سياسة الهند الخارجية في حيص بيص

نيودلهي - أظهر خطاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي السياسة الخارجية للحكومة الهندية وهي تسير على غير هدى، وذلك في خطابه بتاريخ الخامس عشر من أغسطس المصادف ليوم استقلال الهند، فقد كان الخطاب لافتًا للنظر بشكل خاص بسبب افتقاره لأي إشارة إلى السياسة الخارجية للبلد. وفي الواقع، يمكن استنتاج المزيد مما لم يشر إليه الخطاب بعكس ما يمكن استنباطه مما تضمنه.
وبدلاً من تسمية باكستان أو الصين بمُسمياتهما، أشار مودي إلى الإرهاب والتوسع باعتبارهما التحديين التوأمين اللذين واجهتهما حكومته خلال العام الماضي.
وخلال الصيف الماضي، اشتبك الجيشان الهندي والصيني على طول حدودهما المتنازع عليها في منطقة جبال الهيمالايا، وبالرغم من وقف إطلاق النار المحدود، لا تزال الصين تسيطر على الأراضي التي تطالب بها الهند، ولا تزال الصورة ضبابية إلى الآن، وقد أبدت حكومة مودي تحفظا كبيرا عند الحديث عن تفاصيل وقف إطلاق النار، حتى أن رئيس الوزراء ذهب إلى حد إبلاغ البرلمان العام الماضي أن الصين لم تطأ قدمها الأراضي الهندية.
ومن المحتمل أن الهند لا تزال تحتاط عندما يأتي الحديث عن الصين، بالرغم من كونها جزءًا من التحالف الرباعي، والذي يضم أستراليا واليابان والهند والولايات المتحدة، غير أن الهند لم تتمكن من توظيفه لمصلحتها، مع أن ذلك التحالف يمثل جزءًا من جبهة علنية ضد الصين.
ويفسر هذا إحجام مودي عن ذكر الصين بالاسم، ناهيك عن إحجامه الاحتفال بتقوية وتعضيد العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة. وبشكل عام، يعكس كل ذلك استراتيجية غير مترابطة.
ولا تزال العلاقات مع باكستان في حالة من الجمود، خاصة بعد إلغاء الهند للحكم الذاتي لكشمير في عام 2019 وفرض سيطرة فيدرالية مباشرة على الإقليم، ومن المرجح أن تزداد العلاقات بين الهند وباكستان تعقيدًا خاصة بعد انتزاع حركة طالبان، كما هو متوقع، مقاليد الحكم في أفغانستان.
وستمنح أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان الجيش الباكستاني العمق الاستراتيجي الذي كانت تحلم به ضد الهند. وعلاوة على ذلك، قد يؤدي هذا إلى تصاعد موجات الإرهاب في جنوب آسيا، خاصة في المنطقة التي تسيطر عليها الهند في كشمير.
ومع ذلك، بخلاف الحديث عن الحملة التي يُعتقد أن الهند نفذت من خلالها “ضربات جراحية” على معسكرات إرهابية مزعومة في الأراضي الباكستانية في عام 2019، لم يقل مودي سوى القليل جدًا عن العلاقات السياسية الحرجة التي تربط بلده بباكستان.
أما بخصوص كشمير، فقد تجاهل مودي تمامًا حقيقة أن المشاعر في الإقليم لا تزال جياشة، وأشار إلى استطلاعات الرأي المحلية التي أجريت مؤخرًا. لكنه لم يذكر نسبة الإقبال المنخفضة بشدة في صفوف الناخبين وأن حزبه، حزب بهاراتيا جاناتا، قد مُني بهزيمة ساحقة.
ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام ذكره لـ”لجنة ترسيم الحدود”، وهي هيئة مكلفة بإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في المنطقة، حيث يشعر الكشميريون بالقلق من اللوائح والتشريعات التي فرضتها الهند والتي تسهل على الأشخاص من خارج كشمير المطالبة بحقوق السكن وشراء الأراضي في المنطقة. ويزعمون أن هذا جزء من خطة الهند لتغيير التركيبة السكانية في منطقتهم، مثلما فعلت الصين مع شينجيانغ، حيث أدت سنوات من هجرة الصينيين إلى تقليص عدد الأويغور إلى أن أصبحوا أقلية في عدة مدن.
ويساور الكشميريون الشكوك في أن لجنة ترسيم الحدود التي عينتها الهند ستهتم بالأراضي على حساب مصلحة الجمهور وتعيد هندسة المجلس المنتخب للإقليم ليتضمن تمثيلا أكبر للمناطق ذات الأغلبية الهندوسية في المنطقة، مما يقلل من التمثيل السياسي للمسلمين، ويعتبر اختيار مودي لذكر لجنة ترسيم الحدود بشكل صريح في خطابه إشارة إلى استعداده لقبول خسائر على صعيد السياسة الخارجية بسبب الوضع القابل للاشتعال في كشمير طالما أنه يستخدم ذلك الوضع كمسألة رمزية يمكن من خلالها الحصول على الدعم من قبل القاعدة القومية الهندوسية.
ولم يقل مودي شيئًا عن أفغانستان، والتي تعد إحدى أكبر الكوارث التي تعرضت لها سياسة الهند الخارجية مؤخراً، ونظرًا لأن الحكومات المتعاقبة لم تكن قادرة على التفكير فيما وراء علاقات طالبان مع باكستان، فإن نيودلهي اليوم، على عكس طهران أو موسكو، ليس لديها أي سُلطة على الجماعة المسلحة، وتهدد سيطرة طالبان على أفغانستان الاستثمارات الهندية والتي استمرت منذ عقود في القطاعين الاجتماعي والسياسي.
أما في ما يتعلق بميانمار، فلم يقل مودي أي شيء، سوى ذكر الدولة كجزء من سياسة دلهي للتطلع إلى الشرق، والذي يهدف إلى زيادة الروابط مع دول جنوب شرق آسيا. ومع ذلك، لم تتمكن الهند من تطوير نهج متماسك إلى الآن تجاه الطغمة العسكرية التي تحكم البلاد في ميانمار، وتراقب بلا حول ولا قوة بينما تنجرف البلاد أكثر نحو الصين.
وفي خطابه الأخير، قال مودي للشعب الهندي إنهم على وشك الدخول إلى مرحلة الـ”عمريت كال” أو فترة الخلود حسب (الأساطير الهندوسية، حيث تشير عمريت إلى أمبروزيا التي تمنح الخلود بينما كلمة “كال” تعني فترة دورية من الزمن). ويبدو أن تلك الكلمات قاسية وخالية من الشفقة والرحمة، خاصة أن ما يصل إلى خمسة ملايين هندي ربما فقدوا أرواحهم بسبب فايروس كوفيد المستجد خلال العام الماضي، ويمثل ذلك الرقم عشرة أضعاف عدد الوفيات وفق سجلات الحكومة الهندية، ولكن في ما يتعلق بمسألة السياسة الخارجية، لم يقل مودي الكثير، وقوله القليل يحمل الكثير من الدلالات.