كلما اشتدت أزمات اللبنانيين ازداد تآزرهم

المغتربون والجمعيات الأهلية وميسورو الحال يقفون إلى جانب المعوزين.
الخميس 2021/09/16
اللبنانيون يجتمعون لطرد الجوع

الفقر والأزمات المتتالية يحاصران اللبنانيين في الداخل، حيث يقفون طوابير للحصول على المواد الأساسية التي بدأت تشهد شحا حادا وارتفعت أسعارها. لكن الفقراء الذين ازداد عددهم في الآونة الأخيرة ليسوا وحدهم، بل يقف إلى جانبهم المغتربون والجمعيات الأهلية وميسورو الحال لمساعدتهم في ظروفهم الحالكة وتقديم يد المساعدة إليهم.

بيروت - يتكيف اللبنانيون مع أخطر أزماتهم المتلاحقة ويستمرون في مواجهتها بفضل تآزرهم وتضامنهم واعتماد بعضهم على مساعدة بعضهم الآخر، وخاصة المغتربين، فيما يتطلع آخرون إلى فتح أبواب الهجرة.

ويواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته، وبات الحدّ الأدنى للأجور دولاراً ونصف الدولار في اليوم، وتجاوز الفقر المدقع ثلاثة أضعافه في أقل من عامين، وبلغت نسبة الفقراء 74 في المئة.

وفي مقابل ارتفاع نسبة الفقر إلى مستوى غير مسبوق تتلقى حوالي 200 ألف أسرة لبنانية تحويلات من أقاربها أو أصدقائها في المغترب بحسب التقديرات، ما يسمح باستمرار تأمين حاجاتها الأساسية. ويقدر إجمالي تحويلات العاملين في الخارج بحوالي7 مليارات دولار سنويا وفقا لتقديرات البنك الدولي.

وتعاني معظم المناطق اللبنانية من انقطاع في التيار الكهربائي يصل إلى أكثر من 10 ساعات يوميا، كما يزداد الشح في مادتي البنزين والمازوت، ما يجبر المواطنين على الاصطفاف في طوابير أمام محطات الوقود للحصول على بعض حاجاتهم. كما تعاني معظم المناطق من نقص في الأدوية، ويشتري معظم اللبنانيين مياه الشرب بسبب عدم توفرها في المنزل أو عدم صلاحيتها.

200 ألف أسرة لبنانية تتلقى تحويلات مالية ومساعدات من أقاربها أو أصدقائها  في المغترب
200 ألف أسرة لبنانية تتلقى تحويلات مالية ومساعدات من أقاربها أو أصدقائها  في المغترب

وقال مختار منطقة المدور في بيروت روبير قيصرليان “يواجه اللبنانيون تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية بفعل مساعدة بعضهم للبعض الآخر وخاصةً مساعدة المغتربين اللبنانيين للمقيمين”.

وأوضح أن في منطقة المدور “طبقتين، طبقة فقيرة وأخرى ميسورة، وهذه الأخيرة تقدم مساعدات عينية عبر الجمعيات الأهلية والمؤسسات الكنسية للفقراء والمحتاجين في المنطقة. كما يقوم بعض المغتربين بعد عودتهم بتقديم مساعدات مالية للمحتاجين بالتنسيق مع المختار. وبعض المحتاجين تصلهم مساعدات مالية من أصدقائهم المغتربين بمعدل مئة دولار في الأسبوع”.

وأشار إلى أن “الإنفاق لدى سكان المنطقة انخفض بنسبة 70 في المئة على الأقل، وخاصةً (الإنفاق على) المأكولات واللحوم، لأن الأموال التي تصل إلى الناس لا تكفيهم لدفع فواتير الماء والكهرباء. لذلك تخلى أغلب اللبنانيين عن عادة شوي اللحوم التي كانوا يعتمدونها مرةً في الأسبوع على الأقل. وانتقل بعض سكان بيروت إلى مناطق جبلية وقاموا بزراعة أراضٍ يمتلكونها لتأمين حاجاتهم من منتوجاتها”.

