السياسات النقدية تزيد من أعباء التضخم في تركيا

التضخم في تركيا يصل إلى مستوى غير مسبوق ضمن مسار لا يزال محفوفا بالمخاطر.
السبت 2021/09/04
انتكاسة لم تكن في الحسبان

انعكست السياسات النقدية التي تتبعها تركيا سريعا على مؤشر أسعار الاستهلاك الذي شهد ارتفاعا تاريخيا رغم تفاخر الرئيس رجب طيب أردوغان بزيادة الإيرادات وتحقيق الاقتصاد للنمو، مما يؤكد فشل الإجراءات التي تحاول الحكومة من خلالها تحسين المؤشرات.

أنقرة - تعرض برنامج الرئيس رجب طيب أردوغان لتعديل أوتار الاقتصاد التركي لانتكاسة جديدة جراء صعود التضخم إلى مستوى غير مسبوق ضمن مسار لا يزال محفوفا بالمخاطر.

وتسارعت وتيرة التضخم بشكل غير متوقع في أغسطس الماضي للشهر الثالث على التوالي، بعد أن قلل ارتفاع أسعار المواد الغذائية من التأثير المتوقع لخفض الضرائب على بعض فئات السيارات الخاصة.

ويعكس ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند نحو 19.25 في المئة مقابل 18.95 في المئة في يوليو الماضي حجم التحديات، التي تواجه الحكومة في محاولاتها خفض الأسعار لتتمكن من خفض أسعار الفائدة المرتفعة التي تعرقل نمو الاقتصاد.

وتكافح السلطات من أجل إبعاد البلد من دائرة تقلبات النمو العالمي والأزمة الصحية اللتين أثرتا كثيرا على مجمل الأداء التجاري والاستثماري وتسببتا في تراجع غير مسبوق في قيمة الليرة أمام سلة العملات الأجنبية.

وكانت التقديرات الأولية لواحد وعشرين خبيرا اقتصاديا استطلعت وكالة بلومبرغ آراءهم، تشير إلى تراجع التضخم إلى 18.75 في المئة حيث ارتفعت الأسعار في أغسطس بواقع 1.12 في المئة على أساس شهري.

أسعار الاستهلاك ارتفعت بشكل غير متوقع في أغسطس لتصل إلى 19.25 في المئة مقابل 18.95 في المئة قبل شهر

وارتفعت أسعار المواد الغذائية، التي تمثل قرابة 25 في المئة من سلة المستهلك، بنحو 29 في المئة في أغسطس مقابل 24.9 في المئة في الشهر السابق عليه، وبزيادة عن النسبة التي كان يتوقعها البنك المركزي التركي وتبلغ 15 في المئة.

كما ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 20.7 في المئة في أغسطس الماضي مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، مقابل 21.5 في المئة في يوليو، في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية.

وتؤدي معدلات التضخم المرتفعة عادة إلى تآكل القوة الشرائية للسكان وهو ما يعني أنهم يملكون مالا قليلا مقارنة بحاجتهم إلى الإنفاق على شراء السلع أو الحصول على ضمانات لمشتريات مكلفة مثل السيارات والمساكن.

ومع ذلك، يعتقد المحللون أن ارتفاع معدل التضخم يساعد في تخفيف مخاوف المستثمرين بشأن خفض سعر الفائدة على المدى القريب، لأنها تمنحها الكثير من الوقت من أجل جني المزيد من الأرباح.

وقبل الإعلان عن هذه البيانات رجح المحللون تراجع التضخم في تركيا في أغسطس جراء انخفاض أسعار السيارات.

وكانت تغييرات على ضرائب بعض سيارات الركوب الشهر الماضي قد خفضت الأسعار النهائية بحوالي 15 في المئة لسيارة يصل سعرها إلى 300 ألف ليرة (36.3 ألف دولار). كما مددت أنقرة الخصومات لإيجارات الأعمال، وخدمات تقديم الأطعمة والنقل حتى نهاية سبتمبر الجاري.

وفي الوقت الذي تراجعت فيه أسعار النفط في الأسواق العالمية، ارتفعت قيمة الليرة بنسبة 1.7 في المئة أمام الدولار، وهو ما اعتبره البعض مؤشرا على إمكانية تخفيف الضغوط على الأسعار، لكن ذلك قد لا يأتي بنتائج إيجابية كما ينتظرها المسؤولون في تركيا.

ولا تزال الليرة منخفضة بأكثر من نحو 12 في المئة منذ التعيين المفاجئ لشهاب قاوجي أوغلو محافظا للمركزي في مارس الماضي، والذي أبقى أسعار الفائدة دون تغيير عند 19 في المئة في خامس اجتماع يرأسه لمجلس إدارة البنك الشهر الماضي، وهو المحافظ الرابع في غضون عامين.

وعزل أردوغان في يوليو 2019 محافظ المركزي مراد تشيتن كايا بسبب فشل السياسات النقدية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، فيما دق خبراء حينها نواقيس الخطر من أنها بداية مغامرة قد تكون الأخطر في مسيرة انهيار الليرة.

السلطات التركية تكافح من أجل إبعاد البلد من دائرة تقلبات النمو العالمي والأزمة الصحية اللتين تسببتا في تراجع غير مسبوق في قيمة الليرة

ولم تكن إقالة كايا مفاجئة بل كانت مبيتة منذ فترة، لأن المحافظ المقال كان مصرّا على اعتماد منطق اقتصادي سليم في التعامل مع أسعار الفائدة.

وفي نوفمبر العام الماضي أقال أردوغان محافظ المركزي الأسبق مراد أويسال الذي تولى المنصب لفترة تزيد قليلا عن العام بسبب تراجع قيمة العملة لعدة أسابيع، وقام بتعيين ناجي إقبال بدلا منه قبل إقالته.

ويعيش الاقتصاد التركي أزمة مركبة تعود إلى عدة أسباب من أبرزها تراجع سعر صرف العملة المحلية، فيما تسعى الحكومة إلى إعادة عجلة الاقتصاد إلى النمو باتخاذ إجراءات متعددة لا تخلو من المجازفة.

وتراجعت الليرة الضعيفة أصلا بنحو 14 في المئة هذا العام بعد أن لامست أدنى مستوى لها على الإطلاق في يونيو الماضي، مما أدى إلى ارتفاع التضخم بسبب الواردات التركية الكبيرة.

وكان أردوغان قد أعلن قبل أشهر عن خارطة طريق اقتصادية لكبح انهيار الليرة وتخفيض معدل التضخم، وأرجع الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع أسعار الفائدة، قائلا في تصريحات سابقة إنها “أصل كل الشرور” وهي التي تذكي التضخم، لكنه كثيرا ما قال إن متاعب تركيا الاقتصادية كانت نتيجة لهجمات خارجية على الاقتصاد.

ويرى خبراء أنّ الأزمة الاقتصادية في تركيا تعود بالأساس إلى سوء إدارة أردوغان لسياسة البلاد، على المستوى الاقتصادي وكذلك على مستوى السياسة الخارجية، حيث خسرت أنقرة عددا من حلفائها ومستثمرين كبارا جرّاء تدخلات أردوغان العسكرية في أكثر من جبهة.

ويبدو انخفاض حجم الاقتصاد التركي إلى 717 مليار دولار العام الماضي مقارنة مع نحو 760 مليار دولار في 2019، نتيجة طبيعية للهزات التي تعرضت لها البلاد، لاسيما بعدما انكمش النمو في 2018 وذلك للمرة الأولى منذ عقد.

11