"على الهامش".. دراما مصرية تحذر من غدر الأزواج

قد يكون الكفاح مناسبا لكل شخص ينتمي للطبقة الشعبية أو الأرستقراطية، لكن أن يكون شعبيا وأرستقراطيا في آن واحد فهذه ليست براعة فنية ما لم يستطع الممثل التحوّل بسهولة من حالة إلى أخرى، والفنان أو الفنانة التي تقدّم صياغة مركّبة من هذا النوع تسعى لتثبت شيئا ما لنفسها قد يكون لا علاقة للجمهور به، وهي مشكلة وقعت فيها الفنانة المصرية نرمين الفقي بطلة مسلسل “على الهامش” الذي انتهت أخيرا قناة “دي.إم. سي” المصرية من عرض حلقته العاشرة والأخيرة.
القاهرة – تملك الفنانة المصرية نرمين الفقي وجها مريحا مكنها سابقا من تقديم العديد من الأدوار الفنية بما يتناسب مع تطوّرات عمرها، وكلما غابت عن التلفزيون لفترة تعود أكثر تألقا لأنها تحسب خطواتها بدقة، لذلك جاءت غالبية الأعمال التي جسّدتها، ومنها مسلسل “لؤلؤ” و”ضل راجل” خالية من التكلّف، لكن في حكاية “على الهامش” ضمن مسلسل “إلاّ أنا” في موسمه الثاني بدا الدور أقل قربا من شخصيتها الناعمة، لأن السيدة المكافحة التي يطردها زوجها في الشارع بعد حياة مرفهة تماما وتلجأ للسكن في حارة شعبية يصعب أن تكون أرستقراطية أيضا.
وقعت الفقي في فخ النهم الفني أو الإعجاب بدور شيّق دون الانتباه إلى أن هذا الدور له مقاييس يجب أن تلتزم بها، فالأناقة والجمال والرشاقة الطاغية التي ظهرت بها في شخصية ياسمين في هذا العمل، والتي تحوّلت من الغنى إلى الفقر المدقع من الواجب أن تكون مقنعة لأبعد درجة، فالكفاح مهم، ولا غبار على الفقر في حد ذاته، كما أن الانكسار يمكن أن يتعرّض له أي شخص في الحياة.
عندما تقدّم هذه التوليفة للمُشاهدين من المهم أن تكون أركانها مكتملة وغير متنافرة مع الواقع، فهناك جمهور عريض جذبه المسلسل وتابعه باهتمام لأن القصة تنطوي على مضمون اجتماعي محبّب، وبالتالي كان على طاقم العمل ألا يتقنوا فقط اختيار الشخصيات بل من المهم مراعاة الطريقة التي يظهرون بها وتناغمها مع الواقع.
تناغم منقوص
بالطبع لا يوجد تناقض بين الأناقة والفقر، أو الكفاح والرفاهية، لكن الفجوات الفنية التي وقع فيها المخرج أحمد شفيق في شخصية ياسمين تفتح بابا للحديث عن أهمية المواءمة بين الشكل والمضمون، لأن زوجها رجل الأعمال “رفعت” وقام بدوره الفنان صبري فواز الذي طردها بعد أن اكتشفت خيانته مع صديقتها لم يمنحها شيئا من متعلقاتها، مثل ملابسها ومجوهراتها وأموالها، بمعنى أنها انحدرت من قمة الهرم الاقتصادي إلى القاع، وهنا جاءت المفارقة حيث بدت ياسمين وهي تبحث عن عمل وتجده في مطعم أو معرض سيارات أو سوبر ماركت كأنها لم تفارق حياتها الأولى.
ربما يكون المخرج أراد توصيل رسالة تتعلّق بحالة الشخص الذي تجور عليه الأيام، ويضطر للقبول بأعمال ما كان يقبلها في حياته السابقة، وربما أراد العزف على هذه الازدواجية للاستفادة من نضج الفقي الفني، وقدرتها على الانتقال من الهدوء للصخب، والجمع بين سكان المنتجعات والعشوائيات في مصر.
في كل الأحوال، طرح مسلسل “على الهامش” قصة اجتماعية كانت رسالتها مباشرة أكثر من اللازم في بعض الحكايات، وهي عدم الثقة في الزوج، وعلى كل سيدة أن تؤمّن مستقبلها بوظيفة أو توفير أموال تحسبا من أن تواجه مصير ياسمين التي يطردها زوجها في الشارع بلا مأوى، وأدّى اللعب على هذا الوتر إلى إثارة انتباه الكثير من السيدات، للدرجة التي بدت فيها شخصية “إنجي” البغيضة التي خطفت زوج صديقتها، وقامت بدورها الفنانة المغربية جيهان خليل نموذجا لدى بعضهنّ.
وجاءت الإثارة الفنية من صعوبة رسم الشخصيات بدقة، ففي بعض الأعمال يختار الممثل أو الممثلة ويكتب المسلسل أو الفيلم ويتم اختيار طاقم العمل، وفي بعضها يكتب لأجله أو لأجلها، وهو ما يحتاج إلى حنكة فنية عالية، كما حدث في الكثير من الأعمال التي قدّمها الفنان الشهير عادل إمام وكانت جيدة ومنضبطة ومناسبة له.
