قطر في تشاد: من دعم المعارضة إلى دور الوسيط

الدوحة تعيد إلى الذاكرة بداية نشاطها الأكبر من حجمها.
الثلاثاء 2021/09/14
في انتظار الحل

الدوحة - عقد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الاثنين مباحثات مع رئيس المجلس العسكري التشادي الفريق محمد إدريس ديبي، وبحث معه وسائل تطوير العلاقات بين البلدين خلال زيارة بدأها الأخير للدوحة الأحد، ركزت أيضا على فتح مسارات جديدة للحوار مع المجموعات التشادية المعارضة المتواجدة على الأراضي القطرية، في محاولة لنجاح الحوار الوطني الذي دعا إليه ديبي الابن لإنهاء النزاع.

ويقيم تيمان إرديمي رئيس “اتحاد قوى المقاومة” في الدوحة المنتظر أن يلتقيه ديبي، وهو أحد قادة التمرد الرئيسيين ويضم تحالفه فصائل عدة فرّ عدد من قادتها إلى قطر بعد انشقاق مثير عن نظام الأب إدريس ديبي الذي لقي مصرعه في أبريل الماضي.

وأبدى اتحاد قوى المقاومة ترحيبه بالحوار العام، موضحا أنه “لا يرفض يد النظام الممدودة، لكن ننتظر الخطوة العملية الأولى من نجامينا”.

والتقط رئيس المجلس العسكري هذه الإشارة وبادر بزيارة الدوحة كمقر لعدد من معارضيه، أملا في تحصين نفسه من أي مواجهات حادة تقودها المعارضة في ظل الأوضاع الهشة التي تشهدها البلاد بعد مصرع والده.

ووجدت قطر في مساعي السلطة الانتقالية في تشاد فرصة مناسبة للانتقال من خانة دعم المعارضة إلى الدخول كوسيط بين الأطراف المتناحرة، ما يعزز حضورها في تشاد عبر لعبها على محاور متعارضة تضمن استمرار نفوذها حال حدوث تغيرات سياسية مفاجئة وحدوث تحولات كبيرة في الأوضاع مستقبلا.

ويعيد هذا الحماس إلى الذاكرة طريقتها أول ما بدأت في تسجيل النشاط خارج ما يسمح به “حجمها” خاصة قبل وبعد ما عرف بـ”الربيع العربي”، حيث حرصت على التدخل في العديد من الملفات الإقليمية وهو ما انتهى بانكفائها على نفسها بعدما اتهمت بدعم الإرهاب وتنظيمات الإسلام السياسي.

ورغم أن الدوحة سبق وأن تورطت بشكل مباشر في دعم قوى معارضة لنظام الرئيس ديبي الأب وتوترت علاقتها مع نظامه، إلا أنها حرصت على إقامة علاقات مع المجلس العسكري الذي يتولى زمام الأمور في البلاد.

وتعددت الزيارات الدبلوماسية بين المسؤولين في البلدين الأشهر الماضية، وسعت الدوحة إلى الظهور بدور الداعم لأمن واستقرار تشاد وإدانة كل أعمال العنف التي من شأنها عرقلة خارطة الطريق التي أعلن عنها ديبي الابن.

هبة البشبيشي: المقاربة الجديدة للدوحة في تشاد قد تواجه عقبات متباينة

وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بكلية البحوث والدراسات الأفريقية بالقاهرة هبة البشبيشي أن تجارب غالبية الدول الأفريقية تشير إلى فشل محاولات احتواء المعارضة وتنتهي معظم الصراعات إلى هيمنة سلطة الحكم وإقصاء المعارضين أو الانقلاب على السلطة من جانب المتمردين وإزاحة نظام الحكم الجديد، ما يجعل التحركات الراهنة أقرب إلى المناورات التي لن تُفضي إلى شيء ملموس.

وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الدور القطري لم يتوقف في تشاد منذ العام 2008، ويتدثر بأشكال مختلفة وتنوع الدوحة أساليب تدخلاتها بين دعم المعارضة والتوسط بين القوى المتناحرة، وحاولت ممارسة هذه اللعبة مؤخرا في أزمة تيغراي بإثيوبيا لكنها فشلت، كما أن مبادرتها لحل الأزمة الحدودية بين الخرطوم وأديس أبابا لم تلق تجاوبا، ما يشي بأن مقاربتها الجديدة في تشاد قد تواجه عقبات متباينة.

