بيلاروسيا طريق يجذب شباب كردستان العراق لبلوغ أوروبا

الشباب في كردستان العراق يشكون من غياب فرص العمل نتيجة الضائقة الاقتصادية وتفشي الفساد والمحسوبية حيث تسند الوظائف بحسب الولاءات السياسية.
الخميس 2021/11/11
رحلة نحو المجهول

أربيل - يدفع الشعور باليأس وانعدام الأفق الآلاف من شباب كردستان العراق إلى البحث عن سبل للهجرة إلى أوروبا متحدّين العقبات والمخاطر التي قد تعترض طريقهم، خصوصا بالنسبة إلى أولئك الذين لا يملكون القدرة على المغادرة بشكل قانوني.

ويشكو الشباب في كردستان العراق من غياب فرص العمل نتيجة الضائقة الاقتصادية وتفشي الفساد والمحسوبية، حيث تسند الوظائف بحسب الولاءات السياسية.

ومن بين الطامحين لبلوغ أوروبا هيمن جبرائيل البالغ من العمر 28 عاما والذي قرر المخاطرة بعد أن وصل إلى حافة اليأس، كما يقول، لينضم بذلك إلى أكثر من أربعة آلاف شاب غادروا إقليم كردستان، وكثيرون منهم عالقون حاليا على حدود بيلاروسيا مع الاتحاد الأوروبي.

ويقول جبرائيل وهو يعبر بسيارة الأجرة التي يعتاش منها مدينة أربيل عاصمة الإقليم في شمال العراق "هنا نرى الموت كل يوم".

ولا يفصح عن الطريق الذي سيسلكه إلى أوروبا حيث بات المهاجرون العالقون على حدود بولندا وقوداً لأزمة سياسية بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي.

إسماعيل محمود: ابني دفع حياته ثمنا للوصول إلى أوروبا وأنا الآن بانتظار جثمانه

ويدرك جبرائيل أن "الطريق طويل، ربما نتعرض للمصاعب لمدة عشرين يوما". لكن ذلك أفضل من البقاء برأيه "فعندما تصل إلى حيث تريد ستعيش حياة هادئة. هناك عدالة اجتماعية وينظر إلى الجميع بعين المساواة، ويمكن أن تضمن مستقبلك".

ويشكو الشاب خصوصاً من غياب “فرص العمل في القطاعين الخاص والحكومي. حيث تمّ احتكار كل شيء من قبل فئة معينة في المجتمع”. ويقول “لدي أربعة إخوة متخرجين من الجامعة، ولأنهم لم ينتموا إلى الأحزاب السياسية لم يحصلوا على تعيين في القطاع الحكومي” في الإقليم الذي يهيمن على المشهد السياسي فيه حزبان تقليديان هما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بينما يعاني العراق بشكل عام من أزمة اقتصادية حادة وأزمة سياسية تطغى عليها المحسوبيات وممارسات الفساد وهشاشة أمنية.

ومنذ نحو ثلاثة أشهر غادر الآلاف من الشباب مدن الإقليم، 1600 منهم توجهوا إلى بيلاروسيا، وفق إحصاءات جمعية اللاجئين الكردستانية التي تقدّر عدد اللاجئين الأكراد الموجودين حالياً على حدود بيلاروسيا بنحو أربعة آلاف أغلبهم من الشباب، وبينهم أيضاً أطفال ونساء وكبار في السن دخلوا البلاد بتأشيرة سياحية.

وقال القنصل الفخري في أربيل فؤاد مامند "كانت مكاتب سياحية تعمل على تأمين تأشيرات سياحية الى بيلاروسيا للراغبين في الحصول عليها عبر مركز في بغداد ينسّق مع السفارة البيلاروسية في أنقرة”، مشيرا إلى أن المركز والقنصليتين الفخريتين التابعتين لبيلاروسيا في بغداد وأربيل أغلقتا منذ أسبوع بناء على طلب من الحكومة العراقية.

وشرقاً في السليمانية، إحدى مدن الإقليم الكبرى، عقد هيوا فريق محمد العزم على الرحيل بسبب الظروف الاقتصادية وفقدانه الشعور بالأمان. وسبق له أن قام بأربع محاولات لذلك. وهذه المرة يقول إنه سيسلك طريق بيلاروسيا إلى أوروبا.

ويقول الرجل البالغ من العمر 44 عاما ولديه مكتب تصميم بطاقات "وصلت بي الأمور إلى عدم التمكن من دفع إيجار مكتبي".

