بعد أن كانت رافضة لها.. العائلة التونسية تصبح داعما للهجرة غير النظامية

دفعت الأوضاع الاجتماعية المتردية العائلات التونسية إلى تشجيع أبنائها على الهجرة غير النظامية بعد أن كانت رافضة لها. وتعتقد بعض العائلات أن الهجرة غير النظامية يمكن أن تكون حلاّ للبطالة ومانعا لانخراط الشباب في الجريمة. ودعا الخبراء إلى اعتماد مبادرة وطنية للتنمية الاجتماعية تكون أكثر التصاقا بالواقع الاجتماعي.
تونس – شهد دور العائلة التونسية في مشروع الهجرة غير النظامية تحوّلات في العشرية الأخيرة، وفق عدد من خبراء علم الاجتماع، فبعد أن كانت الأسرة رافضة للمشروع في البداية أضحت بعد ذلك تضطلع بدور محوري من خلال تذليل الصعوبات أمام أبنائها للانخراط فيه، بعد أن وجدت نفسها تحت طائلة ضغط الأبناء من جهة والظروف الاقتصادية والاجتماعية المتأزّمة من جهة أخرى.
ووفقا للإحصائيات التي كشف عنها التقرير السنوي حول الهجرة غير النظامية لعام 2020 للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في تونس، ارتفع عدد المهاجرين غير النظاميين، حيث تجاوزت الإحصائيات 12700 مهاجر، في حين تشير بيانات وزارة الداخلية التونسية إلى 8696 مهاجرا فقط. وأشار التقرير إلى أن هناك إشكالية حول إحصائيات الهجرة غير النظامية المتضاربة.

رمضان بن عمر: مقاومة العائلة لنزيف الهجرة غير النظامية بدأ يتراجع شيئا فشيئا
وتشهد السواحل التونسية العشرات من رحلات الهجرة السرية على متن قوارب صغيرة تقل شبابا وأطفالا وعائلات، في مشهد بات متكررا خاصة مع استقرار عوامل المناخ، حتى أن بعض المهاجرين يوثقون رحلاتهم هذه وينشرون فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأفاد رمضان بن عمر منسق منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس بأنه منذ بداية يناير 2020 وحتى السادس من أغسطس من نفس العام وصل إلى السواحل الإيطالية 5963 مهاجرا من تونس ومنهم 4070 خلال يوليو الماضي، مشيرا إلى إحباط الحرس البحري التونسي لـ254 رحلة هجرة سرية.
وقال بلعيد أولاد عبدالله أستاذ علم الاجتماع إن دور الأسرة تغير في الفترة الأخيرة من العشرية، حيث وجدت نفسها بين المطرقة والسندان وأذعنت أمام ضغط الأبناء الراغبين في الهجرة وأمام تفشي ظاهرة البطالة لمدة طويلة وتراجع برامج الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
ولفت أولاد عبدالله في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إلى أنه “أمام تزايد وتيرة عمليات الهجرة غير النظامية ونجاح البعض من الشباب في الوصول إلى الضفة الأخرى وتوثيق نجاحهم في عملية الهجرة أو تصوير أنفسهم لدى وصولهم، باتت هذه الصور تترسخ في أذهان عدد من المراهقين وتصبح حلمهم المنشود فلا يتوانون عن استعمال كل أساليب الإقناع لدفع عائلاتهم إلى مساعدتهم في الظفر بما يصبون إليه”.
في المقابل وعند فشل مشروع الهجرة نحو ضفة الأحلام تقوم الأسرة الداعمة لمشروع الهجرة غير النظامية أو ما يعرف باللهجة التونسية بـ”الحرقة” بتحميل المنظومة الحاكمة الفقد أو الموت أو الإيقاف، بسبب فشلها في تحقيق الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية للشباب وإجبارهم على إلقاء أنفسهم عرض البحر لتحسين ظروفهم والظفر بعمل يؤمّن لهم حياة كريمة.
واعتبر أولاد عبدالله أنه لا يمكن تحميل الأسرة وحدها السبب في الهجرة غير النظامية أو الانقطاع المبكّر عن الدراسة أو السلوكات المحفوفة بالمخاطر في ظل غياب الإمكانيات المادية الكفيلة بسدّ احتياجاتها، فهي “ليست الوحيدة في قفص الاتهام”.
واقترح أولاد عبدالله في هذا الصدد أن يتمّ دعم الدبلوماسية الاقتصادية لإيجاد فرص عمل بالخارج وإصلاح منظومتي التربية والتكوين المهني واعتماد مبادرة وطنية للتنمية الاجتماعية ومقاربة تكون أكثر التصاقا بالواقع الاجتماعي والاقتصادي.
من جهته اعتبر بن عمر أن العائلة قبل الثورة وبداية العشرية الأخيرة كانت رافضة لمشروع الهجرة، إلا أنه مع التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية أضحت طرفا فيه.
وبيّن في هذا الخصوص أن مقاومة العائلة لهذا النزيف بدأ يتراجع شيئا فشيئا، حيث بدأت الأسر حسب تقديره تعتبر أنه يمكن أن تكون الهجرة هي الحلّ بدل الانخراط في شبكات الجريمة والسلوكات المحفوفة بالمخاطر وتعاطي المخدرات.
وأضحت العائلة وفق بن عمر تساهم في إيجاد شبكات منظمة للهجرة غير النظامية “أكثر أمانا”، مشيرا إلى أن ملامح الهجرة غير النظامية تغيرت لتتخذ شكلا جديدا وهي هجرة العائلات بأكملها، حيث انخرطت خلال سنة 2020 أكثر من 300 عائلة في مشروع الهجرة غير النظامية.
واعتبر أن أسباب هجرة العائلات جاءت إما مساندة لأبنائها لمعرفتها المسبقة بالقانون الدولي حول الهجرة، الذي يمنع ترحيل العائلات والقصر، إلى جانب مشكلات تتعلق بالأفراد أو وضعية الأبناء الصحية والفشل في الإحاطة بهم أو لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو للهروب من واقع معين.
وشدد مهدي مبروك الخبير في علم الاجتماع على ضرورة صياغة سياسات نشيطة للتشغيل والتغطية الاجتماعية تحسّن من نمط عيش المواطنين وخاصة الشباب، إلى جانب تحسين جودة التكوين المهني للحدّ من ظاهرة الهجرة غير النظامية ومعالجتها من الجذور. واعتبر مبروك أن توعية العائلات بخطورة مشروع الهجرة غير النظامية مرتبط أساسا بسياسات تشغيل إدماجية نشيطة على المدى الطويل.
وقالت زينة الربيعي وهي أم لأربعة أولاد، إنها جمعت مبلغا ماليا هامّا وباعت مصوغها من أجل تأمين هجرة غير شرعية لأصغر أبنائها باعتباره عاطلا عن العمل، لكن جائحة كورونا منعت ذلك.
وأضافت لـ”العرب” أن “تأمين المبلغ لم يكن بالأمر الهين”، مشيرة إلى أن انحسار الجائحة سيجعلها تفكّر مجددا في ذلك، خصوصا وأن عددا من أبناء جيرانها هاجروا إلى إيطاليا بحرا ووصلوا إلى سواحلها وهم الآن أصحاب مشاريع في تونس.
وتعدّ نسبة المهاجرين التونسيين الأعلى في العام 2020 مقارنة بالسنوات الماضية، حيث بلغت النسبة 42 في المئة من العدد الإجمالي. وكان المهاجرون التونسيون سنة 2017 يمثلون 5 في المئة من مجموع المهاجرين، فيما كان النيجيريون يمثلون النسبة الأكبر.