العراقي محمود العبيدي يعرض في مصر "مفارقات" أجساده المبعثرة

القاهرة – في أول معرض شخصي له بمصر وثاني زيارة فنية بعد مشاركته ببينالي القاهرة الدولي الثالث عشر 2019، يحتفي الفنان العراقي محمود العبيدي بافتتاح معرضه الجديد “مفارقة”، مساء الأحد، بغاليري “إيجيبت” بالعاصمة المصرية القاهرة، ويستمر المعرض حتى العاشر من يناير 2022.
وقال الفنان محمد طلعت مدير الغاليري إن “هذا المعرض من المعارض الكبرى على أجندة الغاليري هذا الموسم لقيمة الفنان محمود العبيدي بين مُبدعي العراق، نظرا إلى تميّز أعماله وتنوّعها، ممّا جعل عالمه الفني شديد الخصوصية، وأعتقد أن فناني مصر والجمهور والنقاد سيشاهدون مجموعة غاية في التفرّد لفنان كبير له طبيعته وعالمه وقناعاته الفكرية والحسية ما يجعل من هذا العرض أحد أهم العروض في موسمنا الحالي”.
ويضيف “هناك قول مأثور: إن المعاناة والألم أكثر تأثيرا على المبدع، وهذا أحد أسباب تميّز فناني العراق المعاصرين، نظرا إلى لما مرّوا به ومرّ به بلدهم من مآس وأهوال نتيجة الحروب والصراعات الطائفية والسياسية.”
ويؤكّد طلعت “نحن بصدد تجربة شيقة وقوية وثرية على مستويات الفن والمضمون والجمال”.
ويعدّ محمود العبيدي أحد أهم التشكيليين العراقيين المعاصرين بخصوصية لوحاته التي ترسم الذكريات البعيدة وبقايا بغداد الخاصة ورائحتها وناسها مع معالجته للراهن العراقي والعربي عموما وفق رؤى جمالية حداثية.
وهو الذي قال عنه الفنان العراقي المخضرم ضياء العزاوي “ما يلفت الانتباه في عمل محمود العبيدي هو التغييرات في مجالات اهتمامه على مدى السنوات الأخيرة، كان يدرس ويغيّر منهجه، بينما يتناول موضوعات مختلفة ويستخدم مجموعة واسعة من التقنيات، فإنه يسعى للتمرّد على نفسه حتى يتمكّن من التكيّف مع مخاوفه وعدم اليقين العميق فيما يتعلق بفائدة تطوير أسلوبه واكتشاف الأشكال التي تميّز تفرّده. بما أن الهدف المقصود هو البحث والتشكيك في الأفكار، فإن الارتباط بين الأحداث اليومية والتاريخ الشخصي ذي الصلة يستلزم استكشاف تلك العلاقة غير المباشرة، فيحوّل هذا النهج كل حدث إلى رمز في الذاكرة الجماعية للمجتمع، وهو حدث يفترض قواعد مختلفة وفقا لكل حقبة”.
ويضيف “تشكّل الموضوعات المترابطة التي يقدّمها العبيدي موضوعا يبرز بشكل عاجل النقاش السياسي، ويتناول فكرة الالتزام بقضية، بعيدا عن التفسيرات والتصوّرات المختلفة، ممّا يجعله يتحمل عبء مثل هذا الموقف. هذا نوع من القراءة بين السطور، عن مكان الذكريات البعيدة وبقايا بغداد الخاصة به، ورائحتها، وحزنها ردا على التجاوزات التي يرتكبها ‘البلطجية’ والجهلاء الذين ما زالوا يتبنون مبادئ عفا عليها الزمن لعشائر المرتزقة المسلحين، والعراق ضحية انفجارات محاصر بين هوس الانتحاريين المتطرفين والفخر المرعب بالتخلي عن الوطن. يخبرني بين الحين والآخر أنني أريد العودة ومع ذلك، إلى أين؟ إلى فضاء يسمى الوطن إلى أرغفة الخبز الصباحية بالقرب من نهر دجلة”.
ويحرص العبيدي في لوحاته على ربط قيمة العمل الفني بعمق التعبير الملموس ومصداقية موقفه الفني، هذه الواقعية في الأدوات المستخدمة هي إحدى طرقه لتحليل موقفه. وبناءً على ذلك تمكن إقامة صلة بين المكونات الجمالية وسياسته، وبالتالي توثيق العلاقة مع المجتمع الذي ينتمي إليه.
ويضيف العزاوي “قد يتساءل البعض عن الصراحة في التعبير عن استيائه من الدمار المادي والاجتماعي الذي حل ببلده باسم الديمقراطية. لا يمكن نسيان وقاحة هؤلاء المنحرفين الذين يروّجون لمثل هذه الادعاءات. يُقسم العبيدي بصوت عال من خلال مؤلفاته النحتية والتصويرية التي لا تحتاج إلى الكثير من التأويل، ويحاول في نفس الوقت إدانة هؤلاء المشجعين للاحتلال بين المثقفين العراقيين والعرب. ومن خلال ما يرونه من أعمال إجرامية مختلفة، يجعلهم يشعرون بالخجل لأنهم اُستُغلوا بغطرسة من قبل قوى معادية لتطلعات مجتمعاتهم”.
ويؤكّد “كل عمل من أعمال العبيدي الفنية المختلفة له رسالته الخاصة ويخلق جوا بصريا معينا تحيي من خلاله جميع الأعمال الذاكرة الجماعية من حيث فهم ما حدث وعواقبه المدمرة، حضور لا يمكن إنكاره ومسار يقود المُشاهد إلى التأمل في قيم الفوضى التي خلفها المحتلون، لأن الخسارة هي تماما مثل الخيانة.. لا يتمّ تقسيمها إلى أجزاء”.
ومحمود العبيدي فنان عراقي – كندي ولد عام 1966، تخرّج في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1990، غادر العراق عام 1991 وحصل على دبلوم في الإعلام الجديد من جامعة ريرسون بتورنتو، وفي الإنتاج السينمائي من أكاديمية “إتش آي أف” السينمائية بلوس أنجلس. كما حصل على ماجستير في الفنون الجميلة من جامعة جويلف في كندا عام 1998.
ويعمل العبيدي بالعديد من الوسائط في أعماله الفنية التي عُرضت على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بما في ذلك متحف الفن الحديث ببغداد، ومتحف الموما “بي أس 1” بنيويورك، والمتحف البريطاني بلندن، وبينالي البندقية، والمتحف العربي للفن الحديث بالدوحة، ومعرض ساتشي بلندن، والمتحف الوطني للبحرين، ومتحف معهد العالم العربي بباريس، والمعرض الوطني للفنون الجميلة بعمّان، ومتحف المحطة للفن المعاصر بتكساس، ومتحف الفن المعاصر في باي – سانت بول بكيبيك، وبينالي القاهرة الدولي في مصر، وتعدّ أعماله جزءًا من المجموعة الدائمة لعدد من المتاحف والمؤسّسات والمجموعات الخاصة المهمة، وقد نظّم أكثر من أربعين عرضا في أماكن مختلفة حول العالم.