تفاقم حالات الفساد في الإدارات الجهوية والمحلية في تونس

شبهة فساد إداري ومالي تطال مندوبيتي الشباب والرياضة والتعليم بسيدي بوزيد.
الثلاثاء 2021/10/19
مطالب بتطهير الإدارة التونسية من الفساد

تونس – توسّعت ظاهرة الفساد المالي والإداري بالمؤسسات التونسية، لتنتقل إلى تجاوزات في الإدارات الجهوية والمحلية، حيث عمد كثيرون إلى استغلال نفوذهم الوظيفي والسياسي في مختلف المدن والمناطق، ما يكشف عن استشراء ممارسات الفساد في كامل أنحاء البلاد، بسبب الإفلات من العقاب وعدم احترام القوانين.

وأذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بمدينة سيدي بوزيد (وسط) بالاحتفاظ بثمانية موظفين يعملون بالمندوبية الجهوية للشباب والرياضة بالمدينة.

كما قررت الاحتفاظ بأربعة أشخاص وإحالتهم على القضاء، وإدراج ثلاثة آخرين ضمن قائمة المفتش عنهم، وفق ما أكده مصدر قضائي في تصريح لإذاعة محلية.

ويرى مراقبون أن ظاهرة الفساد استشرت في مختلف المناطق والجهات، وعمقتها ظواهر الإفلات من العقاب وهشاشة التشريعات والقوانين.

بدرالدين قمودي: عندما يتم فتح الملفات في الجهات سنتفاجأ بحجم ممارسات الفساد

وأفاد بدرالدين قمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان المجمّد، بأن “الفساد لا يتعلق بجهة معينة، وممارساته ضربت كل الهياكل، وهو مستشر في الإدارات المركزية، بسبب الإفلات من العقاب وغياب أجهزة الرقابة، وغياب ثقافة المساءلة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “التجاوزات كثيرة، وما خفي كان أعظم، وعندما يتم فتح الملفات في الجهات سنتفاجأ بحجم الممارسات، حيث بات الفساد وجهة نظر ويمرّره الكثيرون في صيغ وأشكال مختلفة”.

وتابع “هناك تطاول على هيبة الدولة، ومبالغة في استغلال النفوذ، وعدم الخوف من تطبيق القانون، فضلا عن وجود عدد كبير من التقارير الرقابية لم يتم الاستماع إليها”، وأضاف “أمام غياب أجهزة الدولة والمحاسبة، لم يعد أمام المواطن إلا أن ينحرط في منظومة الفساد لتسوية وضعيته، وهو شريك في الجريمة بالتجاهل وغياب ثقافة المحسابة والشفافية”.

وبخصوص أهمية دور القضاء في هذه المرحلة الحساسة، أوضح قمودي أن “دوره جوهري وأساسي، ودون قضاء نزيه لا يمكن محاربة الفساد، ولا بد من حماية القضاة ومراجعة هيكلية الهيئات المشرفة على القضاء”.

وسبق أن أكّد وزير التربية فتحي السلاوتي اتخاذ إجراءات إدارية شملت خمسة مسؤولين بالمندوبية الجهوية للتربية بسيدي بوزيد، من خلال عزلهم من مهامهم مع إمكانية توقيف كل من سيكشف عنه البحث في قضية الشهائد المزورة للأساتذة، فضلا عن فتح تحقيق ضدهم لمحاسبة كافة المسؤولين عن تبذير المال العام.

وقال السلاوتي في تصريح لإذاعة محلية، لدى إشرافه بالحمامات على ندوة حول رقمنة الخدمات المدرسية، “فتح تحقيق إداري مكّن الوزارة من اكتشاف تلاعب في ملف الانتدابات عن طريق تدليس شهائد علمية لعدد من الأساتذة والمعلمين النواب”، واصفا الأمر بـ”الظاهرة الخطيرة لما لها من انعكاسات على مستوى تدريس التلاميذ والتلاعب بمستقبلهم”، ومؤكدا “ماضون في كشف وتأديب جزائي وقضائي لكل من تلاعب بالانتدابات”.

وقال مصطفى بن أحمد القيادي بحركة تحيا تونس، إن “استشراء الفساد الإداري سببه تفكك المجتمع وضعف الدولة وأجهزتها الرقابية، فضلا عن الارتباك في تطبيق القانون”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “تزوير الوثائق الرسمية مسألة خطيرة جدا، وهو أمر متكرر، وضعف الإدارة سهّل تلك الممارسات”.

واقترح بن أحمد “ضرورة إجراء إصلاحات جوهرية على مستوى أجهزة الدولة والإدارة، والخروج من دائرة التجاذبات السياسية المتواصلة منذ أكثر من عشر سنوات، مع تحقيق الاستقرار الذي سيساعد على تطبيق القوانين والتصدي للتجاوزات والإخلالات”.

مصطفى بن أحمد: استشراء الفساد الإداري سببه ضعف الأجهزة الرقابية

ونهاية سبتمبر الماضي، كشفت تقارير تفقّد بوزارة التجهيز، تعمّد شركات مقاولات خاصة ارتكاب تجاوزات خطيرة خلال بناء مساكن اجتماعية أو تهيئة وترميم إدارات عمومية أو إنجاز طرقات بين سنتي 2013 و2017.

وسبق أن أحالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أنظار وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس ملف شبهات فساد مالي وإداري في صفقة اقتناء عوارض خشبية، كانت أبرمتها الشّركة الوطنية للسّكك الحديدية التّونسية مع أحد المزوّدين الأجانب خلال سنة 2017.

ووجّهت شبهات الفساد إلى مسؤولين كبار بالشركة من بينهم الرّئيس المدير العام ومدير المراقبة القانونية ومدير الشّراءات ومدير إدارة صيانة السكّة والمنشآت الفنية والمباني، وفق ما أعلنت الهيئة. وتفطّن فريق التفقد التابع للتفقدية العامة بوزارة التجهيز خلال متابعة بعض صفقات إنجاز مشاريع سكنية، إلى حزمة من الإخلالات المرتكبة من قبل مقاولين رغم إشراف شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أكد أن “الفساد عمّ واستشرى في كل المجالات”، وأشار إلى أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة مختلفة تماما عن المراحل السابقة، حتى يستعيد الشعب قدراته التي نهبت منه في نطاق القانون والوضوح بعيدا عن هؤلاء السماسرة الذين يعبثون بالوطن وبقوت التونسيين.

ودعا قيس سعيّد المئات من المتعاملين الاقتصاديين إلى عقد صلح جبائي مع الدولة، يسمح باستعادة أموال استفادوا منها دون وجه حق خلال العقود الماضية.

وقال سعيّد، إنه سيصدر مرسوما لاستعادة  ثلاثة عشر مليار دينار (4.6 مليار دولار) من الأموال المنهوبة في إطار صلح جزائي سيبرم بين الدولة ورجال الأعمال، الذين تمتعوا بامتيازات غير قانونية واستفادوا من نفوذهم خلال عقود.

4