هل فشلت الحرب على الإرهاب حقا

الحركة الجهادية العابرة للحدود باقية وتتمدد في كل الاتجهات.
الجمعة 2021/08/27
الجهاديون ينظرون إلى التطورات في أفغانستان على أنها حافز لإعادة تفعيل أنشطتهم

يوافق الحادي عشر من سبتمبر المقبل مرور عقدين من الزمن على انطلاق الحملة العالمية على الإرهاب، وسط تساؤلات عن مدى نجاحها بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان ومخاوف غربية متزايدة من إعادة تفعيل جماعات إرهابية، على غرار القاعدة، لأنشطتها من جديد.

واشنطن - لم تنه الحرب على الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة قبل نحو عشرين عاما مخاطر الحركة الجهادية. وبات الفشل واضحا في تلك الحرب على الرغم من مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي كان بمثابة العدو الأول والمطلق للغرب.

وفرضت سيطرة طالبان على السلطة وبروز تهديدات إرهابية جديدة تساؤلات حول التهديد الأول الذي انطلق منه الغرب في حربه قبل عشرين عاما في أفغانستان، وهل كان الأمر يستحق هذا العناء طوال العقدين الماضيين بعد عودة طالبان، التي احتضنت القاعدة، إلى السلطة.

وأظهرت نتائج الحرب على الإرهاب مدى فشلها في مكافحته بعد بروز تنظيمات إرهابية أخرى لا تقل خطورة عن تنظيم القاعدة، الذي يعد الملهم الأول للجماعات الجهادية.

توري هامينغ: النزاعات مثل ما وقع في سوريا يمكن أن تحشد الآلاف من المتطرفين

وكان أسامة بن لادن قبل مقتله قد اتخذ من أفغانستان مقرا رئيسيا لشن هجمات ضد أهداف غربية، ونفذ تنظيمه هجمات مروعة استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

تروج الإدارات الأميركية ومن بينها إدارة الرئيس جو بايدن إلى أن مقتل أسامة بن لادن وإنهاء وجود تنظيم القاعدة كانا الهدفين الأساسيين من الحرب في أفغانستان، لكن بالنظر إلى نتائج تلك الحرب والفوضى المستمرة وتواصل التهديدات الإرهابية، يتبين أن الاستراتيجيات التي اتبعت في مكافحة الإرهاب باءت بالفشل.

وحين كان الدخان لا يزال يتصاعد من برجي مركز التجارة العالمي أطلق الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش “الحرب ضد الإرهاب”. الهدف كان نظام طالبان في أفغانستان بسبب سماحه للقاعدة بالتحضير للاعتداء الأكثر دموية ضد دولة غربية.

وبعد سنتين وانتصار عسكري لاحقا، أعلن بوش في يناير عام 2003 في خطابه التقليدي حول حالة الاتحاد أن “في أفغانستان، ساهمنا في تحرير شعب مضطهد وسنواصل مساعدته على جعل بلاده آمنة وإعادة بناء مجتمعه وتعليم كل أولاده، صبية وفتيات”.

لكن التاريخ لم يصغ إليه. استعادت حركة طالبان كابول وأعادت فرض الشريعة الإسلامية. سواء اعتبر خطابها المهادن ذا مصداقية أم لا فإن إسلاميين متطرفين مقربين جدا من القاعدة باتوا يديرون البلاد.

ويقول عبدالسيد، وهو خبير الشؤون السياسية بجامعة لوند في السويد، “لقد نجحوا في قتل بن لادن، لكن الهدف كان إنهاء الحركة الجهادية العابرة للحدود، وهو فشل كامل”.

وتمتلك الحركات الجهادية في العالم قوة للبقاء تتماشى مع طبيعتها المرنة لمواجهة التهديدات المستجدة. وباتت التنظيمات الإرهابية التي تنشط في أكثر من مكان، على الرغم من خفوت بعضها، تشكل تهديدات مستمرة سواء في أفغانستان نفسها أو الشرق الأوسط ومناطق التوتر في أفريقيا.

ويعد تنظيم القاعدة مثالا على توالد التنظيمات الجهادية، ونشط بعده تنظيم الدولة الإسلامية الذي تعرض لهزيمة في سوريا والعراق، لكنه لا يزال يشكل تهديدات في أماكن مختلفة حول العالم.

ويقول عساف مقدم، الباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في إسرائيل، إنه “لا يمكن هزم الإرهاب. التهديد يتطور باستمرار”.

Thumbnail

وفي عام 2018 اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن عدد المجموعات الإرهابية النشطة يبلغ 67 في أعلى مستوى له منذ عام 1980. أما بالنسبة إلى عدد المقاتلين فإنه يختلف بين مئة ألف و230 ألفا أي بزيادة قدرها 270 في المئة مقارنة مع تقديرات عام 2001. حتى مع الاعتراف بأن الأرقام قد تتفاوت، فإن الاتجاه غير قابل للنقاش.

ويقول محللون إنه بالنظر إلى الإنفاق الذي حصل على مكافحة الإرهاب فإن الحصيلة كارثية وتشير إلى أخطاء واضحة. وأنفق الأميركيون وحدهم أكثر من ألف مليار دولار في أفغانستان.

