مشروع ترفيهي يكشف سوء إدارة بلديات أردوغان

أنقرة- سلطت عملية إغلاق مشروع ترفيهي كلف الملايين من الدولارات في أنقرة الضوء على حجم السخط الشعبي الكبير على نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم منذ عشرين عاما.
وكان ينظر إلى مشروع “ووندرلاند أوراسيا” الترفيهي في أنقرة كأكبر مدينة في أوروبا و”مصدر فخر” بحسب تعبير أردوغان، لكنه بدلا من ذلك بات دليلا على سوء الإدارة والإهمال.
وازداد الغضب الشعبي على الرئيس التركي الذي يتجه نحو انتخابات مزدوجة رئاسية وتشريعية حساسة في عام 2023 وسط أزمة اقتصادية كبيرة.
ويعد المشروع الترفيهي المهمل الآن في تركيا، والذي غطى الصدأ بعض الألعاب فيه منذ إغلاقه بعد أقل من عام على افتتاحه في مارس 2019، شاهدا على الهدر وعجرفة بعض مسؤولي الحزب الرئاسي “حزب العدالة والتنمية”.
وساهم السخط الذي أثاره بناء المشروع الضخم باعتباره غير ضروري ومكلفا في إنهاء الحكم الطويل للمحافظين الإسلاميين على أنقرة، التي فازت بها المعارضة في الانتخابات البلدية عام 2019.

تزجان جاندان: المشروع يظهر الطريقة التي يخون بها حزب أردوغان المدن
وكانت نتائج انتخابات 2019 بمثابة نكسة كبيرة لحزب أردوغان بعد خسارته البلديات في المدن ذات الثقل التاريخي للحزب الإسلامي الحاكم على غرار العاصمة أنقرة وإسطنبول وأنطاليا وأضنة وأزمير. ويقول محللون إن تلك الانتخابات شكلت ضربة موجعة لأردوغان الذي راكم الانقسامات والخلافات والأزمات داخليا وخارجيا خلال السنوات الماضية.
وينظر أردوغان إلى الخسارة الانتخابية لأهم البلديات في تركيا بأنها تستدعي “صحوة” داخل حزبه. وفي الثالث والعشرين من يونيو الماضي دعا “رؤساء البلديات (الذين يتبعون لحزب العدالة والتنمية) إلى مواصلة إخلاصهم وتواضعهم عند تقديم الخدمات للناس”.
واتهم الأتراك على مدار السنوات الماضية حزب العدالة والتنمية بالاستفادة من خلال البلديات والمجالس النيابية في إثراء قادته عبر مشاريع واستثمارات تمت لحساباتهم الخاصة.
وفي يونيو الماضي اتهمت بلدية إسطنبول رئيسها السابق قادر توباش الذي يتبع لحزب العدالة والتنمية بالفساد على خلفية صفقة بيع وشراء أراضي عن طريق شركة مرتبطة بصهره كبدت البلدية خسارة قدرها 106 ملايين دولار.
ولم تكن مدينة الملاهي في أنقرة الوحيدة إلا أنها تعبر عن المرارة التي يعيشها الأتراك من سوء الإدارة السابقة لحزب العدالة والتنمية.
وعانت مدينة الملاهي من مشاكل مبكرة، فبعد يومين من افتتاحها بقي قطار عالقا في أعلى أفعوانية ما أجبر الركاب على النزول سيرا. كما لقي الزوار مفاجأة غير سارة عندما اكتشفوا مراحيض في حالة سيئة وألعابا غير مكتملة البناء ومناطق من المتنزه يحظر الوصول إليها بسبب الورشة القائمة فيها.
وترك إغلاق المدينة الترفيهية في المكان مجسمات وألعابا يأكلها الصدأ وشعورا قويا بالمرارة بين الأتراك في العاصمة أنقرة. وكان هذا المشروع بمثابة ضربة إضافية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بالإضافة إلى قضايا أخرى لا تقل أهمية بشأن اتهامات بالفساد وسوء الإدارة والتنظيم والنقمة الواسعة على نظام أردوغان بعد حملته الواسعة على المعارضين على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016 وما تلاها.
