علماء يحاربون الحيوانات الضارة على طريقة سبيلبرغ

نجح عدد من العلماء في تحويل تجربة علم الأحياء التركيبي في فيلم “الحديقة الجوراسية” لستيفن سبيلبرغ إلى واقع، إلا أنهم لا يعملون على إعادة الروح إلى الأنواع المنقرضة، بل على استئصال الأنواع الغريبة الغازية وتعديلات جيناتها حفاظا على الطبيعة.
مرسيليا (فرنسا) - أتاح التلاعب الجيني في “جوراسيك بارك” (الحديقة الجوراسية) إحياء الديناصورات على الشاشة الكبيرة، وبعد ثلاثين عاما من فيلم ستيفن سبيلبرغ بات علم الأحياء التركيبي موجودا فعليا، ولكن ليس لإعادة الروح إلى الأنواع المنقرضة بل للتغلب على الأنواع الغازية.
و”الحديقة الجوراسية” هي سلسلة أفلام أميركية تدور أحداثها حول إنشاء حديقة للكائنات المنقرضة في جزيرة متخيلة قبالة سواحل كوستاريكا ويتم استنساخ عدة فصائل من الديناصورات عن طريق أخذ المادة الوراثية الخاصة بها أو “دي أن إيه” من الحشرات المحفوظة داخل الكهرمان القديم، لكن يفلت زمام الأمور وتتحرر الديناصورات من محبسها لتنطلق في الجزيرة وتنشر الدمار وتستمر الأحداث في الأجزاء الخمسة على نفس المنوال.
ومن المتوقع أن يجري العلماء على غرار فيلم ستيفن سبيلبرغ أول تجربة علمية لهم على جزيرة أيضا، وربما يكون ذلك في العقد المقبل، بحسب الخبراء والنشطاء المجتمعين في المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في مرسيليا جنوب فرنسا.
وتتشارك 80 في المئة من الجزر المشكلة عينها، وهي الجرذان التي تدمر النظم البيئية المحلية الهشة وتهاجم، على سبيل المثال، بيض الطيور.
وقال رويدن ساه إن منظمة “آيلاند كونسرفيشن” تعمل منذ أكثر من عقدين على استئصال الأنواع الغريبة الغازية التي تعد أحد التهديدات الرئيسية للتنوع البيولوجي.
ونجحت هذه المهمة في جزيرتين من جزر غالاباغوس، سيمور نورث وجزيرة موسكيرا، بالاستعانة بطائرات بدون طيار وأفخاخ. لكنها مهمة مكلفة، مع نتائج غير مؤكدة، بينما يمكن أن يتسبب استخدام سم الفئران في أضرار جانبية.
وتتساءل المنظمة عبر موقعها الإلكتروني “هل يجب أن نصنع فأرا معدلا وراثيا ليكون نسله حصرا من الذكور أو الإناث؟”.
وأشار رويدن الذي ينسق فريقا من الباحثين إلى أن “هذا الجرذ غير موجود اليوم”، لكن “إذا لم نجر بحوثا، لن نستطيع تحديد إمكانات هذه التكنولوجيا”.
وقبل خمس سنوات دعا 1400 عضو في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إلى إنشاء مجموعة عمل حول هذه القضية. وهم يريدون اليوم إيجاد مبادئ مشتركة حول علم الأحياء التركيبي من خلال مذكرة تذكّر بأهمية المبدأ الوقائي.
ويدرك جميع المشاركين في المناظرات في مرسيليا أن التساؤلات كثيرة في هذا المجال.
"آيلاند كونسرفيشن" تعمل منذ أكثر من عقدين على استئصال الأنواع الغريبة الغازية التي تهدد التنوع البيولوجي
ويقر رئيس مجموعة العمل في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة كنت ريدفورد خلال تقديمه النتائج التي توصل إليها في مرسيليا بأن “التطبيقات المحتملة للبيولوجيا التركيبية تخيفني أيضا”.
وتحذر ريكاردا شتاينبرشر وهي عالمة وراثة منخرطة في منظمة “برو – ناتورا” غير الحكومية كذلك من أن “هناك مخاطر بيئية واضحة ومخاوف بشأن التعديلات الجينية للأنواع البرية”.
وهذه المنظمة غير الحكومية مع مثيلات لها تدق ناقوس الخطر. ويخفق العلماء أنفسهم في الاتفاق على الحدود الدقيقة لعلم الأحياء التركيبي.
ومن بين هذه الأسئلة: هل يمكن الاستمرار في اعتبار الجرذ المعدل بأنه ينتمي إلى نوعه، أم أنه نوع جديد؟
وأحد الأمثلة التي استشهد بها العلماء هو صنع قرن لحيوانات وحيد القرن، بما يتيح وقف الصيد غير القانوني لهذا الجنس.
لكنّ “الناس يريدون المنتج الحقيقي”، بحسب شتاينبرشر. وبالنسبة إلى رويدن “لا شيء يمنع من مواصلة البحوث”.
ولا تزال المناقشات محتدمة فيما حالة بعض النظم البيئية مقلقة للغاية.
ويقول المستشار العلمي لمنظمة “نيتشر كونسرفنسي” غير الحكومية في هاواي صامويل غون إن خيار الانتظار لم يعد متاحا. ويوضح أن علم الأحياء التركيبي “ليس خيارا. ولن يصل في الوقت المناسب لإنقاذ الطيور” في الجزر.
ومن بين أكثر من 50 نوعا معروفا من الطيور المستوطنة في هاواي، لم يتبق سوى خمسة عشر نوعا بينها خمسة مهددة بالانقراض.
وقد جلب نوع من البعوض وصل في القرن التاسع عشر ملاريا الطيور التي يسببها عامل طفيلي ومميت للطيور.
وتوشك ولاية هاواي الأميركية على استخدام تقنية تم تطويرها سابقا لتعقيم البعوض عن طريق تلقيحها ببكتيريا الولبخية، والتي تستخدم أيضا لمحاربة حمى الضنك في كاليدونيا الجديدة.
ولكن بغض النظر عن الحاجة الملحة لوقف انقراض الأنواع وفقدان التنوع البيولوجي، يبدو أن لدى بعض العلماء طموحات أخرى.
وادعى الباحثون قبل بضعة أشهر أنهم نجحوا في تحديد تسلسل كامل لمجين ماموث يعود تاريخه إلى مليون سنة.
ومع ذلك يحذر تقرير خبراء الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة من أن “التحديات التقنية لتحقيق تسلسل موثوق به لمجين الأنواع المنقرضة هائلة”.
وتشدد شتاينبرشر “علينا أن نقبل حقيقة أن بعض الأنواع قد اختفت، مهما كان ذلك مؤلما. الهدف الرئيسي هو الحفاظ على ما لدينا”.