دراما المرأة المصرية تفقد بريقها بسبب التكرار

مسلسلات النساء ترسّخ ملائكية المرأة وتُلبس الرجل كل أشكال الشرور.
الأربعاء 2021/11/17
الرجل رجعي ومتغطرس دائما

نجاح السلاسل الدرامية النسائية بدأ يفتح شهية المنتجين نحو المزيد من التركيز على قضايا المرأة المسكوت عنها، وتثير مخاوف في الوقت ذاته من الوقوع في فخّ تكرار الأفكار ووضع الرجل في قالب تقليدي، وهي معادلة قد تعبّر عن استسهال وهروب من مواجهة المشكلات بصورة غير نمطية.

القاهرة - تشهد الدراما المصرية اهتماما لافتا بالقضايا النسوية عبر سلاسل درامية مختلفة يركّز مضمونها على مشكلات المرأة العائلية وعلاقاتها الشائكة بالرجال، والموقف المجتمعي المتحفظ تجاه حقها في ممارسة حياتها بشكل طبيعي حال مخالفتها الأعراف الذكورية السائدة، والمثير أن غالبية مؤلفي هذه الأعمال ومخرجيها من الرجال الذين حرصوا على بلورة أفكار عديدة تتطرّق لتجاوزات الرجل.

عرضت، ولا تزال، فضائيات مصرية مجموعة من القصص التي تنتمي لسلاسل درامية، مثل “إلاّ أنا” و”زي القمر” و”وراء كل باب” و”ليه لأ”، التي حقّقت معدلات مشاهدة مرتفعة تتّسق مع كون جمهور الدراما نسائيا بالمقام الأول، وأثارت صدى مجتمعيا واسعا بالانغماس في مشكلات المرأة اليومي التي تصادفها مع الأبناء والأسرة والمجتمع ككل.

ماجدة موريس: المحك ليس حضور النساء في الدراما، بل قصة العمل

صورة مغايرة

تتكامل تلك السلاسل التي تركّز على قصة واحدة تتمّ معالجتها بطريقة فنية مكثفة مع زيادة مساحة المرأة في الدراما بوجه عام على مستوى البطولة باقتناص ما يزيد على خمسين في المئة من البطولة، بجانب الخوض في قضايا نسوية مسكوت عنها ومثيرة للجدل، مثل الاغتصاب الزوجي والطلاق الشفهي والزواج غير المتكافئ، وحقّ المرأة العزباء في احتضان الأطفال، وغيرها من القضايا المطروحة في المجتمع.

وكشفت دراسات للمجلس القومي للمرأة في مصر أن هذه النوعية من الدراما التي تتطرّق إلى قضايا نسوية لم تعكس التطوّر في الإنجازات والنجاحات التي حقّقتها المرأة في جميع المجالات ولم تبرز دورها الوطني أو السياسي، والتركيز جرى على دورها التقليدي وأحيانا السلبي، وهو ما يعني أن المعالجة هدفها رصد النماذج فقط.

وتحاول الدراما النسائية التحرّر من صورة المرأة المستضعفة التي ظلت راسخة دراميا منذ أول عمل تلفزيوني مصري عام 1960 بشخصية تفيدة التي جسّدتها الفنانة زيزي مصطفى في مسلسل “الضحية” كفتاة صغيرة فقيرة يتمّ تزويجها قسرا من رجل مسن ومتزوّج من ثلاث أخريات، فتعاني قهرا عائليا جماعيا.

وتحمل المرأة صورة مغايرة في المسلسلات المصرية الأخيرة فتأتي قوية قادرة على محاربة المجتمع، فتتزوّج ممّن يصغرها بعشر سنوات كقصة “وأنا قبلت”، ومواجهة التحرش من زملاء العمل والتكفل بالأب المريض في “بيت عز”، والدفاع عن حقّها في احتضان طفل يملأ عليها حياتها رغم مُمانعة الشقيق الأكبر في قصة “ليه لأ- 2”.

