القضاء التونسي يسترجع عافيته بعد عشر سنوات من الحسابات السياسية

السجن خمس عشرة سنة ضد أربعة متهمين في قضية قتل السياسي لطفي نقض.
الخميس 2021/11/18
دعوات للكشف عن حقائق بقية الملفات

مثل إصدار أحكام قضائية بالسجن ضد أربعة متهمين في قضية قتل السياسي التونسي لطفي نقض بعد سنوات من الانتظار مؤشرا على تعافي المنظومة القضائية بالبلاد بعد أن عملت أحزاب السلطة على تطويعها لسنوات طويلة واستغلالها كغطاء سياسي لخدمة مصالحها وأجنداتها داخليا وخارجيا.

تونس - قضت محكمة تونسية بإدانة جميع المتهمين في قضية قتل لطفي نقض رئيس الاتحاد المحلي للمزارعين بتطاوين جنوب البلاد والقيادي بحزب حركة نداء تونس، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشرا على تعافي القضاء التونسي وتخلّصه من القبضة السياسية للمنظومة السابقة بقيادة حركة النهضة.

وفتح القضاء التونسي ملفات الاغتيالات السياسية التي طالت عددا من القيادات المعارضة مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض.

وقضت محكمة الاستئناف بولاية سوسة الساحلية بإدانة جميع المتهمين في قضية قتل رئيس الاتحاد المحلي للمزارعين بتطاوين (جنوب) والقيادي بحزب حركة نداء تونس لطفي نقض.

وأدانت المحكمة متهمين اثنين بتهمة القتل العمد وسجن كل واحد منهما مدة خمسة عشر عاما.

بسام الطريفي: هناك تلاعب بالملفات في قضايا الاغتيالات وملفات الفساد

وتعرّض لطفي نقض في شهر أكتوبر سنة 2012 لعملية وصفت حينها بالسحل حتى الموت، وذلك أثناء قيام مجموعة من المحسوبين على رابطات حماية الثورة باقتحام مقر الاتحاد التونسي للمزارعين بمدينة تطاوين (جنوب البلاد) تحت شعار “تطهير المؤسسات من أزلام النظام السابق”، وذلك خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة.

وأكد تقرير الطب الشرعي أن لطفي نقض تعرض خلال تلك العملية إلى سبع وخمسين ضربة، منها ضربات قاتلة، وأن وفاته كانت نتيجة ذلك الاعتداء وليست بسبب نوبة قلبية.

واستنكرت شخصيات سياسية وحقوقية طول فترة التقاضي في هذه القضية، مؤكّدة وجود تلاعب قضائي وسياسي بملفات الاغتيالات خدمة لمآرب أطراف في السلطة.

وقال بسام الطريفي نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان “ألوم القضاء بكل درجاته بعد أن أخذت هذه القضية كل هذا الوقت في أطوار التقاضي، ومن غير المعقول أن يكون هناك تستّر على القضاء”.

وأضاف لـ”العرب” أن “المنظومة القضائية مهترئة ومتآكلة، ويمكن أن يكون هناك تستّر سياسي لأكثر من عشر سنوات، كذلك في قضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي”.

وتابع الطريفي “هناك تلاعب بالملفات في قضايا الاغتيالات وملفات الفساد، وهناك أيضا طرف سياسي وضع يده على القضاء”.

وأشار مراقبون إلى وجود أحزاب سياسية استعملت القضاء كورقة ضغط سياسي ضد خصومها لتحصين مواقعها في السلطة ولحماية مصالحها الضيقة.

أحمد صواب: الثابت أن هناك ملفات قضاة ظلت تحت الضغط

وأكد أحمد صواب القاضي السابق بالمحكمة الإدارية في تونس لـ”العرب” أن “الثابت أن هناك ملفات قضاة ظلت تحت الضغط، وهم يعرفون اتجاه الرياح ويحكمون وفقها”.

واعتبر متابعون للشأن التونسي أن إصدار هذه الأحكام بمثابة صفعة لكل الأطراف التي تلاعبت بالملفات السياسية، فضلا عن كونها مؤشرا على بداية تعافي المنظومة القضائية بالبلاد.

وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “هذه الأحكام صفعة للطب الشرعي الذي سُخّر خدمة لحسابات سياسية”، قائلا “هذا دليل على تعافي القضاء ولكن المنظومة ككل ما زالت تحتاج إلى مشوار طويل لاستكمال تعافيها، وعليها أن تطهّر نفسها بنفسها”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك مؤشرا على أن نية القضاء تتجه نحو فتح ملفات التسفير نحو بؤر التوتر والاغتيالات”.

و كان قرار وزارة العدل التونسية بإعفاء اثنين وثمانين قاضيا في شهر مايو من سنة 2012 بسبب تورطهم في قضايا رشوة وفساد، قد أثار ردود فعل متباينة في الشارع التونسي، واعتبره البعض مفاجئا وتجاوز إجراءات ضرورية.

وقالت رئيسة نقابة القضاة التونسيين آنذاك روضة العبيدى إن “قرار المحكمة الإدارية كان متوقعا باعتبار أن قرار إعفاء القضاة الذي تم اتخاذه في عهد وزير العدل النهضوي نورالدين البحيري غير قانوني”.

وأضافت في تصريح إعلامي أن “المحكمة الإدارية طبّقت القانون بإلغاء قرار خاطئ تم فيه التعسف وظلم عدد من القضاة”، مشيرة إلى أن “هذا دليل على أنه ليس من صلاحيات وزير العدل التدخل في القضاء أو اتخاذ قرارات الإعفاء الخاصة بالقضاة”.

نبيل الرابحي: يبدو أن القضاء تخلّص من قبضة حركة النهضة

وتساءل عدد من المراقبين عن أهمية مراجعة قرارات حكومتي الترويكا السابقتين لما تعرضتا له من انتقادات خاصة في ما يهم القضاء والتعيينات.

وتصدت أطراف المنظومة السياسية السابقة لمساع عديدة للتعامل مع ملف تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب على غرار سوريا وليبيا، وتسببت ممارساتهم في عرقلة عمل لجنة تحقيق برلمانية مخصصة لكشف تلك الشبكات، وتم إجبار رئيستها على الانسحاب من موقعها بعد أن كشفت خيوط هذه الشبكات.

ويعدّ ملف تسفير الشباب التونسي إلى بؤر الإرهاب من أكثر الملفات الشائكة التي تنتظر البت فيها للكشف عمن يقف وراءها.

وطالب أمين عام حزب المسار فوزي الشرفي الأربعاء الرئيس التونسي قيس سعيد بفتح كل ملفات الفساد وفتح ملفات الاغتيالات السياسية، مثمنا “الحكم في قضية لطفي نقص نهائيا”، معتبرا ذلك خطوة إيجابية نحو تعافي القضاء.

وأكد الشرفي أن منطق الفرار من العقاب يجب القضاء عليه نهائيا، مشددا على ضرورة البتّ في ملف اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي.

وشدد على ضرورة فتح ملف الجهاز السري وكشف الحقائق، لافتا إلى أنه “دون منظومة قضائية مستقلة ونزيهة وشفافة لن توجد حياة ديمقراطية في تونس”.

4