الأدب الليبي المعاصر نصوص تلاحق أسطورة الوطن

"شجرة الوطن بلاغة الصحراء" كتاب مصري يرصد تحولات الأدب الليبي.
الثلاثاء 2021/11/30
الأدب ابن بيئته (لوحة للفنان معتوق بوراوي)

للأدب الليبي المعاصر خصوصية تميزه عن غيره لا لغويا بل ثقافيا، حيث استفاد الأدباء الليبيون من التقاء الثقافات المتوسطية والعربية والصحراوية والأفريقية، فخطوا لهم أعمالا حاول أغلبها الاستفادة من بيئته، وإن غرق بعضها في المحلية فإن بعضها الآخر تمكن من لفت الانتباه إلى أدب مختلف لا ينفك عن التطور ونحت خصوصيته، خاصة عبر أساطيره الآتية من الصحراء.

القاهرة – تعالج فصول كتاب “شجرة الوطن.. بلاغة الصحراء.. قطوف من الأدب الليبي المعاصر” للناقد والكاتب المصري محمد عطية محمود، الواقع الأدبي المعاصر في ليبيا.

ويرصد الناقد التحولات التي تشهدها الحركة الأدبية الليبية، وهي التحولات التي تُبشر، بحسب ما ورد في الكتاب، بوجود المزيد من الإبداعات السردية والشعرية، التي تمنح المزيد من الإنتاجات المميزة التي تحقق خصوصية لذلك الواقع الأدبي الليبي الجديد المغاير المتطلع إلى الانفتاح أكثر على البعد العالمي، دون أن ينفصل عن حضارته وبيئته، والذي بات جاذبا لأنظار النقاد الذين راحوا يتناولونه بالدراسة والبحث.

الكتاب يحلل ثلاثة عشر عملا أدبيا رأى المؤلف أنها تشكل اتجاها جديدا ومغايرا في المشهد الأدبي الليبي

النص الأدبي وبيئته

يتناول الكتاب، الصادر عن مكتبة الكون في كل من القاهرة وطرابلس، برؤية نقدية ثلاثة عشر عملا من الأعمال السردية والشعرية الليبية، التي رأى فيها الكاتب أنها تشكل اتجاها جديدا ومغايرا في المشهد الأدبي الليبي.

ويشير محمود إلى ارتباط الثقافة الليبية بالثقافة العربية وثقافة الشمال الأفريقي وثقافة البحر المتوسط، وثقافة الصحراء الممتدة، وبما يهبها به موقعها المتميز كملتقى لكل تلك الثقافات التي تشربت بها وعانقت الكثير من سماتها التي تعطي للإبداع الليبي مذاقا ورونقا شديدي الخصوصية والتمايز، كمزيج تتضح سماته في مشهد إبداعي يتنوع ويتبارى في إبراز تلك السمات ويعمل على بلورتها.

ويلفت المؤلف في كتابه إلى أن “أدباء وشعراء ليبيا نجحوا، من خلال نصوصهم السردية والشعرية، في تقديم رؤى جديدة مشبعة بأصالة كل تلك الحضارات التي تصارعت على تلك الأرض الجوّادة بمبدعيها، فيبدو هذا المشهد كواحة تظللها أشجار خضراء وسط صحراء تبلغ بلاغتها في التعامل مع منطق الأشياء ليتشكل بها واقعا جديدا مغايرا”.

وبحسب مقدمة المؤلف، فإن الكتاب هو محاولة “لسبر الغور في متن تلك الإبداعات التي تشير إلى تجليات الرغبة الحميمة والنبيلة في تحويل الواقع إلى واقع بديل ومغاير من المرجح والمأمول أن تصل إليه حالة المبدع مع بيئته وواقعه، بعد هذه الحالة التأسيسية لعلاقة الذات بالبيئة والمكان”.

