التغييرات الاجتماعية والاقتصادية في السعودية توازنات صعبة

ألقت تداعيات الجائحة العالمية والتراجع الحاد في أسعار النفط بظلالها على اقتصادات الدول الخليجية ومن بينها المملكة العربية السعودية التي تمرّ بمرحلة تغيرات اجتماعية كبرى، فيما تحذر تقارير من مواجهتها تغييرات اقتصادية واجتماعية صعبة مستقبلا ما سيدفع السلطات الحاكمة إلى البحث عن توازنات دقيقة تضمن لها الحفاظ على سياسة اجتماعية وأخرى اقتصادية متكافئتين وتسهمان في حماية السعوديين من خطر التشدّد الديني.
الرياض – تواجه تحولات الدولة السعودية الرابعة التي رسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ملامحها في السنوات الأخيرة عبر جملة من التغييرات الجذرية خصوصا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وفق رؤية 2030، الكثير من التحديات داخليا وإقليميا ودوليا، وهو ما يصعّب على قيادة البلاد مهمة خلق توازنات اجتماعية واقتصادية للسعودية مستقبلا.
ويرى المحلّل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي أن السعودية مقبلة على تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى، لكنه يؤكد في المقابل أن رؤية 2030، خطة الإصلاح التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من شأنها أن توفر حماية للمواطنين من آلام التغيير الاقتصادي من خلال جملة من الإجراءات من بينها توطين الوظائف.
مؤشرات متراجعة
أطلق البنك الدولي في توقعاته للعام 2018 للاقتصاد السعودي ثلة من التحذيرات، حيث قال إنه “من المحتمل أن تواجه المملكة مشكلة فقر تلوح في الأفق”.
وفي توقعاته لعامي 2019 و2020 لاحظ البنك أنه “على الرغم من عدم توفر معلومات رسمية حول الفقر، فإن تحديد الأسر ذات الدخل المنخفض ودعمها يمثل تحديا”. كما أنه استنادا إلى أسعار النفط العالمية، لم يبد منحنى الناتج المحلي الإجمالي السعودي للفرد خطا مستقيما صاعدا بل كان نازلا.
وفي إحدى الفترات انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بمقدار النصف تقريبا من ذروة بلغت 17872 دولارا في 1981 إلى 8685 دولارا في 2001، وهو العام الذي شكل فيه 15 سعوديا من الطبقة المتوسطة غالبية الجهاديين الذين وجهوا طائرات نحو أبراج التجارة العالمية في نيويورك والبنتاغون في واشنطن.
وكان 2001 هو العام الذي كافح فيه العديد من السعوديين لتغطية نفقاتهم وسط أسعار النفط المنخفضة ثم جهود العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله ين عبدالعزيز لإدخال قدر من القيود المالية السعودية. وشغل العديد وظيفتين وحتى ثلاث وظائف.
ويقول طالب سعودي مسجّل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المرموقة في المملكة العربية السعودية في العام 2001 “لم ندفع الإيجار في مساكن الطلاب قبل حرب الخليج. لكننا ندفع الآن”.
وحسب رأي الطالب، في الماضي، لم يكن الأمر مهما إذا لم تكمل دراستك خلال خمس سنوات. الآن تخسر المنحة الدراسية إذا لم تفعل ذلك. قريبا سيُطلب منك دفع الرسوم الدراسية. قبل حرب الخليج، تجد 10 عروض عمل عندما تتخرج. وتُعتبر الآن محظوظا إذا وجدت واحدا”.
ويقول عبدالعزيز، وهو أحد أصدقاء الطالب السعودي، “لا يوجد شيء يمكن فعله هنا سوى الجلوس ومشاهدة التلفاز وتدخين النرجيلة. لا يوجد شيء يمكننا القيام به لتغيير الأشياء. لهذا السبب نتزوج مبكرا، ثم نكتشف أننا أخطأنا”.
وبالعودة إلى العشرية الماضية، فقد انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السعودي مرة أخرى، وإن كان هذا بشكل أقل حدة من 23337 دولارا في السنة التي حذر فيها البنك الدولي من الفقر الذي يلوح في الأفق (2018) إلى 20110 دولارا في 2020.
وأفاد البنك في ملاحظة إيجابية أنه في حين أن “معلومات الفقر والوصول إلى بيانات المسح لقياس ظروف الرفاهية كانت محدودة” فقد شهدت المملكة العربية السعودية “مكاسب في القدرة الإدارية لتحديد الأسر ذات الدخل المنخفض ودعمها”.
ومع ذلك، حذر البنك من أن الطبقة الوسطى قد تكون أكثر عرضة لآلام التقشف والقيود المالية.
