أيمن زيدان مؤلفا ومخرجا وممثلا في "أيام الرصاص"

محقّق سوري مُتقاعد يعترف بجريمة قتل لم يرتكبها درءا لفضيحة شرف.
الخميس 2021/11/18
في زمن الحرب تتلاشى القيم السامية

في ثالث أفلامه السينمائية الروائية الطويلة يقدّم المخرج أيمن زيدان المجتمع السوري بالآثار التي تركتها الحرب عليه من خلال حكاية عن شخوص عاشوا تقلبات الحياة بقسوتها وجبروتها وآلامها. فيلم “أيام الرصاص” تشكيل درامي عمّا حدث ويحدث في سوريا اليوم.

دمشق – قدّم أيمن زيدان، المخرج، فيلمين روائيين سابقين هما “أمينة” و”غيوم داكنة” حكى فيهما عن المجتمع السوري في فترة الحرب وما بعدها. ولم يقدّم الحرب فيهما بشكل مباشر بل جعلها خلفية لسرد روائي يحكي عن مجتمع تأثّر بقسوتها.

وحقّق فيلم “أمينة” حضورا طيبا في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط، وجائزة أحسن إخراج في مهرجان مكناس السينمائي للفيلم العربي، فيما حقّق فيلم “غيوم داكنة” جائزة القدس للإنجاز الفني في مهرجان الإسكندرية، كما اعتلى منصات التتويج في أماكن أخرى.

زيف المكانة الاجتماعية

أيمن زيدان: الفيلم يستعرض آثار الحرب على السوريين والندوب التي ألحقتها بهم
أيمن زيدان: الفيلم يستعرض آثار الحرب على السوريين والندوب التي ألحقتها بهم

يخطو أيمن زيدان في فيلمه الأحدث “أيام الرصاص” نحو المزيد من البحث في تفاصيل المجتمع السوري ومنعكسات الحرب عليه، وذلك من خلال حكاية يقدّم فيها تقاطعات اجتماعية مختلفة، المحور فيها شخصية رجل قاسي الملامح والحضور، يختطّ لنفسه عالما خاصا ويتماهى مع مهنته في اتحاد ذهني لا يستطيع الفكاك منه حتى بعد أن صار متقاعدا.

أبوجمال بطل الفيلم محقّق سابق يمارس عمله وفق الذهنية التي تعتمد مبدأ القسوة والجبروت، ويقضّي عمره في متابعة عمله المعتاد حتى يأتي يوم التقاعد الذي يتزامن مع وجود الأحداث السورية، الأمر الذي يدفع به إلى طلب تمديد خدمته في مكانه بحكم الخبرات التي يمتلكها والمسيرة الطويلة التي قضاها في عمله. لكن الأمر لا يسير على هذا النحو، فيحال على التقاعد ويصير في بيته وحيدا بين أفراد عائلته المكوّنة من مجموعة نسوة وحفيد صغير، يفرض عليهم إيقاع حياته اليومي القاسي.

يرحل ابنه، فيصير حفيده محور حياته، فيُهمين عليه حتى تجاه أمه ويعيش حياة رتيبة وباردة. ابنته الأقرب إلى قلبه تهرب في يوم زفافها وتترك له في مجتمعه الضيّق والمحافظ فضيحة مدوية، ويصرّ على الانتقام منها غسلا لعار ألحقته به كما يرى هو ومجتمعه، لكن العواقب تكون كارثية عليه.

تتداخل الأحداث والخطوط الدرامية بين الخط الأساسي الذي تمثله شخصية أبوجمال وعلاقته مع أسرته وابنته الصغرى مع خطوط درامية موازية تتعلّق ببعض الشخوص الذين يتفاعلون مع هذه الأحداث، فيظهر المحامي المحتال والابن العاق والبنت العاشقة والصهر الانتهازي الذي تفرزه المرحلة ويقوم بسرقة متاع الناس وبيعها في ما يصطلح السوريون على تسميته بـ”التعفيش”.

