"ديوان الأغاني".. رحلة مع مئة وخمسين قصيدة للمغربي حمادي التونسي

مؤلف جديد يرصد مكامن الإبداع في التجربة الشعرية لأحد رواد السينما والمسرح المغربي.
الخميس 2021/09/09
عبدالوهاب الدكالي صنع مجده بأغاني التونسي

الرباط - صدر حديثا عن منشورات جمعية “رباط الفتح للتنمية المستديمة” مؤلف جديد بعنوان “حمادي التونسي: ديوان الأغاني”، يرصد مكامن الإبداع في التجربة الشعرية للفنان المغربي الراحل الذي يعد أحد رواد السينما والمسرح المغربي وخاصة المسرح الإذاعي.

ويتضمن هذا المؤلف الجديد، الذي أعده وقدم له الباحث مصطفى الجوهري، 150 قصيدة غنائية باللغة العربية الفصحى والدارجة المغربية، لحنتها وأدتها أسماء فنية بارزة في الساحة الغنائية المغربية، أبرزها محمد فويتح، إبراهيم العلمي، عبدالوهاب الدكالي، بهيجة إدريس، عبدالهادي بلخياط، المعطي البيضاوي، عبد النبي الجراري، عباس الخياطي، عبدالقادر الراشدي، محمود الإدريسي، عبدالواحد التطواني، إسماعيل أحمد، وأحمد الغرباوي، عبدالمنعم الجامعي، وغيرهم.

وتمثل الأغاني التي يضمها الكتاب مسيرة فنية هامة لحمادي التونسي امتدت لعقود للفنان الذي رحل عن عالمنا في أكتوبر 2020 عن عمر يناهز 84 سنة بعد معاناة مع المرض.

حمادي التونسي اهتم بالشعر وخاصة القصيدة الزجلية التي تتميز بمعجمها اللساني المناسب ورقيها لغة وصوتا وإحساسا وموضوعا

ويعتبر الراحل، المولود بالرباط سنة 1934، من رواد الفن في المغرب. انضم إلى فرقة الراديو والتلفزيون المغربي سنة 1954 وإلى فرقة المعمورة في سنة 1959 وهي فرقة مسرحية تعتبر من أولى الفرق في المغرب، وقدم أول أعماله المسرحية “ثمن الحرية” عام 1957 لينطلق في تجارب متنوعة في عوالم الفن.

التونسي إضافة إلى بصماته المميزة كممثل فهو يعتبر من أشهر كتاب الكلمات المغاربة حيث كتب كلمات ما لايقل عن 152 أغنية وتعامل مع كبار المطربين المغاربة وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد زود الموسيقار عبدالوهاب الدكالي سنة 1959 بإحدى أنجح أغانيه وهي أغنية “يا الغادي فطوموبيل”.

وإذا كان جيل عبدالوهاب الدكالي وعبدالهادي بلخياط يوصف بـ”الزمن الجميل” للأغنية المغربية، فإن الفضل في ذلك يرجع للتونسي بدرجة كبيرة، جندي الخفاء، الذي اختار أن يبدع للآخرين ما يطربون به مسامع المغاربة؛ “ما بان عليه خبار” لعبدالوهاب الدكالي، “ما فيك خير يا قلبي” لعبدالهادي بلخياط، أغانٍ من تأليف التونسي سطعت بها نجوم وخلدت اسمه بحروف من ذهب.

وكتب الباحث الجوهري، في تقديمه لهذا المؤلف الذي يقع في 215 صفحة من القطع المتوسط، أن الشاعر حمادي التونسي يعتبر “من الشعراء القلائل الذين أبدعوا بحق القصيدة الغنائية بتلويناتها المختلفة، واعترف له كل الذين اطلعوا أو استمعوا إلى أعماله الطربية بالريادة الراقية؛ ويؤكد هذا الاعتراف تعامله مع العديد من الفنانين الكبار من ملحنين ومطربين ومطربات، وهي أسماء فنية لامعة ساهمت إلى جانب النصوص الشعرية في نهضة الأغنية المغربية الحديثة”.

وتميز التونسي بغزارة كتاباته وموهبته المتقدة في مجال التأليف والكتابة القصائد الزجلية بشكل خاص، لكنه امتاز عن غيره من شعراء الزجل بما يمتلكه من ثقافة عالية وخصبة ومرجعية فكرية وأدبية وتراثية، وهذا ما كان ينهل منه أسوة بجيل من المؤلفين المعاصرين، فاتحا شعره على قضايا وجدانية ووطنية واجتماعية لكن برؤى عميقة.

وأبرز أن التجربة الشعرية للراحل “جاءت متنوعة في هندستها وفي لغتها، فكشفت عن تعاطيه القصيدة الفصيحة، والقصيدة الحرة، والمسرحية الشعرية، وقصيدة الموشحات”، لافتا إلى أن تأمل قصائد هذا الديوان يبرز تنوع القضايا التي عالجها الشاعر “مما شغل فكره واشتغل به ذاتيا واجتماعيا وفنيا ولمست الإنسان والمجتمع والرحلة والنزهة والعشق والغرام والوفاء والمناسبات الدينية والروحية والوطنية والقضايا العربية، ولاسيما قضية فلسطين”.

التونسي تميز بغزارة كتاباته وموهبته المتقدة في مجال التأليف والكتابة القصائد الزجلية بشكل خاص، لكنه امتاز عن غيره من شعراء الزجل بما يمتلكه من ثقافة عالية وخصبة ومرجعية فكرية وأدبية وتراثية

وأكد الباحث أن “من حسنات التونسي اهتمامه بالشعر، وخاصة القصيدة الزجلية التي تتميز بمعجمها اللساني المناسب ورقيه لغة وصوتا وإحساسا وموضوعا، وهو ما يظهر في نصوص ديوانه الجامع الذي حقق شعبية منسجمة في لغتها وأسلوبها، ومعانيها، وصورها، وتفاعلها لحنا ووجدانا وصوتا وآلة، حوّلها إلى قصيدة غنائية طربية تنفذ إلى القلوب، وتتردد على جميع الألسنة”.

وأضاف أن حمادي التونسي عرف، بمهارته “كيف يحول قصيدة الذات ويجعلها تتنفس الجمال بنفس عال ولغة مختصرة، تعكس بهاء كلماتها، وبساطة صورها، ونبض مضمونها الذي يأسر القلوب ليتحول مستمعها بعفوية إلى تواصل إنساني إن لم أقل إلى جزء من الأغنية، مهما كان موضوعها ومضمونها لأنه شاعر يكتب بحب ومحبة، وهو يغوص في المعجم المجتمعي المتنوع، فيختار منه ما ينعش الذات، وتطرب له الروح وتتفاعل معه النفس وكأنه معجم ينتمي إلى ما يعرف بالسهل الممتنع”.

وخوّلت القصائد المغناة للفنان حمادي التونسي بأن يصبح إحدى العلامات المشرقة والمتوهجة للأغنية الطربية الحديثة والمعاصرة في المغرب. وبصم الراحل على مسيرة فنية متميزة رصعتها أعمال مسرحية راقية، وكتابات وقصائد غنائية لا زالت حاضرة في ذاكرة ووجدان جمهوره من مختلف الأجيال.

15