تجديد العقود الاجتماعية
بناء على هذه الإحصاءات يرى دورسي أنه من المؤكد أن المملكة العربية السعودية التي نعرفها في مطلع القرن ليست هي اليوم. ورغم أن السعوديين شكلوا حتى وقت قريب واحدة من أكبر مجموعات المقاتلين الأجانب في الدولة الإسلامية، إلا أن من غير المرجح أن يكون ردّ فعل السعوديين اليوم على عقد اجتماعي يَعِدُ برفاهية من المهد إلى اللحد مع احتمال مواجهة مصاعب اقتصادية باللجوء إلى التشدد والتطرف في وقت يسعى فيه ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان إلى إحداث تغيير هائل انطلق في تحقيق البعض منه.
فلقد حرر الأمير محمد بن سلمان الأعراف الاجتماعية ودحر تأثير رجال الدين المحافظين وخلق فضاءات ترفيهية أكبر وعزز حقوق المرأة والفرص المهنية كجزء من خطته للحدّ من اعتماد المملكة على صادرات النفط سعيا لتنويع مصادر الدخل.
ويرى البنك الدولي أن خطة إصلاح رؤية 2030 تعد بحماية المواطنين من آلام التغيير الاقتصادي من خلال “تحديث نظام الرعاية الاجتماعية، وإعادة توجيه دعم الأسعار نحو المحتاجين، وإعداد غير القادرين على الحصول على عمل وتدريبهم، وتقديم رعاية ودعم مخصصين للمواطنين الأكثر ضعفا”.
وسعت الحكومة من خلال ذلك إلى تخفيف تأثير ارتفاع أسعار الطاقة مع مضاعفة ضريبة القيمة المضافة والضريبة الموظفة على المهاجرين ثلاث مرات.
وتتعلق رؤية 2030، أكثر من الحماية الاجتماعية، بخلق فرص عمل للسعوديين في بلد بلغ معدل البطالة فيه 11.7 في المئة في الربع الأول من هذا العام.
وتفيد تقارير أن القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية قد خلق في السنوات الثلاث الماضية ثلث الوظائف الجديدة، البالغ عددها 1.2 مليونا، والتي تحتاجها المملكة بحلول عام 2022 للقضاء على البطالة.
وقالت وكالة الإحصاء في المملكة إن البطالة في الربع الأول من السنة كانت الأدنى في البلاد منذ ما يقارب خمس سنوات، لكن الانخفاض يعود جزئيا إلى عدد مغادري سوق العمل لا لخلق فرص عمل جديدة.
وقد أكد الأمير محمد بن سلمان في مايو الماضي “لدينا ما بين 200 و250 ألف شخص يدخلون إلى سوق العمل كل عام وأن وظائف القطاع العام محدودة”.
وبأخذ السياحة كمثال، قال الأمير محمد بن سلمان إن تطوير الصناعة سيخلق ثلاثة ملايين وظيفة، سيكون مليون منها للسعوديين الذين يمكن أن يحلوا بمرور الوقت محل المغتربين الذين يشغلون في البداية ثلثي الوظائف الشاغرة.
وأكد خلق ثلاثة ملايين فرصة عمل، يمكن تخصيصها للسعوديين فقط في المستقبل. وأيضا وظائف في القطاع الصناعي وغيره.
وتوقع الأمير محمد بن سلمان في الوقت نفسه أن ترتفع نسبة الأجانب في المملكة من ثلث السكان اليوم إلى النصف خلال العقد أو العقدين المقبلين.
ولطالما كانت التغييرات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة في المملكة، وخاصة تلك التي بدأت في رسمها جائحة كورونا وتداعياتها العالمية، محطّ اهتمام الباحثين في الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
وعند الكتابة عن العقد الاجتماعي المتغير في المملكة العربية السعودية، حذرت الباحثتان ميرا الحسين وإيمان الحسين من أن الحكومة تحتاج إلى إدارة التغيير الاقتصادي والاجتماعي السريع، وذلك جزئيا من خلال توفير معلومات أوضح للجمهور.
وحددت الباحثتان القضايا المتعلقة بحقوق الأجانب مقابل الحقوق الممنوحة لأطفال الزيجات المختلطة بين السعوديين وغير السعوديين، والتراجع عن الدين في الحياة العامة، وإجراءات التقشف كنقاط احتكاك محتملة في المملكة.
وأوضحتا أن تداعيات المظالم القائمة والاستقطاب المتزايد داخل المجتمعات الخليجية، بالإضافة إلى برامج الهندسة الاجتماعية الواسعة قد وضعت المحافظين ضد الليبراليين.
وستعتمد قدرة دول الخليج العربي ومن بينها السعودية، على تجديد عقودها الاجتماعية دون اضطرابات لتجنبها خلق مظالم جديدة وعلى حل المظالم القائمة.