مرضى السرطان في لبنان يموتون عدة مرات في اليوم

شحّ الأدوية أدى إلى ارتفاع ثمنها بشكل كبير، وتفاقمت معاناة أغلب المرضى الذين باتوا عاجزين عن توفير علاجاتهم أو تحمّل كلفة شرائها.
السبت 2021/08/28
الحكومة لا تأبه للمرضى

كفرنبرخ (لبنان) – لم تتخيل ريتا يوماً أن توفير الأدوية الضرورية لمتابعة علاجها من مرض السرطان سيؤرقها أكثر من إصابتها بداء ينهش جسدها منذ ثلاث سنوات، بعدما لم تسلم أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة من تبعات الانهيار الاقتصادي.

وتقول ريتا (53 عاماً) -التي فضلت استخدام اسم مستعار، بينما لم تقو على حبس دموعها “مريض السرطان أكثر من يتعذّب في الكون (…) العلاج أشبه بنار تدخل جسدك.. وفوق ذلك كله علينا أن نبحث عن الدواء”.

وأدى شحّ الأدوية إلى ارتفاع ثمنها بشكل كبير جراء انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتفاقمت معاناة أغلب المرضى الذين باتوا عاجزين عن توفير علاجاتهم أو تحمّل كلفة شرائها.

وكانت وزارة الصحة توفّر الأدوية لمن ليس لديهم ضمان صحي بشكل شبه مجاني ويستفيد منها الكثيرون، بينهم ريتا التي تم تشخيص إصابتها بسرطان عنق الرحم قبل ثلاث سنوات، قبل أن يتمدد مؤخراً إلى رئتيها ويسبّب لها عدة مضاعفات صحية. 

الصورة

وتقول ريتا -وهي أم لثلاثة أولاد وتقيم في منزل شقيقها الذي يعيلها في منطقة الشوف- بينما تعرض مجموعة الأدوية التي تتناولها “ذهب أخي إلى وزارة الصحة ليبحث لي عن دواء ولم يجده. لا أعلم ما الذي يجب أن أقوم به”.

وبعد أن فسّرت بإسهاب مراحل علاجها وما سبّبه من التهابات في الدم والبول، إضافة إلى إصابتها مؤخراً بداء السكري، أوضحت وهي تجهش بالبكاء أنها استدانت المال لتشتري الدواء مؤخراً من السوق.

وتسأل بحرقة “إذا لم أتمكن من الاستدانة هذه المرة، ماذا أفعل؟ هل أنتظر حتى يحين دوري (للحصول على الدواء من وزارة الصحة) وتفوتني مرحلة من العلاج ويتفشّى السرطان أكثر؟”. وتضيف “إذا لم يتوفر الدواء فسأموت…”، ثم تتابع بيأس “في الحالتين أنا ميتة”.

وبحسب تقرير نشره “المرصد العالمي للسرطان”، المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في مارس 2021، سجل لبنان 28.764 ألف إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينها 11600 حالة عام 2020. إلا أن أطباء يوضحون أن عدد من يتلقون العلاج يتجاوز هذا الرقم باعتبار أن مدة علاج بعض المرضى قد تمتد لسنوات.

ويوضح رئيس جمعية أطباء الدم في لبنان الأستاذ أحمد إبراهيم أن نحو ألفين إلى 2500 حالة لوكيميا وأمراض لمفاوية تسجّل سنوياً في لبنان، ولا يتوفر حالياً “إلا القليل من الأدوية التي تُستخدم في علاج هذه الحالات”.

ويحذّر من أنّه “إذا لم يُتابع علاج هؤلاء بطريقة دوريّة فسيموت البعض منهم”، منبّهاً إلى أن “بعض المرضى كانوا على وشك الشفاء وبلغوا مرحلة قرب انتهاء العلاج. وفجأة قُطع عنهم الدواء”.

الصورة
معاناة يومية

ومنذ مطلع هذا العام يبحث اللبنانيون عبثاً عن أدويتهم في صيدليات باتت رفوفها فارغة. وينشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي يومياً أسماء أدوية يحتاجونها، بدءا بمسكنات الألم العادية ومروراً بأدوية الأمراض العادية والمزمنة. وبات الكثيرون يعتمدون على أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الخارج لتأمين أدويتهم بأسعار مرتفعة جداً مقارنة بالسعر المحلي المدعوم، في وقت أصبح فيه 78 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.

واعتادت الشركات المستوردة تقديم فواتير الاستيراد إلى مصرف لبنان لتسديدها في إطار سياسة الدعم. لكن بعد شحّ الدولار وازدهار عمليات التهريب والاحتكار والتلاعب بالأسعار بات يطلب موافقة مسبقة من وزارة الصحة على الأدوية التي يراد استيرادها، على أن يسدّد الفواتير لاحقا، وهو ما أدى إلى تراكم مستحقات الشركات. وتوقفت الأخيرة تدريجياً عن الاستيراد.

وعلى وقع الأزمة أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن الأربعاء عن عزم البنك الدولي ومؤسسات دولية “تخصيص مبلغ 25 مليون دولار لشراء أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية” من أجل توفيرها للبنانيين.

وتنادي عدة مبادرات وجمعيات -من بينها جمعية بربارة نصار التي تعنى بدعم مرضى السرطان- بضرورة مواجهة الأزمة، وقد نظمّت الخميس وقفة احتجاجية في بيروت شارك فيها العشرات من المرضى مطالبين بتأمين أدوية السرطان.

الكثير من الجمعيات نظمت وقفة احتجاجية في بيروت شارك فيها العشرات من المرضى بالسرطان مطالبين بتأمين أدوية السرطان

ويقول هاني نصار رئيس جمعية بربارة نصار “تخيّلوا أنّه في لبنان يُطلب من مريض السرطان، مع كلّ همومه، أن ينزل إلى الشارع ويطالب بالدواء”، ويتساءل “ما ذنب المريض إذا كانت الدولة عاجزة عن ضبط الأزمة؟”.

وينبّه إلى أن الخطورة تكمن في أن بعض المرضى “قد يفارقون الحياة لاحقًا” ما لم يتناولوا “أدوية تحمي أجسامهم من تفشّي أوسع للسرطان”.

بعد ثمانية أشهر من زواجها علمت باتريسيا ناصيف (29 سنة) في أبريل أنّها مصابة بسرطان الثدي، وهو ما قلب حياتها رأساً على عقب بعدما كانت ترغب في أن تصبح أماً.

وتروي الشابة -التي تتصفح صوراً قديمة لها على هاتفها قبل أن تضع شعراً مستعاراً ويزداد وزنها جراء العلاج- كيف أنّها كثيراً ما “تفقد الأمل” وتسأل نفسها عمّا إذا كانت “ستعيش وإلى متى؟”. وأكثر ما يقلقها حالياً هو كيفية توفير دواء تحتاجه خلال خضوعها لـ12 جلسة علاج ستبدأها قريباً، وهو حالياً مقطوع من السوق.

وتقول وهي تشعر بالقهر “هذا ذلّ. من المحتمل أنّ يذهب كلّ المجهود الذي بذلناه سدىً ويعاود السرطان تفشّيه”. وتتابع “كأنّهم يقولون لنا، موتوا على مهل، (…) لا أعلم ما إذا كان المسؤولون يريدون أن نموت أو نحيا. هم لا يسألون عن أرواحنا”.

17