ووفق محمود، فإن تلك الفلسفة في التعامل، التي تلوح من بعض نماذج تلك النصوص والإبداعات الأدبية من قصة ورواية وشعر ونص مفتوح ومحاولات تأملية، لهي من صميم العملية الإبداعية التي تبتغي نوعا من أنواع الإدراك الحسي بكل تلك الأشياء المحيطة والمكونة لهذه الجماليات القادمة من معنى الارتباط بالأرض والوطن والشجرة التي تمثله والصحراء التي تحتويه.

الأديب يمتلك شارة انطلاق الخيال، فلديه كل عوالم السحر الموجودة في العالم لأنه يعيش حالة كونية مختلفة، وهذا ما يدفعه إلى التنويع في الثيمات الأدبية بين الرؤى الكونية والمشاهدات الحيّة شديدة الذاتية. وهذا ما يؤمن به العديد من الأدباء الليبيين، في تحقيق الالتقاء بين الكوني والذاتي، ولذا ينطلق أغلبهم من محليته محاولا فتحها إلى مجال عالمي أرحب عبر “أسطرتها”.

أسطورة الوطن

الثقافة الليبية مرتبطة بالثقافة العربية وشمال أفريقيا وبثقافة البحر المتوسط وثقافة الصحراء، ما أثر على الأدباء

يربط مؤلف الكتاب بين المبدع والنتاج الإبداعي الليبي، وتلك الصحراء لتنتج عبر بلاغتها الخاصة هذا المنتج الحسي المتمثل في عملية الكتابة والإبداع كمعبر من معبرات الفن عن عدم الانفصال عن الواقع مع محاولات الارتقاء به وتكوين صورة أكثر جمالية وإبداعا، وربما أكثر اقترانا بالأسطورة، أسطورة الوطن التي ربما مثلتها الشجرة بجدارة في رمزها الموحي.

وتشير فصول الكتاب إلى تلك البيئة المبدعة وهذه الشجرة الحاضنة وهذه الصحراء التي تحتويها لتكسب هذه الأقلام التي تحاول أن ترويها برؤاها وبلاغتها ومدادها، فيما يلاحظ المتابع لكل تجربة من هذه التجارب الأدبية في السرد أو الشعر قدرة تلك الأقلام على حيازة ملكة الحلم، لتعبر عن نبضها، من خلال أعمال إبداعية بلغت الرشد الفني والإبداعي لتكون شاهدا على “الشجرة”/ الرمز/، و”الصحراء”/ القيمة/ كمتلازمتين في الوعي القيمي والبصري والمادي والمحسوس لتلك البيئة الحاضنة.

ويبقى الأدب الليبي وخاصة في الرواية مؤثرا وله خصوصيته التي منحها له توحده مع المكان، ولكن اختلاف المناطق العربية يؤثر على درجة الانتشار، ما جعل الكثير من المثقفين يقرون بأن الكاتب الليبي مظلوم إذ يعاني من غياب الرعاية المؤسساتية أو الاهتمام الإعلامي، فضلا عن أن باب الترجمة ما زال محدودا، وهذا ما يتعين على دور النشر أن تهتم به لأن هناك أسماء مهمة تضاهي أسماء لمعت في العالم. ولا أدل على وصول الكاتب الليبي إبراهيم الكوني إلى العالمية والتنافس على أهم الجوائز العالمية مثل البوكر، لكن ذلك لم يشفعه تراكم حقيقي للترويج لهذا الأدب وتطويره وتسويقه.

واشتمل الكتاب على دراسة نقدية لأعمال الأدباء والشعراء محمد المسلاتي وأحمد يوسف عقيلة والصديق بودوارة وعمر أبوالقاسم الككلي وعوض الشاعري ومحمد المغبوب وآمال فرج العيادي وخليفة التليسي ومفتاح العماري وعبدالسلام العجيلي وجابر نور سلطان وخلود لفلاح وخالد درويش.

ويُذكر أن مؤلف كتاب “شجرة الوطن.. بلاغة الصحراء.. قطوف من الأدب الليبي المعاصر”، عضو باتحاد كتاب مصر، ونادي القصة المصري، وقد صدرت له 10 مؤلفات روائية وقصصية، بجانب خمسة مؤلفات في النقد الأدبي.

13