الفجوة بين الجنسين في أفريقيا مجسّدة في توزيع أخذ اللقاحات

أدت الشائعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالتلقيح ضد فايروس كورونا، مثل أنه يعيق الحمل ويسبب الإجهاض ويوقف الدورة الدموية، في تخلّف عدد كبير من النساء في أفريقيا عن حملات التطعيم. كما أن ربط أخذ اللقاحات بإذن الأزواج وافتقار النساء إلى التكنولوجيا لتحديد المواعيد، كانا أيضا عائقين أمام حصول النساء عليها.
غامبيا – وزّع عمال التوعية الصحية الذين مروا بسيارتهم عبر قرية لاما مبالو قمصانا كتبت عليها عبارة “تلقيت لقاح كوفيد – 19!”.
بحلول ذلك الوقت، كانت النساء في ساري جيبل قد سمعن الشائعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل “يمكن أن توقف اللقاحات دورة دمك أو تسبب لك الإجهاض، ولن تحمل النساء اللاتي تلقينها مرة أخرى”.
ولم تخض لما مبالو وزوجة أخيها فاتوماتا مبالو قط رحلة الـ5.5 كيلومتر إلى المدينة للحصول على لقاحيهما، لكن الأسرة احتفظت بالقميص المجاني. وأصبحت الحروف المكتوبة عليه الآن بالية من أثر الغسل، لكن عنادهما لم يخفت. وتتشارك المرأتان نظرتيهما إلى اللقاح بالإضافة إلى الواجبات المنزلية كتحضير وجبات الطعام ورعاية الأطفال وجلب المياه من البئر.
وقالت لما مبالو، التي تبلغ من العمر 24 سنة، وهي أم لطفل عمره 4 سنوات وهي الآن حامل ولا تخطط للتطعيم بعد الولادة “أنا بالتأكيد في حاجة إلى الكثير من الأطفال”. وتصر فاتوماتا مبالو، البالغة من العمر 29 عاما، التي تحاول الحمل للمرة الثالثة، حيث أنجبت بعض النساء في القرية ما يصل إلى 10 أطفال، “لا أريد أن أجعل الأمر أسوأ وأدمّر رحمي”.
وواجه مسؤولو الصحة في غامبيا وفي جميع أنحاء أفريقيا عدم الرغبة بين النساء في سن الإنجاب حين كانوا يحثونهنّ على التطعيم. حيث تشعر العديد من النساء بالقلق من تعرض حالات الحمل الحالية أو المستقبلية للتهديد.
مسؤولو الصحة في غامبيا وفي جميع أنحاء أفريقيا واجهوا عدم الرغبة بين اللواتي في سن الإنجاب حين كانوا يحثون النساء على التطعيم
وفي أفريقيا، يعتمد نجاح زواج المرأة غالبا على عدد الأطفال الذين تنجبهم. وتقول نساء أخريات إنهن يخشين اللقاح أكثر من الفايروس، فبصفتهن معيلات، لا يمكن أن يفوتهن يوم عمل إذا كانت الآثار الجانبية مثل التعب والحمى تعيقهن لفترة وجيزة.
وليست لوسي جارجو، التي تبلغ من العمر 53 عاما، على استعداد للتلقيح إذا كان ذلك يعني فقدان يوم عمل واحد، حيث توفي زوجها قبل عقد من الزمان وتركها وحدها لإعالة أطفالها السبعة وأحفادها الثلاثة.
وقالت جارجو، التي غالبا لا تصل إلى المنزل قبل حلول الظلام، وتقوم بغسل الصحون قبل أن تتجه أخيرا إلى الفراش، لتستعد لتكرار روتينها في اليوم التالي “أعمل كل يوم لتغطية نفقاتي. إذا ذهبت وأخذت اللقاح ثم ثقلت ذراعي ولم أستطع الذهاب إلى العمل، فمن سيطعم أطفالي؟”.
وأكدت أنها تلقت لقاحات أخرى، لكنها لم تخض بعد رحلة مدتها 25 دقيقة سيرا على الأقدام إلى أقرب عيادة للحصول على حقنة تقيها من فايروس كورونا المستجد. وقالت “ربما لاحقا”، ثم توجهت لإعداد العشاء مع نصيبها من صيد اليوم.
