ترحيل فرنسا لمهاجرين تونسيين يثير جدلا واسعا

رفض سياسي وشعبي لانتهاك حقوق المهاجرين.
الخميس 2021/11/11
المقاربات التقليدية لا تحل أزمة الهجرة

تونس - لا يزال الغموض يكتنف ملف الهجرة غير النظامية بين تونس وأوروبا في ظل غياب الحلول الجذرية لمعالجته، حيث أثار ترحيل عدد من المهاجرين من فرنسا إلى تونس جدلا واسعا بالأوساط التونسية، واعتبرها مراقبون خطوة نحو تعميق الأزمة وانتهاكا لحقوق هؤلاء.

وأعرب المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر عن خشيته من إمكانية إبرام تونس اتفاقا غير معلن مع فرنسا لتسريع عملية ترحيل المهاجرين غير النظاميين لما في ذلك من انتهاك صارخ لحقوق هذه الفئة.

وقال في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية في تونس الأربعاء إن “الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، سبق وأن أكد أن تونس تعاونت مع فرنسا فيما يتعلق بتفعيل آلية تسريع الإجراءات الخاصة بترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين، وذلك على عكس دولتي الجزائر والمغرب اللتين رفضتا التعاون مع فرنسا في هذا الشأن”.

وأكد بن عمر أن “تسريع الإجراءات المتعلقة بترحيل المهاجرين غير النظاميين، التي كانت تستغرق قبل هذا الاتفاق عدة أشهر، سوف لن يفسح المجال لهذه الفئة حتى تتمكن من القيام بالتراتيب القانونية اللازمة للتمتع بحقها في الطعن في قرار الترحيل”، مشدّدا على أن “هذا التعامل غير العادل يعد اعتداء وانتهاكا لحقوق المهاجرين غير النظاميين”.

ويرى مراقبون أن الجانب الأوروبي ما زال لم يظهر جدية في معالجة ظاهرة الهجرة بدول جنوب المتوسط، واقتصر على مقاربات تقليدية فاقمت الظاهرة أكثر من العمل على حلحلتها.

حاتم المليكي: هناك رفض شعبي وسياسي لأن نصبح حاجزا لمنع الهجرة

وأفاد الناشط السياسي حاتم المليكي أن “مسألة ترحيل المهاجرين موضوع مثير جدا للنقاش، لأن الدول الأوروبية لم تعالج مسألة الهجرة غير النظامية بمقاربات مختلفة، والمسألة مطروحة بشدة في فرنسا وتم توظيفها سياسيا”.

وأضاف لـ”العرب” أن “معالجة الظاهرة ما زالت لم تصل بعد إلى مرحلة تحمل المسؤوليات، وأسهل طريق لمعالجتها هو فتح باب التعاون التنموي، وهناك معطيات أمنية لترحيل البعض ممن ينتمون إلى بؤر التوتر وتريد أوروبا التخلص منهم، وهناك استقطاب لعدة كفاءات مهمشة في أوروبا”.

وتابع المليكي “لا بدّ من العودة إلى المفاوضات والتزام الطرف الفرنسي ومن ورائه أوروبا بتقديم آليات ناجعة للاستثمار والابتعاد على التوظيف السياسي للمسألة، لأن الترحيل ليس حلّا وسيفاقم الظاهرة”.

واستطرد “هناك رفض شعبي وسياسي لأن نصبح حاجزا لمنع الهجرة، ولا بد من إرساء خطة واضحة لمعالجة الأزمة”.

واعتبر نشطاء المجتمع المدني أن عملية ترحيل المهاجرين تضمنت تعدّيا فرنسيا على الاتفاقيات والقوانين المنظمة للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية، مرجحة استغلال فرنسا للملف كورقة ضغط على السلطات التونسية.

ووصف الناشط الحقوقي مصطفى عبدالكبير عملية الترحيل بـ “انتهاك صارخ من طرف الدولة الفرنسية عبر هذا الإجراء، لأن القانون الدولي والمواثيق الممضية عليها فرنسا تمنع عودة المهاجر غير النظامي”.

وقال لـ”العرب” إن “العودة لمهاجر غير نظامي لا تكون إلا برغبة منه، وهذا ما لم يتم، بل تم جمعهم في مكان معين وتم الاتفاق بين البلدين وترحيلهم عبر مطار طبرقة (شمال غرب تونس)”.

وتساءل عبدالكبير “كيف تسمح فرنسا بترحيل شباب يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة؟ وعوض أن تكفل لهم طرق الإقامة والعيش الكريم تنكرت لهم”، لافتا “هذه فضيحة لفرنسا”.

واعتبر أن “فرنسا تضغط بورقة الهجرة غير النظامية، في ظل الفتور السياسي المسجل بين باريس وتونس، فضلا عن كون السلطات التونسية لم تكن حازمة مثل المغرب والجزائر بشأن عملية الترحيل”.

وأشار إلى أن “فرنسا لها أعداد كبيرة جدا من المهاجرين، وأول بلد تستطيع أن تقنعه بترحيل هؤلاء هي تونس”.

والسبت، وصل العشرات من التونسيين إلى مطار طبرقة الواقع شمال غربي العاصمة، بعد أن رحّلتهم السلطات الفرنسية، وتحدّثت وسائل إعلام محلية عن وجود رحلات يومية تنقل تونسيين من فرنسا.

وسبق أن صرّح المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال لقناة “سي نيوز” الفرنسية باعتزام بلاده ترحيل المئات من التونسيين المهاجرين من الأراضي الفرنسية”، مؤكدا أن “السلطات في تونس متعاونة في هذا الإطار، ويتم ترحيل التونسيين، بعد حصولهم على التصاريح القنصلية”.

مصطفى عبدالكبير: عملية الترحيل انتهاك صارخ من فرنسا للقوانين الدولية

واعتبر قرار التخفيض في منح التأشيرات للتونسيين بنسبة 30 في المئة إجراءً عقابياً يهدف إلى حث الدول المعنية على تغيير سياستها والموافقة على إصدار تصاريح المرور القنصلية التي تعني الترحيل.

وكانت فرنسا قد اتخذت قرارا يقضي بتخفيض عدد التأشيرات لتونس والجزائر والمغرب، معللة بأن هذه الدول ترفض إصدار تصاريح لعودة المهاجرين الذين تريد باريس أن تقوم بترحيلهم.

وقدّرت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها عدد التونسيين المهدّدين بالترحيل من فرنسا إلى بلادهم بـ3424 شخصاً. وأصدرت تونس 153 جواز مرور قنصلياً هذا العام، أي بنسبة تعاون تقدّر بـ23 في المئة.

وأعربت تونس عن أسفها لإعلان باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لرعاياها.

وجاء في بيان للرئاسة  التونسية “عبّر رئيس الجمهورية قيس سعيد في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أسفه لقرار التخفيض في عدد التأشيرات الممنوحة للتونسيين الراغبين بالتوجه إلى فرنسا”، بينما نُقل عن ماكرون قوله خلال الاتصال إن “هذا الإجراء قابل للمراجعة”.

واعتبر سعيد أنه “لا تمكن معالجة مسألة الهجرة غير النظامية إلا بناء على تصور جديد”، مشدداً على أنه “سيتم الانكباب على البحث عن حل لهذه الظاهرة بعد تشكيل الحكومة التونسية الجديدة”.

4