الغرب أمام تحدي فرض شروطه على طالبان للتعامل معها

مهدت الولايات المتحدة ودول أوروبية للانفتاح على حركة طالبان المتشددة بعد أن استولت على الحكم في أفغانستان في خطوة تطرح العديد من التساؤلات خاصة على الشروط التي وضعتها تلك الدول للتعامل مع طالبان وهي خطوة تنطوي على العديد من المخاطر.
واشنطن - بعد أن نجحت في الاستيلاء على السلطة وفرض سيطرتها على أفغانستان تبقى التساؤلات تتمحور حاليا حول سبل التعايش مع حركة طالبان المتشددة خاصة بعد أن بعثت دول غربية عدة إشارات بشأن استعدادها للانفتاح على الحركة دون الاعتراف بها.
وباتت القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أتمت انسحابا فوضويا من أفغانستان، التي خاضت فيها أطول حرب في تاريخها، مُرغمة على التعامل مع الواقع الجديد في ظل محدودية الخيارات المتاحة لنظام حكم بديل.
العديد من الأفغان الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة ولا يريدون المغادرة في حاجة إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة
ويبدو الغرب، سواء الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، يسعى إلى الحفاظ على مصالحه في أفغانستان عبر ما وصفه مراقبون بالأسلوب المخاتل حيث يضع شروطا ينبغي أن تستجيب لها طالبان مقابل فتح قنوات تواصل معها دون الاعتراف بها.
ويرى المحلل السياسي والباحث الأميركي البارز أنتوني كوردسمان في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي إن التعايش مع طالبان ينطوي على مخاطر وشكوك كبيرة، وسيكون الأمر أكثر من صعب حتى لو ثبت نجاحه.
ويضيف كوردسمان الذي سبق له العمل بوزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين أنه لا يمكن لأحد أن يستبعد خطر ظهور طالبان كدولة متطرفة متشددة مع استخدام شكل من أشكال الإرهاب، أو على أقل تقدير التسامح معه. وأي شكل من أشكال التعاون يعني قبول قدر كبير من القيود التي تفرضها طالبان على حقوق الإنسان إضافة إلى الاستبداد الذي تمارسه.
وينطوي التعامل مع طالبان على العديد من المخاطر حيث قدمت الحركة تعهدات بشأن حقوق الإنسان والمرأة، وليس من الواضح أنها ستحترمها ما من شأنه أن يخلق ديناميكية سياسية مختلفة لا يمكن التنبؤ بها في أفغانستان.
مغامرة سياسية

أنتوني كوردسمان: التعايش مع طالبان ينطوي على مخاطر وشكوك كبيرة
مع ذلك، اعتبر كوردسمان أنه “قد يكون التعامل مع طالبان هو الخيار الأفضل الذي أمام الولايات المتحدة الآن لمحاولة تخفيف سلوك الحركة، وحماية الشعب الأفغاني، والحد من خطر تسامح طالبان مع الحركات المتطرفة وأعمال الإرهاب”.
وفي هذه المرحلة يبدو أن لدى طالبان على الأقل بعض العناصر المعتدلة التي تركز على تشكيل حكومة فعالة ومستقرة. ولا يوجد عنصر متطرف واضح في قيادته السياسية والدينية المرئية على الأقل.
وتواجه طالبان تهديدا خاصا من الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش – خراسان). ورغم أن تنظيم القاعدة موجود، إلا أنه لا يبدو كقوة نشطة للغاية.
وقد تعاونت طالبان إلى حد ما في إخلاء مطار كابول وتأمينه. وتواصلت مع بعض القادة السياسيين الأفغان المعتدلين، كما أن الانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها من جانب مقاتليها محدودة وغير منظمة على ما يبدو.
وقالت إنها لن تضطهد بشكل نشط أولئك الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة وحلفائها أو خدموا في الحكومة السابقة، وأظهرت الحركة بعض الاستعداد المحدود لتقديم تنازلات بشأن حقوق المرأة وبعض الجوانب الأخرى للحريات المدنية.
ويقول كوردسمان “تبقى الحقيقة أيضا أنه لا يزال هناك بعض الأميركيين والعديد من الأفغان الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة، ومواطني الدول الحليفة في أفغانستان الذين لا يزالون بحاجة إلى المساعدة في مغادرة البلاد”.
وهناك العديد من الأفغان الآخرين الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة ولا يريدون المغادرة، وهم بحاجة إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة.
وعلى نطاق أوسع، يوجد في أفغانستان نحو 37 مليون شخص لم يشاركوا مباشرة في الحرب ولم يبدوا أيّ اهتمام بالمغادرة، ويمكنهم الاستفادة بشكل مباشر من كل تسامح متزايد من جانب طالبان مع الممارسات الاجتماعية والدين والحياة الاقتصادية الأكثر حداثة.