شائعات
ولا تختلف مخاوف النساء عن انتشار الشائعات في جميع أنحاء أفريقيا، حيث يتم تحصين أقل من 4 في المئة من السكان. وعلى الرغم من الافتقار إلى البيانات الخاصة بتوزيع اللقاحات على الصعيد العالمي حسب الجنس، يرى الخبراء أن عددا متزايدا من النساء في أفقر بلدان أفريقيا يرفضن اللقاحات باستمرار. ويخشى المسؤولون الذين يواجهون عدم المساواة في توزيع اللقاحات بين الدول الغنية والفقيرة الآن، من أن التفاوت الصارخ بين الجنسين يعني أن النساء في أفريقيا هن الأقل تحصينا في العالم.
وقال الدكتور عبدالله زيرابا عالم الأوبئة في مركز أبحاث السكان والصحة في أفريقيا “نرى أنه حتى مع وصول اللقاحات إلى أفريقيا بعد تأخير طويل، فإن النساء يتخلفن عن الركب. وهذا ما قد يعني أنهن سيعانين من خسائر فادحة أثناء الوباء”.
ويقول المسؤولون إن انتشار المعلومات الخاطئة عن اللقاحات هو المسؤول الأكبر عن الفجوة بين الجنسين. وسمح التأخير في توصيل اللقاحات إلى البلدان الفقيرة بانتشار المعلومات الخاطئة، حتى في القرى النائية حيث لا يمتلك سوى عدد قليل من الناس هواتف ذكية. ومع بقاء محو الأمية بين الإناث تحديا في جميع أنحاء أفريقيا، فقد اعتمدت النساء منذ فترة طويلة على الأخبار المنقولة شفاهيا للحصول على المعلومات.
مخاوف
وعلى الرغم من المخاوف المتفشية بشأن الحمل والخصوبة، لا يوجد دليل على أن اللقاحات تؤثر على فرص المرأة في الحمل. وتتبعت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها عشرات الآلاف من النساء الملقحات، ولم تجد أي فرق في نتائج الحمل. وتوصي مع منظمة الصحة العالمية والوكالات الأخرى بتلقيح النساء الحوامل لأنهن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الشديدة التي قد تؤدي إلى الوفاة.
وفي غامبيا، مثل العديد من البلدان الأفريقية، كان لقاح أسترازينيكا هو الوحيد المتاح في البداية. وأدى انتشار إشاعات عن الروابط بين تلك الحقنة وجلطات الدم النادرة لدى النساء في أوروبا إلى تراجع جهود التطعيم. واعتقد العديد من الغامبيين أن الجرعة ستوقف تدفق دمائهم تماما، وذلك بسبب الترجمة السيئة للأخبار إلى اللغات المحلية.
كما واجه المسؤولون شكوكا عميقة في الحكومة والاعتقاد بأن الأفارقة كانوا يتلقون لقاحات لا يريدها أحد. وانتشرت الشائعات بأن اللقاح مصمم للسيطرة على معدل المواليد في القارة.
ومنذ ذلك الحين، قطع مسؤولو الصحة خطوات واسعة في تلقيح النساء في غامبيا. ويشكلن الآن حوالي 53 في المئة من أولئك الذين تلقوا اللقاحات، أي بزيادة كبيرة عن الأشهر القليلة الماضية. ولكن التأخير أقل بين من هن في سن الإنجاب على الرغم من عدد المرات التي يتواصلن فيها مع العاملين في عيادات التوليد.
وأبلغ المسؤولون في جميع أنحاء أفريقيا عن اتجاهات مماثلة على الرغم من الافتقار إلى بيانات أوسع. ففي جنوب السودان والغابون والصومال، كان أقل من 30 في المئة ممن تلقوا جرعة واحدة على الأقل في المراحل الأولى من حملات التحصين ضد فايروس كورونا المستجد من النساء.