ويروي "لم أشعر بالأمان طيلة حياتي في الإقليم وفي العراق" الذي يعاني منذ أكثر من 40 عاما من سلسلة من الأزمات والحروب. ويضيف فريق محمد "أريد الهجرة لأضمن حياةً أفضل لابني وابنتي".

ودفع ابن دلير إسماعيل محمود حياته ثمنا للوصول إلى أوروبا. وينتظر محمود البالغ من العمر 55 عاماً إعادة الجثمان إلى أربيل منذ 11 يوماً من بيلاروسيا.

ويروي أن ابنه كيلان البالغ من العمر 25 عاما كان يعاني من "مرض السكري والتهاب الحبل الشوكي". وبسبب البرد والجوع ساءت صحته كثيراً على الحدود وفارق الحياة.

ويحتشد الآلاف من المهاجرين منذ أيام في أجواء جليدية عند الحدود بين بولندا وبيلاروسيا على أبواب الاتحاد الأوروبي. وصعّد وجودهم الأزمة بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي الذي يتهم مينسك بدعم من روسيا باستغلال المهاجرين غير القانونيين للضغط على الاتحاد.

ووضعت وارسو أسلاكا شائكة للتصدي للمهاجرين ونشرت قوة عسكرية كبيرة لمنعهم من دخول أراضيها. ويقول محمود إنه حاول مرات عديدة دون جدوى للحصول على تأشيرة دخول عبر السفارات والقنصليات الأوروبية لإرسال ابنه إلى أوروبا لتلقي العلاج.

الآلاف من المهاجرين يحتشدون منذ أيام في أجواء جليدية عند الحدود بين بولندا وبيلاروسيا على أبواب الاتحاد الأوروبي وقصعّد وجودهم الأزمة بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي

وظنّ الرجل الذي أرسل ثلاثة من أبنائه وابنته وزوجها وطفلهما ذا الخمسة أعوام مع مهرّب للوصول إلى ألمانيا عن طريق بيلاروسيا أن “هذا الطريق سهل لأن العديد عبروا وأبلغونا أنه طريق آمن، فيه مسافة سير لأربع ساعات”، وليس كطريق البحر عبر تركيا الذي ابتلع أرواح الآلاف من المهاجرين خلال السنوات الماضية.

وتمكنت ابنته من العبور إلى بولندا حيث تتلقى العلاج بعدما تعرضت لكسر في رجلها، أما ابنها وزوجها وأشقاؤها فلا يزالون عالقين في بيلاروسيا.

ومن مينسك يروي رجل غادر مع عائلته من السليمانية وفضّل عدم الكشف عن هويته خشيةً على سلامتهم، رحلته من الإقليم إلى الحدود مع بولندا.

ويقول الشاب الكردي البالغ من العمر 36 عاماً “وصلنا إلى مينسك قبل شهر بالطائرة من إقليم كردستان العراق، وكنا خططنا أن نعبر من بيلاروسيا إلى بولندا ثم إلى ألمانيا”. لكن الرحلة لم تكن سهلةً، حيث أكد "مشينا في جو ممطر وبارد. في بعض المناطق انخفضت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، وكان ذلك صعباً على أولادنا، وكنا أحيانا نحملهم على أكتافنا".

ويضيف "في الصباح توجهنا إلى الحدود. كان الجنود البولنديون يقفون في طابور من الجهة الأخرى. كأنهم كانوا يعدّون أنفسهم لمعركة مع جنود العدو، علما أننا عائلات ومعنا نساء وأطفال صغار. حاولنا العبور ورفع الأسلاك ولكن الجنود منعونا وأطلقوا الغاز المسيل للدموع لإجبارنا على التراجع".

وبعدما وصل إلى نتيجة أن هذا الطريق مسدود، يقطن الرجل الآن في غرفة فندق في مينسك وهو على تواصل مع أقارب له مقيمين في أوروبا ليجد طريقة أخرى لدخول ألمانيا أو بلد أوروبي آخر.

وفي الأثناء أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان كردستان ريبوار بابكيي أن هناك "محاولات لإعادة هؤلاء المهاجرين مع أن بعضا منهم لا يريدون ذلك"، مضيفا "نحاول أيضا قطع الطريق على المهربين الذي يخدعون الناس (..) وشكلنا لجنة لدراسة الموضوع".

3