عام على انفجار بيروت.. لا محاسبة والسياسة تعرقل التحقيق

بيروت - مرّ عام على انفجار مرفأ بيروت الذي غيّر وجه المدينة وحصد أكثر من مئتي قتيل وآلاف المصابين والمصدومين، دون أن تُكشف أسبابه أو يحاسب المسؤولون عنه، ويرجع ذلك أساسا إلى العراقيل السياسية التي تعيق التحقيق.
وفي الرابع من أغسطس 2020 اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دماراً ضخماً في المرفأ ومعظم الأحياء الشرقية لبيروت، واقتلع أبوابا ونوافذ في المدينة وضواحيها.
وعزت السلطات الانفجار إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة منذ عام 2014 في المعبر رقم 12 في المرفأ.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات وحوادث عديدة لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها لا يزال اللبنانيون -وعلى رأسهم أهالي 214 قتيلاً وأكثر من ستة آلاف جريح- ينتظرون أجوبة عن أسئلتهم: من أتى بهذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم إلى بيروت؟ لماذا تُركت سبع سنوات في المرفأ؟ ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي الشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم؟
الكثيرون يشككون في إمكانية التوصل إلى حقيقة ما حصل أو حتى محاسبة أي مسؤول سياسي أو أمني بارز
وتؤكد مصادر قضائية أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى. لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقاً أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ولم يحركوا ساكناً لإخراجها منه.
وسلّط الانفجار الضوء على المرفق الحيوي الذي يعتبر صورة مصغّرة عن مؤسسات الدولة اللبنانية لجهة استشراء الفساد والمحسوبيات والرشاوى ونفوذ قوى سياسية فيه.
وخلال سبع سنوات أحيطت أجهزة أمنية ومسؤولون سابقون وحاليون علمًا بوجود كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ومن بينهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزراء حاليون وسابقون فضلاً عن أجهزة أمن الدولة والجيش والمديرية العامة للأمن العام.
وذكر جهاز أمن الدولة في تقرير أعده قبل أشهر من الانفجار أن اشتعال تلك المواد قد يؤدي إلى انفجار مدمر. وأبلغ لاحقاً السلطات بخطورتها.
وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف، إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن قاضي التحقيق مؤخرا عزمه استجواب دياب كمدعى عليه، ووجّه كتاباً إلى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن ثلاثة وزراء سابقين هم النواب علي حسن خليل (المال) وغازي زعيتر (الأشغال) ونهاد المشنوق (الداخلية) “تمهيداً للادعاء عليهم”.
كما طلب الإذن بملاحقة كل من مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا، وادعى على مسؤولين عسكريين سابقين من بينهم قائد الجيش السابق جان قهوجي.
والتهم التي يمكن أن يلاحقوا بها هي “جناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل” إضافة “إلى جنحة الإهمال والتقصير”، لأنهم كانوا على دراية بوجود نيترات الأمونيوم “ولم يتخذوا إجراءات تجنّب البلد خطر الانفجار”.
ورفض وزير الداخلية محمد فهمي إعطاء الإذن بملاحقة عباس إبراهيم، بينما طلب البرلمان تزويده بأدلة ومستندات إضافية قبل اتخاذه القرار بشأن رفع الحصانة عن النواب والوزراء.
وانتقدت عدة جهات دولية تأخر صدور نتائج التحقيق المحلي. ودعت أكثر من خمسين منظمة، من بينها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، الأمم المتحدة إلى إنشاء بعثة تحقيق دولية في الانفجار. وكان لبنان رفض إجراء تحقيق دولي.
واتهمت منظمة العفو الدولية الإثنين السلطات اللبنانية بأنها تعرقل “بوقاحة” مجرى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت للتوصل إلى الحقيقة وإنصاف الضحايا.
وقالت المنظمة في بيان إن “السلطات اللبنانية أمضت السنة المنقضية وهي تعرقل بوقاحة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة في أعقاب الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت”. وأضافت أن “الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية بلا كلل ولا ملل لحماية المسؤولين من الخضوع للتحقيق عرقلت على نحو متكرر سير التحقيق”.
ويعيق غياب المحاسبة والكشف عن الحقيقة التعويضات ودفعات التأمين التي من المفترض أن يحصل عليها الضحايا وعائلاتهم.
ويُنظم أهالي الضحايا الأربعاء، في ذكرى مرور عام على الانفجار، مسيرات للمطالبة برفع الحصانات عن المسؤولين الذين يطلب المحقق العدلي ملاحقتهم. وخلال مؤتمر صحافي الإثنين أمهل أهالي الضحايا المسؤولين 30 ساعة للبت في مسألة رفع الحصانات.
وقال والد أحد الضحايا إبراهيم حطيط “صَبَرنا حتّى نفد صبرنا… الرابع من أغسطس هو يوم وجعنا”. وأضاف “أمامكم 30 ساعة، انظروا بما ستقومون به في ما يتعلق بمسألة الحصانات والأذونات. ونتمنى أن تفكروا بطريقة صحيحة ولو مرة واحدة”. ويُشكك كثيرون في إمكانية التوصل إلى حقيقة ما حصل أو حتى محاسبة أي مسؤول سياسي أو أمني بارز