مهرجانات سينمائية تحت وهج الصيف وشراسة كورونا

المهرجانات السينمائية ليست إلا جزءا من مشروع الدبلوماسية الثقافية الناعمة أو هي جزء من مشروع متكامل للتنمية الثقافية والذي يتضمن دعما سنويا ماديا وتقنيا للإنتاج السينمائي ولمهرجانات السينما على السواء، فماذا إذا لم تتوفّر لا دبلوماسية ثقافية ولا تنمية سينمائية في تأسيس المهرجان السينمائي؟
لا يكاد يمر يوم إلا وهنالك خبر قادم من العراق يتعلق بمعضلة بلا حل فتكت بحياة العراقيين واستنزفت أموالهم وهي مشكلة انقطاع التيار الكهربائي مع تصاعد مخيف لتفشي فايروس كورونا، ولكن وفي موازاة هذا المشهد تقام مهرجانات سينمائية على مستويات مختلفة وبعضها لا شيء مهما فيه سوى عرض متشابك بواسطة جهاز داتا شو.
ليس مهما في أجواء ملتبسة كهذه القيمة الجمالية والإبداعية ولا عدد من يمكن أن يصابو أو أصيبوا بالفايروس من المجتمعين في تلك الصالات المكتظة بالناس، لأن الصور تظهر جمهورا وحضورا بلا تباعد اجتماعي ولا كمامات وهم يلتقطون صور السيلفي ويتصافحون ويتعانقون وكأن شيئا لم يكن.
بالطبع تقع هذه المناسبات وكثرة الفعاليات من هذا النوع في بلد بعيد كل البعد عن السينما فالصالات السينمائية التي ارتبطت بالوجدان العراقي والذاكرة العراقية وارتبطت أيضا بموقعها في أهم شوارع بغداد، تلك الصالات إما أنها اختفت واندثرت بعد الغزو والاحتلال الأميركي بعد 2003 أو أنها تحوّلت إلى مستودعات ومخازن تجارية.
وبقي الأمر مقتصرا على تجارة الصالات المكيّفة التي تقع في مولات تجارية شكلت ظاهرة جديدة أخرى على حياة العراقيين فمن جهة هنالك مولات ضخمة وصالات عرض حديثة تجاور مجتمعات الفقر والبطالة، فالعروض السينمائية ليست بالضرورة معنية بما هو على الجانب الآخر من تلك البلاد من صورة مأساوية قاتمة.
وأما إذا انتقلنا إلى المسألة الأخرى الأكثر أهمية في هذا الموضوع الإشكالي وهو السؤال عما يعرضون في تلك المهرجانات والصالات، وبداهة ومثل أي مهرجان محلي سوف يكون مطلب الإنتاج السينمائي المحلي هو الأساس، فكيف والإنتاج العراقي للأفلام الروائية الطويلة منذ سنوات لم يتعدّ حاجز الصفر في كل عام في بلد يجلس على بحار من الثروة لا ينفق منها فلسا واحدا على الإنتاج السينمائي ولا يوجد فيه ولا تعترف الجهات الحكومية بالسينما أصلا ولا تقيم لها وزنا وليس في برامجها أي صندوق لدعم السينما.
والحاصل أن الأفلام العراقية القصيرة التي ينجزها شباب طموحون هي ليست إلا بجهودهم الشخصية وبميزانيات بسيطة يخرجونها من جيوبهم ولا أحد يهتم كيف أنجز ذلك المخرج فيلمه تحت قيض لاهب تصل الحرارة فيه إلى 50 درجة مئوية ووسط كارثة وبائية تفتك بالناس.
بالطبع لا يعنى المنظمون لهذه المهرجانات بتوقف مهرجانات عالمية مهمة أو في الأقل اتخاذها أقصى تدابير الوقاية الصحية من فحص مسبق لدرجة حرارة الداخلين أو حيازتهم التلقيح الكامل وارتدائهم الكمامات وترك مسافات بين بعضهم البعض، كل ذلك لا يحضر في المهرجانات العراقية المتكاثرة المتزاحمة وبين حين وآخر يظهر مهرجان جديد باسم جديد.
خلال ذلك نجد أن الحكومة والوزارة المعنية ومؤسسة السينما كلهما تنأى بأنفسها عن نشاطات كهذه فلا يظهر لها صوت لا هي معها فتدعمها بالمال الكافي وتساعد القائمين عليها وتساهم بتطويرها، ولا هي ضدها فتؤاخذ عليها ضعف وقلة الإنتاج المحلي وتعريض حياة الحاضرين إلى الخطر بسبب عدم مراعاة المحاذير الصحية.
وفي تجارب عربية وغير عربية هنالك دروس يمكن الاستفادة منها، ومثال على ذلك في المغرب هنالك مؤسسة حكومية هي المركز السينمائي هو الذي يشرف بنفسه على المهرجانات السينمائية وهو الذي يجيزها وهو الذي يخصص للمهرجانات المجازة ميزانيات سنوية ثابتة ويصنف المهرجانات على مستويات متعددة، لكن المعنيين بالأمر يبدو أنه ليس من أولوياتهم ترشيد ذلك النشاط المهرجاني في تلك البلاد تاركين الناس في مهب الريح، أفلام بلا دعم ومهرجانات تتكاثر بطريقة عشوائية وحرّ لاهب وفايروسات لا ترحم.