المغربي عبدالسلام أزدام ينشد الخلاص رسما ونحتا برؤى ميتافيزيقية

الرباط - يتواصل إلى غاية السادس عشر من ديسمبر القادم برواق مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بالرباط، معرض للفنان التشكيلي المغربي عبدالسلام أزدام الذي حمل عنوان “خلاص”.
ويعرض أزدام في معرضه الجديد أعمالا تحيل على “الخلاص” مع بداية الخروج من أزمة جائحة فايروس كورونا، الذي انتشر في العالم بأسره وعانى منه الجميع اقتصاديا وثقافيا وصحيا ونفسيا.
وتجسّد اللوحات المعروضة التداخل بين الفن التشكيلي والنحت، حيث إن أزدام يشتغل بشكل فني مزدوج، كنحات ورسام وكأنه ينحت داخل اللوحة ويرسم عبر المنحوتة، ممسكا بالإزميل والمطرقة عوض الريشة والألوان.
وتتّسم منحوتات/ لوحات أزدام بحركة موحية تتعلق بالرأس، لأنه اختار الجزء العلوي من الجسم، الرأس والكتفان والصدر لما في ذلك من دلالة. وما تبقى من البدن لا يهمه لأنه يختصر الإنسان. فهو يشتغل على الصدر الذكوري والأنثوي لما يختزله من أسرار وخبايا ما دام هذا الصدر مرتبطا لدى المؤمنين بالبعد الروحي والميتافيزيقي المشحون بالمجهول.
وتتحوّل اللوحة عند أزدام إلى ما يشبه الفضاء الذي يحتضن المنحوتة ويكسر أبعادها المألوفة، فتتكيّف خصوصا في الجوانب الأيقونية التي تتموضع بشكل جديد على القماشة، إذ يتّخذ الجزء الأعلى من الجسد الإنساني صورا متعددة تتميز بالميلان أو الانعكاف واختفاء الملامح.
وأبرز الفنان العصامي أزدام الذي يقيم معارض منذ سنة 1991، أن المواضيع التي يشتغل عليها “هي بمثابة تأويلات شخصية. فالعمل الفني يتحدّث عن نفسه لكن كتأويل شخصي”.
ويقول “أشتغل على شخوص إنسانية دون معالم لا من حيث الجنس ولا من حيث الجغرافيا ولا من حيث التاريخ، إلاّ نادرا، لأنني أتحدّث عن الكائن الإنساني بغض النظر عن هذا الانتماء”.
ويضيف “هي شخوص تكون مستقيمة أو منحنية الرأس، كحالات إنسانية يعيشها أي شخص سواء في قارتنا الأفريقية أو في بقية قارات العالم في مرحلتنا الحالية أو في التاريخ الإنساني. أشتغل على الإنسان بمفهومه الإنساني، لأني درست الفلسفة وأثّرت فيّ، وربما تفرض عليّ، بشكل أو بآخر، مواضيعها”.
ويعترف الفنان أنه ومنذ أن اشتغل كهاو للرسم في سبعينات القرن الماضي اختار الاشتغال على الجزء العلوي من الجسم، حيث العقل والقلب أو الأدوات المعرفية بالنسبة إلى الفلسفة وبالنسبة إلى الصوفية، وهو لا يشتغل على الجسم في كليته إلاّ نادرا بعيدا عن كل الإيحاءات الجنسية والشهوانية، لتغدو أجسامه وكأن فيها نفحة من أفلاطونية غير مثالية.
فالجسم عنده جسم كوني بالمعنى الفلسفي دون إحالات تاريخية، إقليمية أو جغرافية، باستثناء الإحالات التي يبرزها أحيانا في عناوينه لشخصيات خدمت الفكر والفن الإنسانيين بشكل عام.
ويوضّح “بما أنني لا أشتغل على تفاصيل الجسم أو الوجه، فالأمر راجع لكون اهتمامي منصبا بالأساس على الفكر أو بعبارة أدق الفكرة، لذا فوضعيات الرأس التي تأتي في غالبها مستقيمة أو متمايلة هي محاولة مني للقبض على أحوال نفسية أو قلبية أو عاطفية من تبصّر أو شرود ودهشة، تعقّل أو غضب، تأمل أو نكوص”.
ويسترسل “هي تشخيص لقضايا موسومة بالتجريد تضاف إليها أشكال هندسية إقليدية (نظام رياضياتي يُنسَب إلى إقليدس الإسكندري، التي وضع أسسها في كتابه عن الهندسة) جهة القلب أو صوبه، ترميزا لما اشتغل عليه الفلاسفة والحكماء في ملاحقتهم لسراب الحقيقة وخلقهم لكائنات رياضية تشكّل أهم الرموز التي بها نشأ العلم، وأجسامي هي نوعا ما احتفاء بهؤلاء الذين تميل رؤوسهم”.
والفنان في كل هذا يدعو متلقيه إلى أن يصيروا جزءا جوانيا داخل العمل لديه لا برانيا مستهلكا، وهو الذي يجعل من البحث المستمر غاية ووسيلة للعمل لديه، إذ لا يكفّ عن الاشتغال بتقنيات متجددة ومغايرة.
وفي معرضه “خلاص” يدعو الزائر إلى دخول عوالم التأويل والتفكير والتبصر ومدارجه عبر حضور الدائرة كدال استيتيقي ورمزي لما تحمله الدائرة من تأويلات متعدّدة في مختلف الاتجاهات الفكرية والميتافيزيقية، كما حضور المربع والمثلث كرموز هندسية تتّخذ أبعادا وجدانية في جل المدارس الفنية التي استعملها من بينها التجريدية الهندسية.
وتظل الإشارة التشكيلة كثيفة لدى أزدام، سواء في اشتغاله على اللوحة أو المنحوتة، أو في انزياحه على مستوى أعماله الجديدة، حيت تبدو اللوحة سَندا للمنحوتة، في تركيب فني حواري يلتفت إلى نفسه أكثر ممّا يلتفت لمُسلمات معهودة، ونقديات تجنيسية صارت متجاوزة في مشغله. وهنا تنشط تلك العلامات والرموز المتطايرة والمتلاشية التي تغطي أيقونية اللوحة/ المنحوتة في اندغامهما السعيد.
لوحاته/ منحوتاتة في النهاية ما هما وما هي مجتمعين سوى احتفاء معرفي بالجسد، كعلامة رمزية باذخة تشكل تمثلات أنثروبولوجيا وروحية. يستدعي فيها الفنان مَلمحهُ الثقافي والدلالي، ليحرّره من القوى الخفية والكامنة في النمطية والأحادية المترسّخة في الأذهان، ليأتي الجسد، الرأس تحديدا، هنا متحرّرا، متمرّدا ومنطلقا، لا يخضع لأي سلطة عدا سلطة ألوانه وفرشاته في اللوحة وإزميله ومطرقته في المنحوتة.
والفنان التشكيلي عبدالسلام أزدام من مواليد العام 1952 بتازة، وحاصل على الإجازة في علم الاجتماع. عمل كمدرس للفلسفة إلى غاية سنة 2005. وهو عضو في العديد من المنظمات غير الحكومية والجمعيات والنوادي التي تُعنى بالثقافة والفنون، وله العديد من المعارض الفردية والجماعية بالمغرب وخارجه.
وتعدّ أروقة العرض لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين فضاءات للقاء وتشجيع مختلف أنواع التعبير الفني، كما أنها تهدف إلى تكوين وإبراز المواهب من بين المنخرطين في مختلف مجالات الفنون التشكيلية والتطبيقية كالرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي والأعمال المخيالية.