السياحة في تونس والمغرب تبدأ رحلة التعافي من آثار الجائحة

تحاول السياحة التونسية والمغربية مقاومة المنغصات الصحية التي أثرت عليها كثيرا في العام الماضي وأدت إلى تراجعها بشكل واضح عكسته الأرقام الرسمية، خاصة بعد الرفع التدريجي لقيود الإغلاق وعودة رحلات الطيران حول العالم، وسط آمال العاملين في القطاع بأن يعوضوا بعض الخسائر التي تكبدوها طيلة أشهر.
تونس/الرباط- أعطت صناعة السياحة في تونس والمغرب ملامح أولية بأنها بدأت تصعد ببطء من قاع الأزمة الصحية لتكتسب قوة دفع تدريجية من الانتعاش مع الرفع التدريجي لقيود السفر عالميا.
وشكلت الجائحة صدمة كبيرة للأوساط السياحية بالبلدين بعد أن تراكمت المشكلات على القطاع، الذي يمثل أحد مصادر النقد الأجنبي لهما بشكل غير مسبوق.
ويتمتع بعض السيّاح بشمس أكتوبر وبالرمال الدافئة وبزرقة البحر في مدينة الحمّامات السياحية في تونس، البلد الذي يأمل فيه قطاع السياحة كما في المغرب التعافي مع تحسن الوضع الصحيّ.

درة ميلاد: لا نزال بعيدين عن مستوى النشاط العادي رغم التحسن الملحوظ
ويقول هيكل العكروت الذي يعمل مديرا لفندق “بل أزور” منذ عشرين عاما ويفخر بالفندق الفخم الذي يضمّ مسابح ويفتح على شواطئ مدينة الحمّامات، الوجهة السياحية الأولى في تونس، لوكالة الصحافة الفرنسية إن “العام 2021 أفضل من 2020 الذي كان موسمه سيّئا، لكنه أسوأ من العام 2019 بسبب الصعوبات” الناتجة خصوصا عن وباء كوفيد – 19.
وخفّض الفندق الذي يمكن أن يستوعب ألف سرير قدرته إلى النصف بعد أن أصبحت تونس مدرجة ضمن القائمة الحمراء للدول الأوروبية التي تمثل المصدر الأول للسيّاح وخصوصا منهم الفرنسيين والألمان والإيطاليين.
واختارت السائحة الروسية إلينا باكيروفا المجيء إلى تونس للسياحة نظرا “للسعر الجيّد جدا” الذي تدفعه مقابل “موقع رائع”. وقالت إنها قدمت من فلاديفستوك الواقعة في أقصى شرق روسيا لتحتفل بعيد ميلادها الرابع والأربعين ولديها رغبة في “اكتشاف أفريقيا”.
كما اختار العامل في مدينة ليون الفرنسية يانيس مرابطي هو الآخر تونس نظرا لانخفاض الأسعار فيها، ولكنه يقول أيضا “نأتي كل سنة مع والدتي. طقس أكتوبر في فرنسا بارد ليس كما في تونس. هنا نجد الشاطئ والشمس”.
ويأوي الفندق 30 في المئة من طاقته ومن بين نزلائه 130 سائحا روسيا. ويقول العكروت “الهدف ضمان الاستمرار، لا المردودية”.
وتراجعت عائدات السياحة في تونس العام الماضي بنسبة 65.1 في المئة. وأظهرت أرقام البنك المركزي أنها بلغت 1.96 مليار دينار (727.6 مليون دولار)، نزولا من أكثر بقليل من ملياري دولار قبل عام.
ويعتبر العام 2019 من أفضل المواسم السياحية منذ 2011. فقد زار تونس خلالها أكثر من 9 ملايين سائح، وساهم القطاع بنحو 14 في المئة من الناتج الداخلي الصافي ووفّر مصدر رزق لمليوني تونسي.

حميد بن الطاهر: استئناف النشاط في المدن السياحية جيد ولكن القيود أبطأته قليلا
وتقول رئيسة الجامعة التونسية للنزل درة ميلاد إن موسم 2021 “شهد تحسنا طفيفا مقارنة بالعام 2020 الكارثي، الذي تراجع فيه القطاع بنسبة 80 في المئة، لكن نحن بعيدون جدا عن مستوى النشاط العادي بالرغم من تسجيل ارتفاع بنسبة 11 في المئة”.
وغير بعيد عن المنطقة، أعاد المغرب فتح الحدود منتصف يونيو الماضي، وسجل الموسم السياحي تحسنا نسبيا مقارنة بالعام 2020.
ودخل البلاد حتى نهاية أغسطس الماضي قرابة 3.5 ملايين سائح مقابل 2.2 مليون طيلة العام الماضي، وهو رقم أقلّ بأربع مرّات من أرقام العام 2019 التي قدّرت وصول 13 مليون
زائر.
ويقول رئيس الكونفدرالية الوطنية للسياحة في المغرب حميد بن الطاهر إن “استئناف النشاط كان جيّدا في المدن السياحية، ولكن القيود التي فرضت في أغسطس أبطأتها بعض الشيء”.
وشدّدت الرباط القيود الصحية إثر ارتفاع في نسبة تفشي الجائحة، وشملت تقليص التنقل نحو المناطق السياحية مثل مدينتي مراكش وأغادير.
وبحسب مديرية الدراسات والتوقعات المالية، فقد سجلت عائدات السياحة بالمغرب تراجعا بنسبة 53.8 في المئة بنهاية 2020، وهو ما شكل خسارة بواقع خمسة مليارات دولار.
وانحسر عدد الوافدين بنحو 78.9 في المئة، بينما تراجع عدد ليالي المبيت بالفنادق بنحو 72.3 في المئة العام الماضي بعد زيادة قدرها 5.2 في المئة قبل عام.
وفي الأيام الأخيرة ومع تزايد تحسن مؤشرات الوضع الصحيّ، خرجت تونس من القائمة الحمراء لكل من فرنسا والمملكة المتحدة.
ويستبعد العكروت عودة القطاع إلى نشاطه العادي في شتاء 2021، قائلا “ولكن هذا سيمكّن من إنقاذ موسم 2022، وبإمكاننا توقيع عقود مع وكلاء السفر”.
زار تونس خلال عام 2019 أكثر من 9 ملايين سائح، وساهم القطاع بنحو 14 في المئة من الناتج الداخلي الصافي
ويستعد الناشطون في قطاع السياحة لهذه العودة، ولكن يجب “إعادة النظر في مفهوم السياحة” في تونس، برأيه، إذ لم تعد صورة السياحة في تونس تُختزل في “الجمل والشاطئ فقط، فقد ظهرت محدودية السياحة الجماهيرية”، ولذلك لا بد من إعادة استكشاف “المواقع المذهلة”.
وتتبنى ميلاد الرأي نفسه، متحدثة عن المناطق والسياحة الداخلية والجنوب التونسي. وتقول يجب أن تكون هناك “رؤية”، كما الأخذ في الاعتبار “أن سياحة الفندقة تمثل 80 في المئة من الطلب العالمي”، داعية الى عدم الاكتفاء “بالعيش على أمجاد الماضي”.