وتبدو التحركات القطرية قريبة الشبه في التغير بالمسار التركي بعد أن أظهر الرئيس رجب طيب أردوغان ميلا نحو التخلي عن جماعات معارضة في بعض الدول العربية والأفريقية بحثا عن تحسين صورته، غير أن الجهود الحالية غير متوقع أن تنعكس إيجابا على الصورة القاتمة لكل من الدوحة وأنقرة في القارة.

وقال الخبير في الشؤون الأفريقية محمد الدابولي إن قطر لديها تاريخ من دعم الجماعات المناهضة للنظام الحاكم في تشاد، لكنها توظف حاجة ديبي الابن لخلق شرعية سياسية بالداخل عبر الدعوة إلى الحوار للحصول على المزيد من المكاسب التي ترسخ أقدامها في بلد يحتل موقعا جغرافيا متميزا في وسط القارة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن زيارة ديبي حاليا تعبر عن رغبته في امتصاص غضب الجماعات المعارضة في شمال البلاد في ظل اشتعال الأوضاع بمنطقة الساحل والصحراء التي تشهد موجات عنف وإرهاب وانقلابات منذ بداية العام الجاري، ويحاول الرجل تهدئة الأوضاع وتسكين الحرب مع قوى تملك نفوذا كبيرا في المناطق الحدودية للدخول في شراكات معها تضمن ترسيخ سلطته.

ويقول مراقبون إن إمكانية نجاح قطر في وساطتها مشكوك فيها بفعل التعقيدات السياسية والأمنية بين النظام الحاكم، والمعارضة التي كانت الدوحة جزءا منها بفعل دعمها للمتمردين وانتقالها كطرف وسيط لا ينسجم مع رغبة تيار داخل الجيش يتحفظ على وجود ديبي الابن على رأس السلطة ويتشكك في نوايا قطر، ويرفض أي مصالحة تضاعف من نفوذ الحركات المعارضة على حساب قيادات عسكرية كبيرة.

وقد تتدخل فرنسا وتفرمل تحركات ديبي تجاه الدوحة لأنها تدرك أن الدور القطري يخدم مشروعات معادية لنفوذها، ويصب مباشرة في صالح تركيا وروسيا، وهي لا تغفل عن دور عناصر “فاغنر” الروسية في الجنوب الليبي في دعم متمردي تشاد.

وتشكل حالة الهشاشة الراهنة في تشاد مطمعا لقوى إقليمية ودولية عديدة ترغب في إيجاد موطئ قدم لها في الأراضي التشادية وتوظيفها كنقطة انطلاق نحو دول أفريقية يتصاعد فيها دورتنظيمات إرهابية.

وتزامنت زيارة ديبي للدوحة مع استمرار المظاهرات في مناطق عدة داخل تشاد احتجاجا على ميثاق المجلس العسكري الانتقالي، وقد خرجت مسيرات السبت في انجامينا نددت بموقف فرنسا المتهمة من قبل المعارضة بدعم السلطة الجديدة.

وتطالب المظاهرات التي نظمتها المعارضة بمراجعة الميثاق الذي يحكم المرحلة الانتقالية، وتندد بمراسيم تشكيل لجان الحوار غير الشاملة.

وشكل الفريق محمد إدريس ديبي لجنة فنية مكلفة بالتحضير للحوار تضم في عضويتها شخصيات سياسية وعسكرية، ويرأسها الرئيس التشادي الأسبق جوكوني عويضي، ووجه المجلس العسكري الانتقالي دعوة لسياسيين وعسكريين للدخول في مفاوضات لطي صفحات العنف.

ويرأس محمد إدريس ديبي الدولة منذ مقتل والده إدريس ديبي في أبريل على أيدي متمردين، وهو ما زاد من بوادر الانفتاح على الجماعات المعارضة المسلحة لإشراكها في حوار وطني للتوفيق بين القوى الوطنية، وتعهد باتخاذ إجراءات ملموسة من حيث العفو والإفراج عن أسرى الحرب، وإعادة الممتلكات وإعادة الإدماج المهني.

وأعلنت جبهة التغيير والوفاق في تشاد استعدادها للمشاركة في الحوار الوطني الذي اقترحه رئيس المؤقت للبلاد قائلا “إذا كانت هناك مبادرات سلمية لبناء تشاد ديمقراطية تخلو من الدكتاتورية والمصادرة المطلقة للسلطة سننضم إليها بالتأكيد”.

7