الزواج هربا من العنف الأسري عقد قران على ورق سولفان

حكاية فتيات وافقن على الزواج تجنبا لقسوة الأسرة فأصبحن مطلقات.
الثلاثاء 2021/08/31
الزواج المتسرع نهايته الطلاق

يدفع العنف المسلط من الأسر ضد الفتيات والتعامل معهن بقسوة وغلظة قلب، إلى التمرد على أسرهن أو القبول بالزواج من أي شاب بغض النظر عن كونه مناسبا أم لا. وغالبا ما يكون زواج الفتاة التي تتعرض للعنف الأسري عن غير قناعة وينتهي بالطلاق، فتعود الفتاة من جديد إلى مربع العنف الأسري.

القاهرة - أمام انتشار ظاهرة العنف الأسري تجاه الفتيات في مصر وعدم تفعيل التشريعات الخاصة بمحاربة العنف الذي يصدر تجاه المرأة صارت الكثير من الفتيات يلجأن إلى القبول بالزواج على أمل حماية أنفسهن من الاستهداف اللفظي والبدني الذي يطالهن داخل منزل الأسرة باعتبار أن هذه الخطوة قد تكون طوق النجاة لهن.

غالبا ما يكون زواج الفتاة التي تتعرض للعنف الأسري عن غير قناعة، فلا تهتم بأن الشاب المتقدم لخطبتها يتوافق معها فكريا وثقافيا واجتماعيا أم لا، فهي تفكر فقط في كيفية الخلاص من أسرتها والابتعاد عن شرورها والاستقلال بحياتها بعيدا عن الأذى الذي قد يطالها طوال الوقت حتى لو كان الزواج بالنسبة لها فاشل مقدما.

لا تدرك الكثير من الأسر تبعات العنف ضد الفتيات والتعامل معهن بقسوة وغلظة قلب، فيكون أمامهن خياران لا ثالث لهما، إما الهروب من المنزل كنوع من التمرد ورفع راية العصيان ضد الأذى النفسي والجسدي أو القبول بالزواج من أي شاب بغض النظر عن كونه مناسبا أم لا، وغالبا ما يكون الاختيار الثاني هو الأنسب.

من هؤلاء، هالة محمد، التي وافقت على الزواج من شاب تقدم لخطبتها ولم تكن تعرف عنه شيئا، لكنها تعاملت معه باعتباره البوابة السحرية التي تهرب منها بعيدا عن سجن أسرتها وتقييد تحركاتهاوإجبارها على نمط حياة لا تتقبله وحرمانها من كل أنواع الرفاهيات بدعوى أن تدليل الفتاة مدخل لفساد سلوكياتها.

محمد هاني: هروب الفتاة من بيت أسرتها للزواج يقود إلى ارتفاع معدلات الطلاق

تنتمي هالة إلى أسرة مصرية محافظة تتعامل معها بحدة خشية انحرافها أو القيام بسلوكيات قد تلحق العار بها، فهي ممنوعة من تكوين شبكة أصدقاء، ومحرومة من التأخر بعيدا عن المنزل أو الخروج للعمل، وعليها أن تظل حبيسة جدران البيت حتى يأتي إليها الشاب الذي يرغب في الزواج منها شرعا وقانونا.

ورغم تلقيها تعليما جامعيا واهتمام أسرتها بإلحاقها بكلية الإعلام، لكنها التزمت المنزل رضوخا لرغبات والديها وصارت ممنوعة من كل التحركات، وكلما سألت عن سر هذه المعاملة الغليظة جاءت الردود عنيفة، حتى أصيبت بالاكتئاب وقررت أن تتزوج أول شاب يتقدم لخطبتها ولو لم يكن مناسبا ولا يلبي طموحاتها.

قالت الفتاة لـ”العرب” إن الزواج بغرض الهروب من الأسرة أصبح ظاهرة عند أغلب الفتيات في المجتمع ومهما كان الارتباط فاشلا فلن يكون أقسى من المعاملة التي تتلقاها في بيت والدها، من حيث التشدد والحبس والقسوة والتربية الصارمة وتقويم السلوك بطريقة غير إنسانية بحجة عدم الانحراف وسوء السمعة.

تعيش هالة حياة زوجية بائسة، فهي دائمة الخلاف مع شريك حياتها، فالتفاهم بينهما شبه منعدم، لكنها لا ترغب في وصول العلاقة حد الطلاق كي لا تعود إلى سجن أسرتها مرة أخرى، “مهما حدث لن أنفصل عن زوجي، فعلى الأقل أنا أعيش حرة بعض الشيء وأمارس حياتي بشكل طبيعي بعدما وافق زوجي على عملي”.

وإذا كانت هذه الفتاة تحملت أن تكون حياتها الزوجية مليئة بالمنغصات مع شريك حياتها، فهناك أخريات انضممن إلى طوابير المطلقات بعدما انتهت العلاقة بالفشل في أسرع وقت ممكن، فقد تنفصل الفتاة عن زوجها بعد أشهر قصيرة وتصبح بين نار أن تعيش ذليلة لشريكها أو سجينة وتتعرض للعنف في بيت أسرتها، وهذا النمط على الرغم من محدوديته، غير أن وجوده يمكن أن يتزايد في ظل ميراث مجتمعي غير إيجابي أحيانا.