وتقول تزجان جاندان، رئيسة غرفة المهندسين المعماريين في العاصمة التركية، “ما كانت تحتاجه أنقرة، ليس متنزها ترفيهيا، إنما تحسين وسائل النقل.. كان مشروعا باهظا”، مؤكدة أنه كان هناك متنزه آخر كبير في أنقرة.
ويرى معارضو أردوغان أن هذا المشروع أصبح رمزا للهوة القائمة بين الطبقة الحاكمة ومشاغل السكان.
وتشير جاندان إلى أن رئيس بلدية أنقرة السابق مليح جوكتشك التابع لحزب العدالة والتنمية “يظهر الطريقة التي تخون بها الإدارات المحلية لحزب العدالة المدن والطريقة التي تعمل بها من أجل ترتيب عملية نهب” للأموال العامة.
ورفعت بلدية أنقرة دعوى قضائية ضد الشركة المسؤولة عن “ووندرلاند أوراسيا” على أمل السيطرة عليها، ووضع الأرض الشاسعة التي بنيت عليها في استخدام مثمر. وينتظر صدور قرار في الثالث عشر من سبتمبر المقبل.
وبحسب رئيس البلدية الحالي الذي ينتمي إلى المعارضة منصور ياواش فإن هذا المشروع الموروث من مليح جوكتشك، كلف أكثر من 680 مليون يورو.
السخط الذي أثاره بناء المشروع الضخم باعتباره غير ضروري ومكلفا ساهم في إنهاء الحكم الطويل للمحافظين الإسلاميين على أنقرة
ويعترض جوكتشك، الذي تولى رئاسة بلدية أنقرة من 1994 إلى 2017، على هذا الرقم مشيرا إلى أن الكلفة بلغت 420 مليون يورو. لكن رئيس البلدية السابق الذي أعفاه أردوغان من مهامه قبل نهاية ولايته الأخيرة، يبقى مرتبطا بعدة مشاريع بناء مثيرة للجدل.
وكان يفترض أن يؤدي مشروع “ووندرلاند أوراسيا” الذي عرف أولا باسم “انكابارك”، إلى تطوير السياحة في أنقرة، وهي مدينة إدارية عموما، بعيدة عن سحر إسطنبول أو المنتجعات البحرية في جنوب البلاد.
وكان جوكتشك أعلن سابقا أن مدينة الملاهي ستجتذب عشرة ملايين زائر سنويا إلى العاصمة. وقد استقبلت نصف هذا العدد في 2019.
وبالنسبة إلى غوفين عارف سارغان أستاذ الهندسة المعمارية في الجامعة التقنية للشرق الأوسط في أنقرة، فإن رغبته في جعل العاصمة مركزا سياحيا كانت بمثابة “نزوة طفولية”.
ويرى العديد من سكان أنقرة أن الخطأ الرئيسي مصدره جوكتشك ليس لأنه انخرط في مشروع ضخم ومكلف وإنما لأنه دمر مساحة طبيعية مرتبطة بمؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك وتحمل اسمه أيضا.
وتضم “مزرعة غابة أتاتورك” التي أقيمت عام 1925، حديقة حيوانات وبساتين. كان مؤسس الجمهورية أنشأها لكي تلبي الاحتياجات المستقبلية للعاصمة من المنتجات الزراعية.
ويرى المعارضون لأردوغان أن بناء مدينة ملاهٍ في هذا المكان الرمزي هو جزء من مشروع محو إرث أتاتورك الذي يتهمون السلطة به.
وبالنسبة إلى جاندان فإن حلا “جذريا” فقط يمكن أن يتيح طي الصفحة. وقالت “يجب إعطاء الألعاب إلى مناطق قد تحتاجها، طلب تعويضات من مليح جوكتشك عن المال الذي أهدر واستخدام ذلك المال في إعادة تشجير المنطقة.. مع مثل هذه القرارات، يمكن أن يعود المتنزه إلى وضعه الأساسي”.