وتابع المختار قيصرليان “أحيانا تقوم بعض الجمعيات الأهلية المحلية بجمع الأموال بمبادرات فردية وتقوم بتوزيعها على المحتاجين، فيما تقوم جمعيات أخرى بتقديم الدواء مجاناً إلى المرضى”.

وتشير بعض التقارير إلى أن أسعار جميع السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية في لبنان ارتفعت منذ نهاية شهر نوفمبر 2019 حتى نهاية شهر تموز الماضي بنسبة 455 في المئة.

وفيما يقوم ناشطون لبنانيون مغتربون بجمع الأدوية بمبادرات فردية لإرسالها إلى جمعيات أهلية في لبنان أو إلى الأطباء لتأمين ما تيسر من الأدوية المفقودة في ظل أزمة انقطاع الدواء، ينتظر العديد من اللبنانيين في بلاد الأرز فتح باب الهجرة بعد انعدام أمل إصلاح الأوضاع في بلد لا يلمس أبناؤه أدنى مقومات العيش الكريم.

وقالت كارلا، صاحبة صالون للتجميل في جبل لبنان، مُفضّلةً عدم ذكر اسمها كاملا “لقد بات دخلنا معدوماً، وربما لا يكفي لشراء المياه، لذلك نقنّن استخدامها. ومستوى المعيشة انخفض بنسبة 95 في المئة ابتداء من الأكل ومرورا باللباس ووصولا إلى كافة متطلبات الحياة”.

وتابعت كارلا “لم نعش يوما مثل هذا الكبت والذل الذي يتجسد في اصطفاف الناس أمام محطات الوقود لساعات ثم يأتي صاحب المحطة ليقول انقطعت الكهرباء ولن نتمكن من بيع مادة البنزين أو يقول نفدت الكمية المخصصة لهذا اليوم وعليكم العودة غدا”.

الوقود واحد من قائمة الأزمات
الوقود واحد من قائمة الأزمات

وأضافت “ابني يبلغ من العمر عشر سنوات ويسألني متى نرحل من هذا البلد يا أمي؟”.

وأشارت كارلا إلى أن “الأولاد لديهم مطالب، ولكن لم يعد بمقدورنا تأمينها كلها كما كنا نفعل قبل هذه الأزمة، ثم إن انقطاع الكهرباء له أثر سلبي جدا عليهم”.

وقالت “لا نريد التأقلم مع هذه الظروف الصعبة والمذلة، وما نريده هو الهجرة لنتمكن من تعليم أولادنا بعيدا عن المخاطر، لأن أي شيء لن يتم إصلاحه في ظل هذه المنظومة الحاكمة. وإذا فتح باب الهجرة فلن يبقى أحد في لبنان”.

ورأت أن “لبنان كان أجمل بلد، لكنه لم يعد كذلك”، مضيفة “كنا نملك أحلاماً كثيرة وبات حلمنا الوحيد هو الخروج من لبنان إلى أي مكان في العالم”.

وأدى شح مادتي البنزين والمازوت وفقدانهما واللجوء إلى السوق السوداء أو الانتظار لساعات أمام المحطات للحصول عليهما إلى ارتفاع كلفة النقل في وسائل النقل العمومي، حيث أصبحت تستحوذ على ما تتراوح نسبته بين 25 و50 في المئة من الراتب الشهري للعامل، بحسب تقرير “الدولية للمعلومات”، وأصبحت كلفة الكيلومتر الواحد حوالي 1311 ليرة لبنانية لسيارة متوسط استهلاكها 170 كلم/ 20 ليتر بنزين، فيما الحدّ الأدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة لبنانية.

ومهما كان المسار الذي يتخذه اللبنانيون لمواجهة أزماتهم، فلا شك أنهم يملكون المقومات التي تجعلهم قادرين على النهوض مجددا وتحقيق الازدهار وتجاوز هذه الفترة الحالكة من تاريخ لبنان.

20