البنوك المركزية تتحرّك بحذر نحو مرحلة ما بعد الجائحة

اجتماعات مرتقبة لرؤساء البنوك المركزية لمناقشة موعد رفع إجراءات الدعم الاقتصادي.
الاثنين 2021/09/20
اغتنام الفرصة لتهدئة الأسواق

باريس - يعقد رؤساء البنوك المركزية في الدول ذات الاقتصادات الكبيرة اجتماعات الأسبوع الجاري لمناقشة الموعد الأنسب لرفع إجراءات الدعم الاقتصادي الضخمة التي فرضت العام الماضي لمنع “كساد كبير” ناجم عن أزمة كوفيد – 19.

وتؤكد إيفا سان-واي، مديرة صندوق التمويل لدى أم آند جي للاستثمارات، أنه لا مفر من سحب الدعم النقدي والمالي لكن السؤال الأهم هو: متى سيكون ذلك؟

ومنذ تفشي الجائحة العام الماضي دأب الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والبنك المركزي الأوروبي ونظراؤهما في اليابان وبريطانيا وغيرها على خفض معدّلات الفائدة وأطلقت برامج ضخمة لشراء الأصول لمنع وقوع كارثة اقتصادية.

ويتمثّل هدف هذه البرامج في المحافظة على نشاط عجلة الاقتصاد وخفض تكاليف الإقراض بالنسبة إلى الأفراد والأعمال التجارية والحكومات على حد السواء.

وخفض الاحتياطي الفيدرالي، الذي يبدأ اجتماعا بشأن سياسته النقدية يستمر يومين اعتبارا من غد الثلاثاء، معدلات الفائدة إلى صفر مع بدء الأزمة الوبائية في مارس 2020.

وفي مسعى لتوفير السيولة لأكبر اقتصاد في العالم سيشتري ديونا من وزارة الخزانة تبلغ قيمتها 80 مليار دولار على الأقل شهريا وأوراقا مالية مدعومة بالرهن العقاري بقيمة 40 مليار دولار على الأقل.

وعلى الضفة الأخرى أنشأ المركزي الأوروبي برنامجا للطوارئ لمواجهة الوباء بقيمة 1.85 تريليون يورو، يسمح له بشراء أصول في الأسواق المالية مثل السندات، لرفع أسعارها وخفض الفائدة، حيث أبقى المعدل على عمليات إعادة التمويل الأساسية بنسبة صفر.

ومع ذلك ارتفع مستوى التضخم عالميا، مما عزز توقعات الأسواق بشأن إمكان تشديد البنوك المركزية إمدادات المال لخفض الأسعار ومنع الضغط الزائد على الاقتصادات.

ويشير معارضو السياسات النقدية الفضفاضة بشكل كبير إلى أنها تتسبب بتعميق عدم المساواة عبر تضخيمها أسعار الأصول المالية ورفع أسعار العقارات.

ويدافع المركزي الأوروبي عن خطواته عبر الإشارة إلى دراسات أجراها باحثون على صلة به ارتأت أن سياساته ساهمت في الحد من البطالة وأعطت اندفاعة للأسر التي تعد أوضاعها المعيشية متواضعة نوعا ما إذ تمكّنت من شراء عقارات بفضل معدّلات الفائدة المنخفضة.

وأعربت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ضمن تقرير نشرته في وقت سابق هذا الشهر عن قلقها حيال التداعيات السلبية المحتملة التي يمكن أن تتمخّض عن تمديد التساهل في السياسات النقدية بالنسبة إلى الأصول المالية والعقارية.

نيكولا فيرون: تدخلات البنوك المركزية ستكون منطقية إذا تجنّبت ركودا

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى نيكولا فيرون، خبير الاقتصاد لدى معهد بيترسن ومركز أبحاث برويغل، قوله إن “تدخلات البنوك المركزية لن تكون منطقية إلا إذا تجنّبت ركودا”. وأضاف “إذا لم تعد ضرورية لتجنّب ركود فستكون تداعياتها السلبية أكثر من تلك الإيجابية”.

ورفعت البنوك المركزية في كل من البرازيل وروسيا والمكسيك وكوريا الجنوبية وتشيكيا وأيسلندا معدلات الفائدة العام الجاري. لكن الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، الذي سيعقد اجتماعاته أيضا خلال الأسبوع المقبل، امتنعت حتى الآن عن تغيير المعدلات.

وأصر مسؤولو البنوك المركزية الثلاثة على أن التضخّم مؤقت وجاء نتيجة تعافي الأسعار بعد الانخفاض الذي شهدته في ذروة موجة الانتشار الوبائي العام الماضي.

ويسعى راسمو السياسات لتجنّب الإضرار بالتعافي الاقتصادي في حال المسارعة إلى سحب جزء كبير من الدعم.

وينعكس كل مؤشر اقتصادي على الأسواق بدءا من التضخم ومرورا بالبطالة ووصولا إلى إنفاق المستهلكين وسط تساؤلات عما إذا كانت البنوك المركزية ستعدّل سياساتها قبل الموعد المتوقع أم بعده؟

وفي الأثناء ينتقي مسؤولو البنوك كلماتهم بدقّة، ففي أغسطس الماضي قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن البنك المركزي قد “يبدأ بخفض وتيرة عمليات شراء الأصول العام الجاري”، لكنه التزم الصمت حيال التوقيت.

وذهب المركزي الأوروبي إلى ما هو أبعد من ذلك هذا الشهر، فقد قرر تخفيف وتيرة عمليات شراء السندات الشهرية، لكن دون أن يبدّل حجم الخطة أو موعد انقضاء مدتها في مارس 2022.

ويقول كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي لدى كابيتال إيكونوميكس أندرو كينينغهام إن الخطوة “بعيدة جدا عن كونها تراجعا تاما”.

ولم تترك رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد مجالا للشك؛ إذ صرّحت بوضوح أن “السيّدة لن تتراجع”، في إشارة إلى نفسها.

وتتوقع الأسواق مؤشرات أكثر وضوحا من البنك المركزي الأوروبي في شهر ديسمبر المقبل مع المضي في حملات التطعيمات ضد كوفيد – 19.

ويتعافى الاقتصاد العالمي في وقت يستغل فيه الناس كما الأعمال التجارية والحكومات معدّلات الفائدة المنخفضة للغاية. وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي ضخّت الحكومات 16 تريليون دولار في برامج للتحفيز المالي حول العالم.

وقال فنسنت يوفينز من جي.بي مورغان لإدارة الأصول “تعلّمنا كثيرا من الأزمات السابقة وكانت إدارة أزمة كوفيد – 19 مثالية تقريبا من وجهة نظر اقتصادية”. وأضاف “التعافي شديد وكبير ولم نشهد بطالة واسعة النطاق أو موجة إفلاسات”.

وتوقعت وكالة التصنيف آس آند بي غلوبال أن يتراجع معدل التخلف عن الدفع في أوروبا في الأمد القريب، “خصوصا إذا مضت سياسة التراجع قدما بشكل منظّم، كما هو متوقع”.

10