وعلى الرغم من مأساوية بعض جوانب الإجلاء والعنف في مطار كابول، تبقى الحقيقة أن هذه الأحداث شملت أقل من 0.5 في بالمئة من مجموع السكان. وقد ولد ما يقرب من نصف هؤلاء السكان منذ عام 2001، ويبلغ متوسط العمر 19.5 سنة فقط.
وتلقى الكثير منهم تعليمهم للعيش في عالم أكثر حداثة وتحررا، ونصفهم تقريبا من النساء.
وارتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى أكثر من 40 في المئة. ويعيش نحو 27 في المئة من السكان في المدن ويعتمدون على اقتصاد أكثر حداثة بكثير مما كان عليه الحال عندما كانت طالبان تحكم أفغانستان.
شروط للتعامل مع طالبان
تُعتبر أي جهود أميركية يمكن أن تساعد الأفغان على العيش حياة كريمة مهمة في الظرف الراهن خاصة من الذين تعاونوا مع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من مترجمين وغيرهم.
ويرى كوردسمان أن الشيء نفسه ينطبق على بقية السكان. فقبل وقت طويل من بدء الانهيار في يوليو 2021 كان نحو نصف السكان يعيشون في فقر، وكان نحو 20 في المئة من الأطفال يفتقرون إلى الغذاء الكافي، ومن شبه المؤكد أن نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت 20 في المئة.
وعلى الرغم من كل الادعاءات المبالغ فيها بالتقدم الذي أحرزه البعض بشأن ما حدث نتيجة لسقوط طالبان في عام 2001، صنفت وكالة الاستخبارات المركزية أفغانستان على أنها لديها أعلى معدل لوفيات الرضع في العالم وأن لديها أدنى متوسط عمر متوقع (53 عاما) في عام 2021
ولا يمكن للولايات المتحدة ببساطة تجاهل طالبان أو معاقبتها دون مضاعفة ما هو بالفعل مأساة إنسانية حقيقية للغاية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن لطالبان أن تتجاهل هذه الحقائق أيضا. وإذا كان لطالبان أن تنشئ حكومة مستقرة وأمنا حقيقيا وأن تستمر في ذلك، فلا بد أن تتصالح بما فيه الكفاية مع القرن الحادي والعشرين لكي تعيش في العالم الحديث، بحسب كوردسمان.
القوى الدولية باتت مُرغمة على التعامل مع الواقع الجديد في ظل محدودية الخيارات المتاحة لنظام حكم بديل
ويضيف أن الولايات المتحدة ليس عليها أيضا أن تضحي بقيمها للتعايش مع طالبان، وأن التعامل مع “الشيطان” هو جوهر الدبلوماسية في العالم الحقيقي.
ويتمثل المفتاح في ربط كل خطوة تتخذها الولايات المتحدة في التعامل مع طالبان بنوع المشروطية التي تخدم مصالح كل من الولايات المتحدة والشعب الأفغاني، فضلا عن طالبان.
ويوضح الكاتب أن إعادة فتح السفارة لمساعدة بعض الأفغان والأميركيين المتبقين ومواطني البلدان الحليفة لا يتجاهل معاملة طالبان لحقوق الإنسان أو حرية الدين.
وإن السماح لطالبان بالوصول الكامل إلى احتياطيات صندوق النقد الدولي في أفغانستان والنظام المالي الدولي يمكن أن ينطوي على نفس النوع من المساومة والشروط، ويمكن التعامل مع المعونة الاقتصادية على نفس الأساس.
وقد تستفيد طالبان من هذه التعاملات، ولكن الشعب الأفغاني سيستفيد أكثر بكثير. وقد ينطبق الشيء نفسه على الولايات المتحدة وحلفائها.
مكافحة الإرهاب
تعتبر مكافحة الإرهاب بضربات جوية بعيدة المدى خيارا عسكريا غير مؤكد في أحسن الأحوال للولايات المتحدة، كما أن عزل طالبان قد يشجع أسوأ المتشددين لديها على إحداث تحول نشط في دعم الإرهاب والتطرف الدوليين.
ومن المرجح أن تكون التحولات منخفضة المستوى في سلوك طالبان معتدلة إذا اعترفت الولايات المتحدة بالحركة المتشددة، وتساعدها تدريجيا على دخول النظام الاقتصادي العالمي، وتقدم بعض أشكال المساعدات المركزة بعناية.
ويستنتج كوردسمان إلى أنه إذا لم تتفاوض طالبان على أساس معقول، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سوف يكتسبون مصداقية أكبر بكثير مع العناصر الأكثر اعتدالا التي تبقى في السياسة الأفغانية، ومع الشعب الأفغاني، والعالم الخارجي.
وسيكون من الواضح جدا لبقية العالم أن الولايات المتحدة قد عرضت خيارا وفرصة جيدين، وأنها أبقت هذا الخيار مفتوحا، وأن أيّ أزمة مستقبلية أو أيّ عمل عسكري أميركي للتعامل مع الإرهاب أمر مشروع وفق الباحث الأميركي.