وتواجه النساء في تلك البلدان (كما في أي مكان آخر في العالم، وخاصة الدول الفقيرة في أجزاء من الشرق الأوسط وآسيا) عقبات أخرى في الحصول على اللقاحات. وتحتاج بعضهن إلى إذن أزواجهن، أو يفتقرن إلى التكنولوجيا لتحديد المواعيد، أو لم تشملهن قوائم تحديد أولويات اللقاحات.
وقالت الدكتورة روبا دات، وهي أستاذة مساعدة في المركز الطبي بجامعة جورج تاون، إنه “ليس من المستغرب أن تُترك النساء الأفريقيات وراء الركب، ولكن معالجة المشكلة تبقى أمرا ملحا”.
وأكدت أن هذا الاتجاه يساهم في صعوبة الخروج من الوباء.
وارتبط مصير غامبيا بمصير جارتها الأكبر في غرب أفريقيا السنغال. ويصل إليها معظم الأجانب عن طريق البر عند نقاط التفتيش حيث لا توجد حاجة إلى التحاليل السلبية، مما سمح للفايروس بالتفاقم حيث واجهت السنغال موجة ثالثة ساحقة.
وقد دمّر الوباء الاقتصاد الغامبي، الذي يدعمه السياح من أوروبا والأموال المرسلة إلى الوطن من غامبيين في الخارج. ويعتمد الغامبيون الآن أكثر من أي وقت مضى على صيد الأسماك والزراعة.
وتتزايد أعداد الأشخاص الذين يركبون القوارب المتهالكة للفرار من غامبيا مخاطرين بالموت من أجل الحصول على فرصة للوصول إلى الدول الأوروبية.
وقالت سارة هوكس، وهي أستاذة الصحة العامة العالمية بكلية لندن الجامعية “في معظم دول العالم، لا نملك البيانات لإخبارنا إذا كانت هناك فجوة بين الجنسين بسبب فايروس كوفيد – 19. لكن الأرقام القليلة التي اطلعنا عليها تشير إلى أن هناك مشكلة”.
وأضافت أن هناك بعض الأمل في أن أي اختلالات أولية في معدلات التحصين ضد فايروس كورونا المستجد بين الرجال والنساء، تستمر في التراجع في غامبيا ودول أخرى بمجرد الحصول على إمدادات ثابتة من اللقاح. ففي معظم البلدان الغنية حيث تتوفر اللقاحات مجانا (بما في ذلك بريطانيا وكندا وألمانيا والولايات المتحدة) هناك تقريبا نفس عدد الرجال والنساء الذين يتلقون الجرعة.
لكن إجراء اللقاحات في المناطق التي لم تشهد تفشيا متفجرا للفايروس، مثل أجزاء من غامبيا وجنوب السودان، صعب. وقالت الممرضة أنغر أتر التي تعمل في حملات التحصين في جنوب السودان “تشعر النساء هنا بالقلق من إصابة أطفالهن بالتهاب رئوي أو الملاريا. لكنهن لسن قلقات بشأن كوفيد – 19”.
إحجام
ولا يقتصر الإحجام عن اللقاح على القرى النائية. ففي مستشفى بوندونغ في سيريكوندا، على مشارف عاصمة غامبيا، يثير الوضع حيرة المدير كيبا مانه، الذي عمل هناك لأكثر من 20 عاما.
وسأل في صباح أحد الأيام في عيادة الولادة بالمستشفى مجموعة من العشرات من الأمهات الحوامل عن اللقاح. ولم تقل سوى واحدة فقط إنها تلقته.
وجلبت نساء أخريات أطفالهن الصغار للتحصين الروتيني ضد الحصبة والخُنَاق والتيتانوس. وسألهن “تأخذن أطفالكن لتلقي التطعيمات. فلماذا ترفضن لقاح كوفيد؟”. فسحبت امرأة حامل هاتفها لتظهر له مقطع فيديو يزعم أن جسد شخص ما أصبح ممغنطا بعد اللقاح، بعد أن أظهر ملعقة عالقة على ذراعه.
وقالت مارييل بويو أكوتيت، التي تقود خطة التحصين ضد فايروس كوفيد – 19 في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا، “إن الارتباك ينبع في البداية من النصائح ضد التطعيم للعديد من النساء”.