ذهنية المحقّق القاسية تجعله يقوم بأفعال لا يمكن أن تكون مقبولة في المنطق السليم، لكن تشوّهات ذهنية أصابت صميم هذه العقلية تجعلها على تخوم مناطق مصيرية خطرة تفرضها تصرفات لا منطقية يقوم بها توصله إلى مجازفات غريبة، ومع ذلك يُقدم عليها مغامرا بكل ما قد تحمله من نتائج.

الفيلم يغوص عميقا في تفاصيل المجتمع السوري ومنعكسات الحرب عليه عبر حكاية يتقاطع فيها الخاص والعام

يقول أيمن زيدان عن فيلمه الذي كتبه مع أحمد عدرة “أيام الرصاص فيلم روائي طويل يتناول حكاية رجل أراد أن يستعيد مكانته الاجتماعية بعد أن أحيل إلى التقاعد، وواجه عبر ممارساته السابقة مع عائلته تحديات كثيرة، أبرزها أنه في ليلة زواج ابنته الصغرى وأقربهنّ إلى قلبه تحدث الكارثة في مجتمعه الضيّق حين تهرب ابنته يوم زفافها القسري، وتتسبّب له بفضيحة تهزّ كيانه، فيقرّر الانتقام.. وحين يعرف المكان الذي اختبأت فيه يتوجّه لقتلها. ولكن المفاجأة أنه يصل ليجدها مقتولة مع الرجل الذي هربت إليه، ورغم ذلك ورغبة منه في استعادة مكانته التي سبق أن خسرها يسلّم نفسه ويعترف بجريمة لم يفعلها ليدفع ثمن كل ما أرتكبه من قسوة وجبروت”.

يحمل الفيلم في بنيته السردية شكلا أقرب إلى الحالة البوليسية التي تعتمد مبدأ التشويق والإثارة، ففي الأحداث أشخاص قتلوا، ولكن الفيلم لا يبيّن حقيقة الجناة حتى اللحظات الأخيرة منه في شدّ درامي سيجعل المتلقي في حالة من الفضول لمتابعته حتى اللحظات الأخيرة. فالقتل حدث، لكن الكشف عنه يتأخّر إلى ما قبل النهاية بقليل.

والفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بسوريا عن نص كتبه أيمن زيدان وأحمد عدرة، وقام بالتمثيل فيه كل من أيمن زيدان وسعد مينة وحازم زيدان وغابرييل مالكي وسالي أحمد ولمى بدور وحسام سلامة ودلع نادر وغريس أحمر ويامن سليمان وتاتيانا أبوعسلي وقصي قدسية وهاشم غزال وسليمان شريبة وكمال قرحالي ونبيل مريش وخوشناف ظاظا وطارق بيطار والطفل إلكساندر سلوم. وشارك فيه كضيوف شرف كلّ من عبدالفتاح المزين وعلاء قاسم وجود سعيد.

أمام الكاميرا وخلفها

القسوة والعزلة أكبر جراحات الحرب
القسوة والعزلة أكبر جراحات الحرب

ظهرت في الفيلم شخصيات خاصة، منها الشخصية المحورية أبوجمال التي أدّاها أيمن زيدان ذاته، في نادرة جريئة منه، حيث يقف في الفيلم على منصة الكتابة والإخراج والتمثيل. وهي تجربة تطلبت منه وبلا شك جهدا مضاعفا وأعباء أكبر، ذلك أن القيام بها مجتمعة يفرض حالة من الوجود أمام الكاميرا وخلفها معا وهذا ما هو غير اعتيادي.

ويعود الفيلم بالممثل عبدالفتاح المزين إلى السينما بعد غياب طويل من خلال شخصية أحمد الغني الذي يعيش على أطراف القرية ويكون سببا في تحديد مصير عدد من أشخاصها، وهو الذي كان قدّم في تاريخه المهني ظهورات سينمائية هامة، لعلّ أبرزها بطولته في فيلم “حادثة النصف متر” مع مؤسسة السينما ومن إخراج سمير ذكرى.