وتمثّل فكرة الصمود والنجاح الخط العريض الذي تسير عليه غالبية السلاسل الدرامية النسائية التي تنتهي كلها بنهايات سعيدة وتعويضا عن مرارة الأيام للمريضة التي تشفى وتتزوّج، والأم التي تحصل على حريتها وتجني الثراء من مشروعها الخاص، والزوجة التي تعيد بحنكتها الأمور العائلية لنصابها فتحلّ مشكلات الأبناء وتعود بهم إلى الطريق السليم.

ويصعب عزل تلك الظاهرة الفنية عن الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية والتوجّه الحكومي نحو تمكين النساء في مصر من خلال برامج خاصة من الدعم النقدي المباشر أو ورش تدريبية على المشروعات متناهية الصغر تنطلق بهنّ نحو ريادة الأعمال، والدفع بزيادة حصصهنّ في المناصب القضائية والإدارية.

مسلسل "ذات" لم يكن عن النساء، لكنه سرد تاريخ مصر الحديث في صورة امرأة تواجه تغيرات الزمن

وتشبه الموجة الحالية فترة التسعينات من القرن الماضي التي شهدت تقديم سلسلة أعمال درامية شديدة الإيجابية عن المرأة عكست خروجها إلى العمل لمساعدة الزوج في تحمل أعباء الحياة أو ضبط إيقاع المجتمع كله وليس أسرتها فقط، مثل “ضمير أبلة حكمت” بطولة فاتن حمامة، و”يوميات ونيس” بطولة محمد صبحي.

وقالت الناقدة الفنية ماجدة موريس إن الدراما تسير في طريقها الصحيح بالتركيز على معالجة قضايا النساء والتعبير عنهنّ كقوة تشكّل نصف المجتمع مع ارتفاع نسبة المرأة المعيلة إلى ثلث المجتمع المصري، وما تعانيه من مشكلات مالية، في سبيل تحقيق الأمن الاقتصادي لأسرتها.

وأضافت لـ”العرب” أن السلاسل الجديدة المعتمدة على السباعيات تمكّنت من معالجة أكبر عدد ممكن من قضايا المجتمع من خلال المرأة، فالمحك ليس تواجد النساء في الأعمال الدرامية، لكن طبيعة دورهنّ وقصة العمل كله، فمسلسل مثل “ذات” بطولة نيللي كريم لم يكن عن النساء، لكنه سرد تاريخ مصر الحديث في صورة امرأة تواجه تغيّرات الزمن.

ويخشى بعض النقاد من فقدان الدراما النسائية للزخم الفني مع تكرار الأفكار مع اختلافات طفيفة في الأحداث، فقصة “على الهامش” بطولة هاجر أحمد وهنادي مهنا، تقترب مع “حكايتي مع الزمن” بطولة ميرفت أمين، وكلاهما من سلسلة “إلاّ أنا” في الفكرة المحورية التي تركّز على الواقع الصعب حينما تنفصل المرأة عن زوجها وصنوف التضييق التي تواجهها في العثور على مصدر دخل يُعينها على الحياة.

ويتكرّر الأمر في حكايتي “حتة من القمر” بطولة لقاء الخميسي من سلسلة “زي القمر” مع “لازم أعيش” بطولة جميلة عوض من سلسة “إلاّ أنا” في فتاتين إحداهما مصابة بتشوّه في الوجه وتعمل في التسويق العقاري وتحتكّ بالجمهور، وأخرى بمرض البهاق وتحتلّ وظيفة مرموقة في بنك نهارا وفي محطة إذاعية ليلا، تواجهان تنمر المجتمع وقسوته، وتنتصران عليه في النهاية بالعثور على الحب.

فكرة الصمود والنجاح تمثل الخط العريض الذي تسير عليه المسلسلات النسائية التي تنتهي كلها بنهايات سعيدة

وتحاول الدراما الجديدة إنصاف المرأة، لكنها تجور على الرجل في الوقت ذاته فتقدّمه سلبيا في غالبية الأعمال، كخائن يتلذّذ بنزواته العاطفية، أو متبلّد يضن بمشاعره عن زوجته، أو عاجز يترك أسرته تصادف مشكلات الحياة، وهمومها دون تحرّك، ما جعل الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي يسخر بمجرد ظهور رجل إيجابي كما لو كان خبرا عاجلا.

