السلطة.

ولطالما شجب الإسلاميون المتشددون الاحتفال بعلم المصريات باعتباره عبادة للأوثان وساووا بين عنف الاستبداد الفرعوني والأنظمة العلمانية المعاصرة في المجتمع الإسلامي، مثلما جاء في كتاب "في ظلال القرآن" للمنظر الإسلامي الرادكالي وزعيم الإخوان المسلمين سيد قطب "تُعظم الأصنام المضللة، مثل الوطن، والأمة، والعرق، والطبقة، والإنتاج، وما إلى ذلك، ويُحتفى بها بأشكال مذهلة، ويُدفع الناس إلى تقديم القرابين لها. ويُتّهم كلّ من يُمانع بالخيانة ويُهان. إذا كان شرف المرء يتنافى مع متطلبات الخضوع لمثل هذه الآلهة الكاذبة، يُعدم الشرف ولا تنفكّ وسائل الإعلام تُطنب في إطلاق عبارات المديح لمثل هذه المهزلة".

تاريخ مصر حاضر في مدونة جميع الرؤساء المتعاقبين 
تاريخ مصر حاضر في مدونة جميع الرؤساء المتعاقبين 

في الواقع، فإن الصحف الجادة مثل الغارديان أو نيويورك تايمز أو وول ستريت جورنال عادة ما يكون لديها شهية فقط لنشر خمس أو ثماني قصص عن مصر كل شهر. وهذا عدد كبير جدا مقارنة بالدول الأخرى حول العالم وهو انعكاس للاهتمام الهائل والدائم للجمهور الغربي بالبلاد.

وبشكل عام، على الرغم من وجود ثلاثة أنواع مختلفة من القصص، يتم التعامل فقط مع القصص السياسية والتي ترتبط غالبا بالانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب. لذلك يلعب تاريخ الفراعنة دورا حاسما في احتلال جزء كبير من طيف الإعلام الغربي الذي كان من الممكن أن تتناوله قصص أكثر أهمية عن السياسة وحقوق الإنسان.

وكتب حسين عمر في لندن ريفيو أوف بوكس ​​في أبريل "مشهد السيسي في العرض العسكري على الممرّ الفرعوني هو أحدث تكرار لحيلة دعائية قديمة، تستهدف جمهورا أجنبيا.. وطالما كان استحضار ماضي مصر القديم على حساب تاريخها السياسي الحديث تكتيكا مفضلا لطغاة البلاد. عايدة وإسماعيل باشا، قصة رومانسية بين الأعراق قٌدّمت في 1871 لتبييض محاولة الحاكم العثماني الكارثية للاستيلاء على إثيوبيا في 1876.

علم المصريات أداة سياسية قوية يمكن نشرها للتأثير على جمهورين مختلفين تماما، أحدهما محلي والآخر أجنبي

ووافق ناصر على إعارة قناع توت عنخ آمون إلى فرنسا في 1967 بعد كوارث حرب الأيام الستة. وفي 1976، عندما نُقلت مومياء رمسيس الثاني جوا إلى باريس للترميم، مُنحت جواز سفر مصريا ذكر أنها "ملك (متوفى)".

ربما يكون السادات قد تذمر من إهانات عرض الجثث في خزانات المتحف، لكنه لم يكن لديه أيّ ندم بشأن استخدام جولة توت عنخ آمون العالمية 1976 - 1979 كدعاية لاتفاقية كامب ديفيد.

وفي 2006، في ذروة المعارضة المتزايدة لحملته الأمنية، رعى مبارك عرضا لتمثال رمسيس الثاني الضخم من خارج محطة السكة الحديد إلى هضبة الجيزة.

وتشير عرب دايجست إلى أن نظام السيسي يستخدم محليا التاريخ الفرعوني لمحاولة صياغة نوع من الطرح السياسي القومي لتبرير قبضته على السلطة، وهي على الرغم من شكلها غير المقنع تستحق العناء نظرا لافتقار النظام التام للشرعية الديمقراطية والدينية. إن العرق جزء لا يتجزأ من الفاشية، ويضفي التاريخ الفرعوني أيضا خطابا عنصريا قويا في نوع السيسي من القومية.

وكتب كايل ج.أندرسون، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ والفلسفة في جامعة ولاية نيويورك في أولد ويستبري “تلتقي القومية الفرعونية في تاريخ مشترك، وكذلك ما يسميه الفيلسوف لودفيغ فيتغنشتاين ‘قواعد’ مفاهيمية عميقة، مع نوع من علم العرق الأوروبي الذي بلغ ذروته في الاشتراكية القومية لهتلر. من خلال افتراض وجود صلة بين الفراعنة القدامى منذ الآلاف من السنين والأشخاص الذين يعيشون في مصر اليوم، فإن علامة السيسي التجارية الجديدة للفراعنة تعتمد على هذا الإرث من القومية العرقية، حتى أثناء التخلص من بعض الخطاب العلمي الزائف الذي خرج عن الموضة”.

وفي الماضي كان السيسي نفسه كثيرا ما يُقارن بفرعون جديد من قبل كل من مؤيديه وخصومه. وفي يناير 2014، شبهه وزير الآثار السابق اللامع وعالم المصريات الشهير زاهي حواس بالفرعون منتوحتب الثاني الذي أعاد النظام إلى مصر منذ حوالي 4150 عاما. وبحسب ما ورد نفى السيسي نفسه المقارنة، وهي خطوة حكيمة بالنظر إلى أن الفراعنة هم رموز متناقضة وطغاة لكل من الكتاب المقدس والقرآن.

7