ومع ذلك بدت المبالغة ظاهرة في آخر عمل لعادل إمام، وهو مسلسل “فلانتينو” الذي عرض منذ نحو عامين، فقد حاولت الشركة المنتجة استغلال اسمه اللامع بلا مراعاة لمدى قدرته على تجسيد الدور الذي كانت بعض مشاهده متسمة بالكثير من الافتعال والمبالغة.
ولا يعيب هذه الطريقة سوى عدم تناغم الدور مع صاحبه، وفي حالة الفقي، هي فنانة موهوبة وقادرة على التنويع في أدوارها، لكن خطأها في “على الهامش” أو خطأ المخرج بمعنى أدقّ أنه حاول توظيف إمكانياتها لأقصى مدى بصورة غير دقيقة، فهي قماشة فنية من السهل تشكيلها، وكان يجب مراعاة السمات الطاغية في كل طبقة اجتماعية، والتي جاءت غير محكمة في بعض الأحيان بما كشف عن هوة فنية.
لم يأخذ المخرج أحمد شفيق والمؤلفة والسيناريست أماني التونسي من الحارة الشعبية في مصر سوى تداخل الناس واهتمامهم بشؤون غيرهم وتطفلهم على كل شخص غريب يسكن بينهم، وعندما لجأ إلى ضبط هذا الإيقاع بالغ في الشهامة و”الجدعنة”، وتسبّب عدم الاتساق في تركيب المكان مع البيئة العامة في خلل انتاب بعض المشاهد.
رسم الشخصيات
ظهر هذا الأمر في المشهد الذي اصطحب فيه الشاب أدهم وقام بدوره محمود حفيد الفنان الراحل محمود ياسين، أمه ياسمين، إلى الحارة الشعبية، وخوفا من اتهامها بأنها على علاقة غير شرعية به لجأ السائق الذي قام بتوصيلهما إلى المنزل الشعبي للإيحاء بأنه يعمل ضابطا للشرطة كي يرتدع الناس عن التنمر بها، فشخصية الضابط التي أداها الفنان أمير كرارة في مسلسل “كلبش” ووصف بـ”باشا مصر” متداولة في الأماكن الشعبية كدليل على القوّة والنفوذ والشهامة.
ويشعر المشاهد في هذا العمل أن الفقي أرادت اكتشاف نفسها، وقد تكون نجحت في أداء الدور من جوانب فنية متعدّدة، غير أنها لم تتدرّب على الحياة الشعبية والتأقلم معها، ولم تنفعها الإشارات المتقطعة بأنها “بنت بلد” وأصلا تنتمي إلى منطقة شعبية قبل زواجها وانتقالها لحياة المنتجعات التي تغلب عليها الراحة الزائدة.
وهي إشكالية يتغلب عليها بعض الفنانين بالتدريب والمحاكاة الواقعية، فعندما قام الفنان الراحل أحمد زكي بدور بواب في فيلم “البيه البواب” لجأ إلى الاحتكاك بحياة هذه الطبقة، وفهم مفاتيح الشخصية التي جسّدها بطريقة محكمة.
السيدة المكافحة التي يطردها زوجها في الشارع بعد حياة مرفهة، وتلجأ للسكن في حارة شعبية يصعب أن تكون أرستقراطية
حافظت الفقي وهي تمثل دور ياسمين على حياتها السابقة وهي تنتقل إلى حياة جديدة قاتمة، على الرغم من التخلي عن الأولى بكل ما تحمله من رفاهية، وهذا التحوّل يحتاج إلى نعومة وسلاسة في الانتقال من بيئة إلى بيئة أخرى مختلفة عنها تماما، ويبدو أن الفقي لم تنتبه إلى الفروقات بين البيئتين، ما جعل بعض المشاهد غير متناسقة فنيا.
وحفل “على الهامش” بالكثير من الدروس والعبر والقيم الإنسانية التي باتت سمة رئيسية في الأعمال الدرامية المصرية مؤخرا، وتدور محاورها حول مؤسّسة الزواج ومشاكلها، ومنها الحيرة التي يعيشها الأبناء في حالة انفصال الأب والأم، والحياة الخاصة التي يعيشها كل منهم في ظل انعدام الرقابة، والمطبات التي يتعرضون لها في حياتهم بسبب الحرية الزائدة عن الحد، وهي ثيمة مكرّرة أصبحت أقرب إلى المواعظ والإرشادات أخفق المسلسل في تجنب الكثير منها.
قد تكون الفقي خطت خطوة كبيرة في هذا العمل من خلال تجسيدها دور الأم المكافحة والمغلوبة على أمرها، والتي بدت مختلفة عن تلك التي جسّدتها في مسلسل “أم العروسة” بجزأيه الأول والثاني، وكانت أمّا لفتاة وأكاديمية انفصلت عن زوجها، وعاشت بمفردها حياة متقلبة.
ومع ذلك يحسب للفقي جرأتها في أداء دور الأم لأولاد وبنات في سن الشباب، وهو ما تخشى منه بعض الفنانات، ويحسب لها تمكنها من تحمل بطولة العمل، فهي النجمة الأولى فيه، وهذا لا يقلّل من قيمة النجوم الآخرين، وظهرت متوهّجة وكأنها نهمة لتقديم أعمال درامية ذات أبعاد إنسانية، فالمُشاهد يتلمّس ذلك بسهولة عبر مسحة الفرح على وجهها وهي تمثل دورا حزينا، وهو فرح التمثيل الذي يجعل صاحبه متوهّجا.