وفي مسلسل “بنات موسى” يظهر الرجال جشعين كل همهم هو الاستحواذ على الميراث، وفي “سنين وعدت” يرفض الزوج استقالة زوجته حتى تواصل دفع الأقساط، و”في أمل حياتي” يعيش أشقاء أمل الذكور عالة على شقائها في العمل اليدوي ويعتبون تجوّلها لبيعه على المقاهي، وفي “أمر شخصي” يسرق البطل ذهب خطيبته ويبيعه للحصول على المخدرات، وفي “لازم أعيش” يترك البطل خطيبته بمجرد معرفة مرضها.

تأليف رجالي

انتصار مبالغ فيه أحيانا لحقوق المرأة
انتصار مبالغ فيه أحيانا لحقوق المرأة

يتحدّث مؤلفو الدراما النسائية عن اقتباس أعمالهم من قصص حقيقية وقعت بالفعل، وأبطالها على قيد الحياة، لكن الإشكالية في الأدوار والأحداث الثانوية التي تتمّ إضافتها للحبكة التي رسّخت لملائكية المرأة وإكساب الشر ملابس الرجل، كما أن مشكلات النساء ليست في الحب وعلاقتهن مع الرجل فقط.

وأنصار الدراما النسوية متهمون بالتحيّز للنساء، رغم وقوف الرجال وراء إنتاجها، فسلسلة “إلاّ أنا” من تأليف يسري الفخراني الذي كتب ستين حلقة تدور حول الصمت الزوجي وطموح وكفاح المرأة والعنف ضدّ المرأة ونظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة، وسلسلة “ورا كل باب” يقف وراءها خمسة من المؤلفين الرجال.

وتركّز الدراما الاجتماعية الجديدة على المرأة في عمري الثلاثينات والأربعينات، فالفترة الأولى مليئة بالأحداث كبداية الحياة العملية وضغط الأسر من أجل اللحاق بقطار الزواج، والأربعينات تمتلئ بمخاوف فوات العمر وقدوم الشيخوخة وتزايد عمر الأبناء وتنامي طلباتهم المالية.

ويعتبر البعض أن الدراما النسوية ما هي إلاّ اعتلاء لموجة نجاح لتلك النوعية من المسلسلات وسوف تفقد زخمها مع الوقت، مثلما فقدت الدراما الاجتماعية الحضور الكبير الذي سجلته في أعقاب نجاح مسلسلي “سابع جار” و”أبوالعروسة” قبل أن تتراجع لصالح أعمال التشويق بعدما ابتعدت عن التجديد ودارت في الفلك ذاته.

وتلقّت الفنانة ياسمين صبري مؤخرا سؤالا حول الأعمال التي ترغب في تأديتها، فقالت إنها تودّ المشاركة في أعمال تتحدّث عن المرأة، وعند سؤالها عن أي قضية نسوية بالذات، جاء الرد “لا توجد قضية مهمة ندافع عنها، لكن أحب الأشياء التي من الممكن أن تمرّ بها المرأة كل يوم”، وهي إجابة عامة تعبّر عن رغبة في مسايرة الموضة والجهل بأن هذا التكثيف بات زائدا عن الحدّ ما أفقد الكثير من الأعمال أهميتها المجتمعية.

وتتضمّن الأعمال النسائية نقائص تضيع فكرتها الأساسية، فمسلسل مثل “خلي بالك من زيزي” بطولة أمينة خليل قدّم تسطيحا لمشكلة الولاية التعليمية للأبناء التي تعاني منها الآلاف من النساء المطلقات، بشخصية امرأة تعاني تنقّل ابنتها المصابة بمرض فرط النشاط من محافظة إلى أخرى، وتلحقها بمدرسة جديدة بمنتهى السهولة دون موافقة الأب صاحب الولاية التعليمية أو حتى علمه.

Thumbnail
12