وتبرر شيماء حلمي، التي حملت لقب مطلقة بعد سبعة أشهر من زواجها، أنها تزوجت عن غير قناعة من شاب يعمل في القطاع الخاص، لكن شركته تم غلقها جراء تداعيات فايروس كورونا وتحولت حياتهما إلى جحيم لندرة المال وصعوبات المعيشة وإصراره على أن تعيش معه بالحد الأدنى من المال رافضا البحث عن وظيفة أخرى.

وأكدت الفتاة لـ”العرب” أنها تعرضت للضرب على يد زوجها بعد أسبوع واحد من الزواج، فهو من نوعية الرجال الذين يستسهلون الاعتداء على الزوجة بزعم تأديبها، وكلما طلبت منه المال للإنفاق على احتياجات المنزل يؤذيها نفسيا وبدنيا، وعندما طلبت الطلاق لم يتردد ورجعت إلى بيت أسرتها تعيسة بعدما تزوجت هربا منه.

وأوضحت الفتاة التي تزوجت هربا من عنف أهلها أنها نالت أضعاف الأذى النفسي والبدني بعدما عادت إليهم مطلقة لأنهم يحاصرون كل تصرفاتها وتحركاتها بشكل أكبر بحجة الخوف من أن تقع في الخطيئة بسبب النظرة السلبية للمرأة المطلقة ويتم التعامل معها باعتبارها محرومة من العاطفة والجنس ويمكن إغواؤها بسهولة.

وما زالت بعض الأسر في البيئات المحافظة تتعامل مع تربية الفتيات بذات العقلية القديمة القائمة على الترهيب اللفظي دون مراعاة أن الظروف تغيرت والأجيال الجديدة لديها قدر من الانفتاح والتحرر، وتميل إلى الاحتواء لا العقاب ودفعها للبحث عن بيئة آمنة بعيدا عن بيت الأسرة.

الأنثى تحتاج إلى من يحترم براءتها
الأنثى تحتاج إلى من يحترم براءتها

وأكدت هالة التي تحدثت مع “العرب” بصعوبة أن أغلب الفتيات اللاتي تم تطليقهن في مرحلة مبكرة، وافقن على الزواج للهروب من قسوة العائلة اعتقادا منهن بأن الزوج مهما كان سلبيا لن تكون تصرفات الزوج مثل الأسرة، لكن المرأة قد تصطدم بحياة زوجية كلها عنف وأذى وإهانة، أي أن زواجها كان مكتوبا على ورق سلوفان.

لم تفهم بعض الأسر بعد رغم التغيرات التي طرأت على المجتمعات أن الأنثى بطبيعتها تحتاج إلى من يحترم براءتها وطفولتها وترغب في أن تكون لها خصوصية في التربية، لأن القسوة في المعاملة تجعلها لا تفكر بشكل عقلاني وتميل إلى اختيار الهروب بشكل شرعي من خلال الزواج أو البحث عن أحضان غير شرعية لتكون بالنسبة لها أكثر أمانا من أقرب الناس إليها وهم أفراد أسرتها.

مهما بلغ التحضر المجتمعي مداه يظل استمرار بعض رجال الدين في تصدير صورة مغلوطة عن طريقة تربية الأنثى مدخلا لنشر العنف الأسري ضد الفتيات، خاصة وأن هؤلاء يبيحون ضربها بزعم تقويم سلوكها ويحفزون الآباء على عدم تدليلها حتى لا تخطئ القول والفعل وتعيش طوال حياتها في رهبة من الوقوع في المحظور.

وقال محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية والمتخصص في الطب النفسي بالقاهرة، إن هروب الفتاة من بيت أسرتها للزواج كنوع من البحث عن الاستقلالية ظاهرة خطيرة تقود إلى ارتفاع معدلات الطلاق بنسب غير معقولة، لأن مثل هذه الزيجات تقف خلفها أسباب بعيدة عن السعادة في تكوين أسرة، بل مجرد هروب من واقع أسري يحوي ألما معنويا.

وأضاف أن الفتاة بطبيعتها تميل إلى العاطفة والبيئة الآمنة، وإذا فقدت هذه المشاعر في بيت أسرتها تفكر في البدائل وبينها الزواج، وعندما يكون الارتباط بدافع الهروب من الأذى يفتقد العناصر الأساسية لإنجاحه مثل الاقتناع والقبول والرضا والسعادة، وعندما تغيب هذه المؤثرات يكون مصيره الطلاق.

ويعكس توجه وزارة التضامن الاجتماعي إلى فتح المزيد من بيوت حماية المعنفات، أن الأذى الأسري بحق الفتيات في مصر وصل إلى مرحلة خطيرة، فإن لم تختر الأنثى الزواج اضطرارا فقد تذهب بعيدا عن عائلتها كنوع من التمرد خشية الانزلاق إلى الزواج عن غير اقتناع، طالما أنه يقود إلى الطلاق الحتمي والسريع.

ويعتقد متخصصون في شؤون الأسرة أن اقتناع أرباب العائلات بأن العنف يولد الكراهية ويدفع الأبناء لمسارات مؤذية صار مسألة بالغة الصعوبة، لأنهم ورثوا نمط تربية يعتمد على الترهيب ولا بديل عن الاهتمام بالأجيال الصاعدة لتغيير قناعاتها وثقافتها حيال التربية، باعتبار هؤلاء أرباب أسر المستقبل، من المهم تعريفهم مبكرا بأن العنف يقود لهدم الأسرة ويدفع الفتاة للبحث عن ملاذ آمن بزواج ينتهي بالطلاق.

21