وتابعت الأستاذة في جامعة العلوم الصحية في ليبرفيل “بما أننا لم نكن نعرف تأثير اللقاح على النساء الحوامل والمرضعات والنساء اللاتي يرغبن في إنجاب طفل في الأشهر الستة المقبلة، فقد أوصينا بعدم تلقيح هذه الفئة”. ثم وقع تحديث هذه التوصية بعد عدة أشهر، لكن العديد من النساء في الغابون وأماكن أخرى قررن عدم التطعيم تماما.
ويسأل المرضى مارياما سونكو، وهي أخصائية مكافحة العدوى في مستشفى بوندونغ “إذا أخذت هذا اللقاح، هل لا يزال بإمكاني الحمل؟”. وتقول لهم إن البحث يقول إنه لا علاقة للقاح بذلك.
لكن العديد من النساء يستمعن إلى القصص بدلا من البحث. ويسمعن عن امرأة أجهضت بعد تلقيحها، بعد حمل دام 11 أسبوعا، وينتشر الخوف، على الرغم من أن فقدان الحمل أمر شائع في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
وقالت بنتا بالدي البالغة من العمر 29 عاما، والتي تزوجت منذ عامين وتكافح من أجل الحمل “ما يخيفني هو ما سمعته على وسائل التواصل الاجتماعي. إذا تلقيت الجرعة، فلن أحمل”.
وزارت العيادة الصحية المحلية ومعالجا روحانيا نصحها بابتلاع قطع من الورق بآيات قرآنية وشرب الشاي المصنوع من الأعشاب لتعزيز الخصوبة.
وقالت “عندما تتزوجين وتذهبين إلى منزل زوجك، عليك أن تنجبي طفلا، وإلا يمكنه أن يطلقك أو يتركك في أي وقت. قد يقول إنها لا تستطيع أن تمنحني طفلا ويبحث عن زوجة أخرى”.
وكانت الشائعات حول كوفيد – 19 والخصوبة مزعجة بشكل خاص في البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل غامبيا والصومال، حيث يعد تعدد الزوجات شائعا.
وقال عبدالقادر أور أحمد، وهو أخصائي الصحة في منظمة كير الدولية “يعني هذا الكثير بالنسبة إلى المرأة الصومالية. فمن المتوقع أن تتمكن من إنجاب المزيد من الأطفال لكي تبقى في الأسرة. فكلما أنجبت المزيد من الأطفال كلما لاقت المزيد من القبول”.
وفي غامبيا، يجب على الأزواج إعطاء الإذن بالإجراءات الطبية لزوجاتهم. وتخبر معظم النساء العاملين في مجال الرعاية الصحية أنهن لن يحصلن على اللقاح ما لم يوافق أزواجهن. لكن قلة من الأزواج يأتون إلى زيارات ما قبل الولادة ولا يحضر سوى حوالي نصفهم فقط ولادة أطفالهم في مستشفى بوندونغ.
التأخير في توصيل اللقاحات إلى البلدان الفقيرة سمح بانتشار المعلومات الخاطئة، حتى في القرى النائية حيث لا يمتلك سوى عدد قليل من الناس هواتف ذكية
وعقد المستشفى مؤخرا جلسة إعلامية للآباء، حيث حاول المدير مانه شرح فعالية اللقاح المثبتة. وقال للرجال “كل النساء الحوامل اللاتي يأتين إلى هنا لا يحصلن على اللقاح لأن الأزواج لم يأذنوا بذلك. وماتت اثنتان منهن. نحن لا نجبر أي شخص، لكن صلاحية الكثير من اللقاحات ستنتهي قريبا”.
وتتعرض فاتوماتا نيابالي بصفتها ضابطة أمن لخطر متزايد للإصابة بكوفيد – 19، ولم يتم تطعيمها بعد. وهي حامل في شهرها السابع، لكن زوجها لم يحضر عرض مانه. ورفض بالفعل الموافقة على تطعيم زوجته.
لذلك، رفضت نيابالي لقاح جونسون آند جونسون قائلة “إنه رب الأسرة، لذا يجب أن أطيعه في أي شيء نفعله”. كما لم توافق سوى تسع نساء فقط على التطعيم من بين 100 امرأة زرن المستشفى في ذلك اليوم.