قناة جونقلي تفرض على القاهرة تفاهمات جديدة مع الخرطوم وجوبا

القاهرة - نجحت مصر في تطوير علاقاتها مع جنوب السودان ووصلت إلى مستوى مرتفع من التعاون والتنسيق في عدد من القضايا الحيوية التي تهمّ البلدين.
وشرعت القاهرة في تعزيز علاقاتها مع دولة جنوب السودان وإيجاد تفاهمات ثلاثية مشتركة، أملا في تهيئة الأجواء لاستئناف العمل في مشروع قناة جونقلي وتعويض ما يمكن أن تخسره دولتا المصب من فقد في المياه بعد اكتمال سد النهضة الإثيوبي.
واختتم جيمس واني إيجا نائب رئيس جمهورية جنوب السودان المسؤول عن الملف الاقتصادي في بلاده، زيارة إلى القاهرة السبت الماضي حظي فيها بترحيب من كبار المسؤولين في مصر بما يؤكد الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين ويوحي بأن القاهرة تعول كثيرا على تطوير روابطها مع جوبا بما يتجاوز الحدود المعلنة مع دول حوض النيل.
وجاءت زيارة نائب رئيس جمهورية جنوب السودان للقاهرة بعد نحو شهر من زيارة قام بها وزير الري المصري إلى جوبا وجرى خلال الزيارتين توقيع عدد من الاتفاقيات التي تدعم التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتعظيم الاستفادة من مشروعات المياه في محاولة لتوسيع نطاق البدائل أمام الحكومة إذا تم تنفيذ مشروع سد النهضة وإدارته وفقا لرؤية أديس أبابا التي تؤثر سلبا على مصالح مصر.

عطية عيسوي: مصر حريصة على استكمال مشروع قناة جونقلي المتعثر
ويقول مراقبون إن لدى القاهرة طموحات في إعادة إحياء شق مشروع قناة جونقلي الواقعة في جنوب السودان لتعويض جزء من عجز المياه المتوقع بعد اكتمال سد النهضة وأن المساعدات والخبرات المقدمة لجوبا تصب جميعها في هذا الاتجاه الذي يتطلب جهدا لاستئناف العمل في قناة جونقي وتوفير الميزانية الكافية لاستكماله.
وبدأ الاتفاق بين مصر والسودان على مشروع القناة عام 1974 وتقوم فكرته على شق قناة بطول 360 كم بين مدينتي بور وملكال في جنوب السودان عندما كان جزءا من دولة السودان.
وكان المخطط أن تؤدي القناة إلى توفير المياه التي تتسرّب في مستنقعات جنوب السودان وتجفيف مليون ونصف فدان من الأراضي الصالحة للزراعة.
وتم تنفيذ الجزء الأكبر من المشروع، حيث جرى حفر 260 كيلومترا بواسطة شركة فرنسية فازت بعطاء تنفيذ الحفر الذي توقف عند قرية الكونقر عقب نشوب الحرب الأهلية في 1983 بين الحركة الشعبية والحكومة المركزية في الخرطوم.
ورغم انفصال جنوب السودان عام 2011 وهدوء الأوضاع على الحدود مع دولة السودان في الشمال، فإن المشروع لم يتم الحديث عنه مرة أخرى بسبب الأزمات التي طغت على العلاقة بين القاهرة والخرطوم في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
وفي ظل العلاقة الجيّدة بين البلدين حاليا عادت أهمية المشروع لتظهر في خطاب النخبة المصرية بما يسمح بفتح المجال لاستكمال الحفر في القناة لأن الجزء المتبقي لا يتجاوز 100 كيلومتر، ويمكن صيانة ما تم حفره سلفا (260 كيلومترا).
ويقول خبراء المياه إن قناة جونقلي تهدف إلى زيادة مياه النيل القادمة من النيل الأبيض وتشكل 15 في المئة، ويمكن الاستفادة منها في إقامة مشروعات زراعية في الدول الثلاث تتحول لاحقا إلى مرتكز لتطوير العلاقات وخلق مساحة كبيرة للتعاون.
وأكد الخبير في الشؤون الأفريقية عطية عيسوي لـ”العرب”، أن مصر حريصة على استكمال قناة جونقلي بهدف توفير نحو 8 مليار من المياه سنويا، كان من المفترض أن يتم اقتسامها بين القاهرة والخرطوم وقت الشروع في القناة، ومع المتغيرات الجديدة لن توجد ممانعات لاستفادة جوبا من المياه الوفيرة أصلا في جنوب السودان.
وأضاف أن مصر تقيم مشروعات عديدة في جنوب السودان، وينشط عدد كبير من الشركات المصرية هناك، حيث تحتاج هذه الدولة البكر لخبرات اقتصادية مختلفة، ويمكن أن تصبح سوقا واعدة ويبقى توفير الأمن والاستقرار هو التحدي الأكبر لاستئناف هذا المشروع، الأمر الذي تعمل عليه القاهرة.
ويتطلب استئناف العمل في المشروع إيجاد حلول للمشاكل المائية العالقة بين الخرطوم وجوبا، والتي تأجل حسمها بعد تشكيل لجنة لبحثها وتقديم حلول منتجة لها عندما حصل جنوب السودان على استقلاله، وهو ما تفكر القاهرة في الدفع به خلال الفترة المقبلة مستفيدة من علاقته القوية بكل من الخرطوم وجوبا.