كذلك تحضر شخصية وسيم، وقام بالدور الفنان علاء قاسم، وهي حالة اجتماعية طارئة في المجتمع السوري أفرزتها سنوات الحرب بشكل واضح، والتي أوصلت بعض المنتفعين من الذين استغلوا حالة التهجير السكاني فقاموا بسرقة أموال الناس وحاجياتهم وقاموا ببيعها في الأسواق، ومثّلوا شريحة اجتماعية لا مصلحة لها في انتهاء الحرب، حيث حقّقوا من خلالها ثروات مالية ضخمة.

ويقول قاسم عنها “الشخصية تشكّل تناقضا عنيفا مع شخصية أبوجمال، وهي شكل من أشكال النماذج الجديدة التي أفرزتها الحرب من محدثي النعمة الانتهازيين، وأنا سعيد بالمشاركة في فيلم من تأليف وإخراج وبطولة أيمن زيدان الصديق الكبير، ومن الممتع جدا أن أكون جزءا من هذه التجربة وأن أقول حوارا كتبه أيمن زيدان في مشاهد من إخراجه، وأن يكون هذا الحوار مع الشخصية التي يلعبها بنفسه، تجربة فيها الكثير من المتعة والشغف والحب، ممّا سينعكس على شاشة السينما بطريقة جذّابة”.

ويظهر سعد مينة في الفيلم من خلال شخصية المحقّق الذي يخلف أبوجمال في عمله، بحضور سينمائي جديد له، حيث قدّم سابقا مشاركات سينمائية عديدة منها فيلم “آه يا بحر” الذي أخرجه محمد شاهين، كذلك تظهر الممثلة الشابة دلع نادر في أول أدوارها السينمائية بعد فترة بسيطة من تخرّجها من المعهد العالي للفنون المسرحية وتقديمها أول أعمالها المسرحية الاحترافية من خلال مسرحية حقّقت صدى كبيرا حملت عنوان “كاستينغ” تأليف وإخراج سامر محمد إسماعيل.

كذلك يظهر في الفيلم المخرج جود سعيد ممثلا في دور المحامي الذي يشكّل في علاقته مع إحدى الشخصيات نمطا اجتماعيا يحاول من خلال مهنته الوصول إلى أهداف ومطامع مالية شخصية ولو على حساب القانون.

ويقدّم حازم زيدان في الفيلم شخصية تمثل قيم الانتهازية والرغبة في التسلق على حقوق الآخرين، فتتقاطع مصالحها مع مصلحة محام غير مهني ويشكّلان معا حالة طفيلية على محيطهما والناس. كما يقدّم زيدان الابن في الفيلم جهدا خارج منصة التمثيل من خلال وجوده فيه كمتعاون فني مع والده المخرج أيمن زيدان.

ويقول زيدان الابن عن الفيلم “هو خطوة جديدة في مشوار سينمائي مشغول بعناية مع فريق مهني متميز، بدءا من الفنيين الصغار وصولا إلى الشريك ناصر ركا مدير التصوير الذي يضيف دائما لأي عمل عبر لمساته المبدعة. والعمل مع فريق يضم ركا وزيدان بخبرته الكبيرة وقدرته على تحريك وتوجيه الفريق على الشكل الذي يحقّق أفضل النتائج هو مكسب حقيقي وتجربة أعتزّ بها”.

ويضيف “هذا العمل مُصاغ بطريقة تحمل تجديدا، فالخط الرئيسي فيه وهو شخصية أبوجمال تتقاطع معه العديد من الخطوط الدرامية التي تحقّق في صورتها الأخيرة مقولة العمل الكاملة. وأبوجمال شخصية اعتادت على نمط محدّد من الحياة وهي لا تريد تركه، آمل أن يحقّق الفيلم ما نتمناه وأن يتلقاه الجمهور بحب”.

14