كما يُنظر إلى غزو العراق، والإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، عام 2003 على أنه خطأ فادح كلف الكثير على صعيد الحرب على الإرهاب.

ويقول سيث جونز، الخبير في شؤون الإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، “لقد أتاح للقاعدة أن تنهض مجددا ما أرسى أسس قيام تنظيم الدولة الإسلامية”.

ويتحدث المراقبون عن استراتيجية تفضل المواجهة دون الأخذ في الاعتبار بشكل كاف ما يشكل أرضية خصبة للجهاديين: الحرب والفوضى وسوء الحكم والفساد.

أفريقيا باتت الحدود الجديدة للحركة الجهادية في منطقة الساحل والصومال وليبيا، ويشير التوسع في المنطقة إلى الفشل

ويقول توري هامينغ، الباحث في قسم دراسات الحرب في كينغز كوليدج لندن، إن “نزاعات مثل ذلك الذي وقع في سوريا يمكن أن تحشد الآلاف من المقاتلين وتجعلهم متطرفين في فترة قصيرة”.

ويضيف هامينغ “المشكلة الأساسية ليست عسكرية، حيث إحدى الآليات الأقوى لمنع تجنيد متشددين إسلاميين هي تزويد الناس ببدائل أفضل. الأسلحة لا تقوم بذلك”.

وبعد عشرين عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر تغيرت الخارطة. كانت الحركة الجهادية برأس تجسده القاعدة وباتت الآن برأسين منذ إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية وإعلان “الخلافة” في مناطق سيطرته في سوريا والعراق قبل خمس سنوات بين عامي 2014 و2019.

وتغير المدى الجغرافي للتهديد الجهادي، حيث كانت المجموعات مقتصرة على الشرق الأوسط، وهي الآن منتشرة أيضا في مختلف أنحاء أفريقيا، ومعظم أنحاء العالم العربي وكذلك في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.

والروابط بين هذه الجماعات الجهادية محدودة وعلاقاتها مع القيادة المركزية ضعيفة في معظم الأحيان. مطالبها المحلية تعلو على الطموحات الدولية.

ويشير عساف مقدم إلى أن بعضها أصبح “لاعبا سياسيا خطيرا”. ويضيف “لم نعد نتحدث عن عدد قليل من الأشخاص الذين يجب وضعهم على لائحة المراقبة، لقد انتشر التهديد. هناك أعداد أكبر من الأنظمة في مناطق مشتتة تواجه تطرفا عنيفا”.

وأصبحت أفريقيا الحدود الجديدة للحركة الجهادية في منطقة الساحل والصومال وليبيا وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويشير التوسع هنا أيضا إلى الفشل.

وتقول بريندا غيثينغو، المحللة في شؤون مكافحة الإرهاب ومقرها جوهانسبورغ، إن جبهة الجهاد “انتقلت من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، ولا أعتقد أن ذلك كان متوقعا”، مشيرة إلى عدم قدرة الغرب على “توقع ظهور ساحة معركة جديدة أو الأخذ بالاعتبار قدرة أفريقيا من حيث الجهاد الجديد”.

Thumbnail

لكن في المعسكر الغربي أيضا، تغيرت الأمور. لقد تغير النظام العالمي. أدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر بين ليلة وضحاها إلى إعلان “الإرهاب الإسلامي” هو العدو الأول للولايات المتحدة وحلفائها. ومنذ ذلك الحين تزايد التوتر خصوصا مع إيران وروسيا وبشكل خاص مع الصين.

ويقول سيث جونز إن “الولايات المتحدة غيرت أولوياتها” وتشعر بالقلق، على غرار عواصم غربية أخرى، من التهديد الصيني. ويضيف أن “هناك نقاشا كبيرا داخل مجموعة الاستخبارات الأميركية حول مسألة ما إذا يجب مواصلة الابتعاد عن مكافحة الإرهاب أم لا”.

لكن هناك تهديدات أخرى بدأت تلوح. بالتأكيد، يبدو أنه لا القاعدة ولا تنظيم الدولة الإسلامية يمتلكان الوسائل اللازمة لضرب الغرب على الفور باعتداءات جماعية، كما حصل في باريس في الثالث عشر من نوفمبر عام 2015.

لكن الشرطة وأجهزة الاستخبارات تتابع أشخاصا يتحركون بمفردهم أو ناشطين معزولين وفي بعض الأحيان يكونون قد ولدوا في دول يضربونها، وغالبا ما ينتقلون إلى التطرف على الإنترنت أو يقتلون دون تمييز، تحت مسميات مختلفة بسكين أو سلاح ناري أو شاحنة.

وبالتالي فإنه بعد عشرين عاما، لم يتم هزم التهديد الجهادي بعد، بل إنه تغير. كما قام بتقليده أشخاص متعصبون للعرق الأبيض أو متطرفون يمينيون.

وقال عساف مقدم إن هذا بالتأكيد هو تحدي السنوات المقبلة. وأضاف “هناك درجة معينة من التسامح والتعاطف في الغرب مع أفكار اليمين المتطرف”. وتابع “هم يستمدون أفكارهم بشكل كبير من القومية التي كانت عقيدة قوية منذ قرن ونصف قرن”.

7