"غربة ساق" للجزائري صالح عزوز.. حكايات القهر في مجتمع يرفض تاء التأنيث

ثورة في عالم النساء تقودها فتاة تصارع عرجها وأهلها والآخرين.
الجمعة 2021/11/26
نساء القرى وحيدات في غابات الذكور (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

قد يتفاجأ أغلبنا من الواقع المأساوي للكثير من النساء العربيات منذ طفولتهن إلى بلوغهن وما يعانينه من قهر وشر متجسد في الرجال من جهة، وفي النساء الأخريات اللواتي يتحولن إلى خادمات للنظام الذكوري وأدوات لتسلطه. هذا الواقع يصوره الكاتب الجزائري صالح عزوز من خلال حكاية فتاة في قرية منعزلة يحاول الجميع التخلص منها بمن فيهم والدها.

الجزائر- تأتي رواية “غربة ساق”، في المرتبة الثانية من حيث الإصدار، بعد “وطن بيع بقارورة نبيذ”، رواية من 190 صفحة عن دار خيال للنشر،  يحاكي من خلالها الكاتب والإعلامي صالح عزوز، بتدرج، رحلة فتاة عرجاء، ولدت وتربت في عالم ذكوري يؤمن بقوامة الرجل، ولا يعترف بالأنثى، التي ولدت من ضلع أعوج، كما هو معروف عند عامة الناس، وما توارثته الأجيال أبا عن جد.

 الفتاة بالنسبة إلى هؤلاء، مجرّد خادمة لا أكثر ولا أقل، تنام في بعض الأحيان، على ضرب السوط والكلام البذيء، الذي يقتل كل شيء جميل بداخلها مع مرور الوقت، ويظهر هذا من خلال الكثير من التفاصيل التي يرحل معها القارئ، عبر هذه الرواية، التي أعتبرها بمثابة شهادة على واقع مر، لا يظهر للعيان، لكنه موجود في الكثير من القرى والمداشر التي تنام تحت الظل أو بالتدقيق في الظلام، ومناطق زحفت إليها العزلة حتى خنقت الحياة فيها، رغم ما يدعيه البعض من الاهتمام بالجنس اللطيف في هذه الأمكنة البعيدة، التي تحاصرها الجبال من كل مكان، وتتوسد البرد ووحشة الحياة، وقساوتها حتى ظهر هذا في بعض طبائع أهلها.

قهر لا يصدق

واقع مأساوي لكثير من النساء

سوف يعيش القارئ، ما قد يلحق بالأنثى من أول يوم تصرخ فيه الصرخة الأولى في هذا العالم كنداء على وصولها، لكنها لا تعرف ما ينتظرها، بدءا من لقب أنثى، الذي يراه الكثير من الآباء، نذير شؤم، لذا سوف يحاربونه بكل الطرق، ويسعون لسد منافذ الحياة أمامها، ولو كان الوأد مباحا في حياتنا اليوم كما كان في السابق، لفعلوا ذلك دون رحمة ولا شفقة.

سوف يجد القارئ نفسه، أمام أنثى تصارع الطبيعة من جهة، في الخروج إلى الرعي والسقي وجمع الحطب، وبين عداوة أهلها دون سبب من جهة أخرى، لتزيد على الأعباء التي تحملها فوق ظهرها الناعم، فتحمل نظرات الاحتقار، كأنها كائن غريب، سوف يعيش ويرى كيف ينتصر الأهل للذكر على حسابها مهما كان سلوكه، وتبقى أخته إلى جنبه فتاة مهزومة حتى ولو أتت لهم كل جميل بين ذراعيها.

 يقول الكاتب “كنت مجبرا على الوقوف إلى جنب المرأة في الرواية، لكي أنقل كل التفاصيل دون استثناء، لكي أكشف للقارئ، بعضا من الحياة الوعرة التي قد تلاقيها المرأة ويمنع منها حتى آهات الألم لكي تفيض ما بداخلها أو تشفي غليلها من المعاناة”.

ويضيف “أعتقد أن القارئ الرجل سوف يكتشف رجلا حقودا هو الأب، لا يكنّ لفلذة كبده أي نوع الشفقة، يرميها بين شباب القرية من المراهقين الذين يتعرضون لها كل يوم في الغابة، وربما ينتظر ألاّ ترجع إليه في المساء، لكي ينتهي من أمرها، وهذا العار الذي لحقه”.

ويبين أنه استعرض من خلال تفاصيل هذه الرواية، كمية الحقد والكراهية والاستغلال، غير أنه لم ينف خلق التعاون والتكافل في هذه القرية بين أهلها، لكي يشهد شهادة حق في هذا المجتمع، لكن حينما يتعلق الأمر بالأنثى يصبح الأمر مختلفا.

ثورة امرأة

أنثى تصارع الطبيعة في الخروج إلى الرعي والسقي وجمع الحطب وتجابه عداوة أهلها والمتربصين بها من الذكور

يقول عزوز “أردت من خلال استعراض أحدث هذه الرواية، التي تتمدد تفاصيلها في العديد من جوانب مجتمعنا، أن أروي يوميات ربيعة، بدءا من وفاة والدتها التي عانت مع والدها كل أنواع الإهمال والتقصير والكره، حتى رحلت إلى مثواها الأخير، فتحلّ هي محلّها، وتعيش كل ما عاشته والدتها قبلها لكن بقسوة أكثر، إلى أن تصبح مراهقة بدأت ملامح أنوثتها تزين جسها الصغير، فتحول بذلك إليها كل النظرات، سواء الرجالية طمعا في قدها الصغير، أو النظرات النسائية غيرة منها، لتدفعها في الأخير إلى الهروب نحو المجهول كأنها اختارت قدرها المجهول، على أن تبقى الأعين تترصدها، والألسنة تلوكها مثل قطعة اللبان والطعن في شرفها وهي لا تدري، وينقدها من هو غريب عن أهلها وهو ما لم يكن في الحسبان”.

 ومن هنا تبدأ حياتها من جديد، لكن بطموحات أكبر وأحداث جديدة حينما تتعرف على حَدّة التي استطاعت أن تضع ساقها رغم عرجها، على الطريق الصحيح، وأن تخرجها من ظلمة القرية ووحشة أهلها إلى عالم، مضيء تتنفس من خلاله حريتها في الحب والعمل والريادة.

الرواية يعتبرها مؤلفها “ثورة في عالم النساء، رسمتها في ملامح أنثى تصارع بعرجها كل أنواع الاحتقار، سواء داخل أسرتها أو وبين الغرباء، وحتى بين بنات جنسها، لكنها في الأخير، تستطيع أن تلبس ذلك الكعب العالي الذي ما كانت تحلم بها أبدا، فهي حقا يليق الكعب العالي بساقها العرجاء، في مجتمع يتنكر للمرأة كاملة الجسد، فكيف يرضى بها وهي عرجاء؟”.

13